جريدة الديار
الأحد 2 يونيو 2024 08:23 صـ 25 ذو القعدة 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع
”تعليم دمياط” يبدأ اولى محطات قطار تنمية الموهوبين ” ريشة فنان ” «كچك» يفتتح معرض صنع فى مصر بقرية سنهورالبحيرة وكيل وزارة الصحة بالشرقية يقرر مجازاة الكاتب ومدير الاستقبال بمستشفى مشتول السوق إنطلاق فعاليات برنامج التدريب على استراتيجيات التدريس التفاعلي بالإسكندرية برلمانية: استنئاف جلسات الحوار تعزز الاصطفاف الوطنى لمواجهة تحديات الأمن القومى «الاستثمار بالإسكندرية بين الواقع والمأمول» صالون بالإسكندرية نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه القبلي تابع أعمال امتحانات الفصل الدراسي الثاني بكلية البنات الأزهرية بالمنيا نميرة نجم : يجب التعامل مع تعقيدات الذكاء الإصطناعي لضمان بقائه قوة من أجل الخير ”وكيل تعليم دمياط” يعلن عن جداول المراجعات النهائية المجانية ”اونلاين” لطلاب شهادة الثانوية العامة تعرف علي تفاصيل نتيجة الشهادة الاعدادية بالدقهلية ”راشد” يشدد علي رؤساء الأحياء بسرعة تنفيذ الخطة الاستثمارية تعرف علي حصاد نشاط وزارة الهجرة في أسبوع

الشيخ أحمد علي تركي يكتب: مَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ فِي الْحَجِّ

الشيخ أحمد علي تركي
الشيخ أحمد علي تركي

قَدْ حَصَرَ النَّبِيُّ ﷺ الْغَايَةَ مِنَ الْبَعْثَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فِي تَمَامِ صَالِحِ الْأَخْلَاقِ فَقَالَ ﷺ:

إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ.

أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالْحَاكِمُ، وَأَحْمَدُ

فَلَا عَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُسْنُ الْخُلُقِ غَايَةَ الْغَايَاتِ فِي سَعْيِ الْعَبْدِ لِاسْتِكْمَالِ الصِّفَاتِ عَلَى أَسَاسٍ مِنَ التَّوْحِيدِ الْمَكِين وَثَابِتِ الْإِخْلَاصِ وَالْيَقِينِ .

وَقَدْ كَانَ إِمَامُ الْأَنْبِيَاءِ ﷺ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ عَلَى الْقِمَّةِ الشَّامِخَةِ وَفَوْقَ الْغَايَةِ وَالْمُنْتَهَى فَكَانَ كَمَا قَالَ عَنْهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ :

{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}

[القلم: 4]

وَهُوَ ﷺ مَعَ ذَلِكَ لَا يَنْفَكُّ يَدْعُو رَبَّهُ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ بِقَوْلِهِ :

اللهم اهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ ؛ فَإِنَّهُ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئِهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ .

رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

يَطْلُبُ مِنْ رَبِّهِ أَنْ يُرْشِدَهُ لِصَوَابِ الْأَخْلَاقِ،

وَيُوَفِّقَهُ لِلتَّخَلُّقِ بِهِ ، وَأَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ قَبِيحَ الْأَخْلَاقِ وَمَذْمُومَ الصِّفَاتِ وَيُبْعِدَ ذَلِكَ عَنْهُ ، مَعَ أَنَّهُ ﷺ عَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ وَمَعَ أَنَّ خُلَقَهُ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ .

أَخْبَرَ سَعْدُ بْنُ هِشَامٍ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فَقَالَ :

قُلْتُ : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ، أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ .

قَالَتْ : أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ ؟

قُلْتُ : بَلَى .

قَالَتْ : فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ الْقُرْآنُ .

رَوَاهُ مُسْلِمٌ

وَمَعْنَى أَنَّ خُلُقَهُ الْقُرْآنُ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِهِ وَيَقِفُ عِنْدَ حُدُودِهِ ، وَيَتَأَدَّبُ بِآدَابِهِ ، وَيَعْتَبِرُ بِأَمْثَالِهِ وَقَصَصِهِ وَيَتَدَّبَرُهُ وَيُحْسِنُ تِلَاوَتَهُ .

وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَسْأَلُ الْهِدَايَةَ لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ،

وَيَسْتَعِيذُ مِنْ سَيِّئِهَا فَكَيْفَ يَصْنَعُ غيره .

وَلَا رَيْبَ أَنَّ حَاجَةَ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ إِلَى حُسْنِ الْخُلُقِ كَحَاجَتِهِ إِلَى الْهَوَاءِ بَلْ أَشَدُّ لِأَنَّ فَقْدَ الْهَوَاءِ يَعْنِي مَوْتَ الْبَدَنِ ، وَفَقْدَ الْخُلُقِ الْحَسَنِ يَعْنِي مَوْتَ الْقَلْبِ وَفِي مَوْتِ الْقَلْبِ فَقْدُ الدِّينِ ، وَهَلَاكُ الْأَبَدِ .

وَلَمَّا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ أَكْمَلَ النَّاسِ خُلُقًا وَأَحْسَنَهُم أَخْلَاقًا كَانَ أَوْلَى النَّاسِ بِالْحُبِّ وَالْقُربِ مِنْهُ مَنْ بَلَغَ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ مَبْلَغًا مَرْضِيًّا وَتَسَنَّمَ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ مَكَانًا عَلِيًّا .

#عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :

أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ :

مِن أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقرَبِكُم مِنِّي مَجلِسًا يَوْمَ الْقِيامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ ، وَأَبعَدَكُمْ مِنِّي مَجلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيهِقُونَ .

قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّٰهِ قَدْ عَلِمنَا الثَّرثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيهِقُونَ ؟

قَالَ : الْمُتَكَبِّرُونَ .

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

#وَذَمَّ الْإِسْلَامُ أَصْحَابَ الْأَخْلَاقِ السَّيِّئَةِ فَلَمَّا كَانَ خَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْظَمَهُمْ سَهْمًا فِي حُسْنِ الْخُلُقِ كَانَ شَرُّ النَّاسِ أَعْظَمَهُمْ سَهْمًا فِي سُوءِ الْخُلُقِ .

#فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ :

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ :

يَا عَائِشَةُ إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ

اتِّقَاءَ فُحْشِهِ .

مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

وَالْفَاحِشُ الْبَذِيءُ مَبْغُوضٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ .

#فَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ :

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ :

إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كلَّ فاحشٍ مُتَفَحِّشٍ .

رَوَاهُ أَحْمَد

وَالْفَاحِشُ : ذُو الْفُحْشِ فِي كَلَامِهِ وَفَعَالِهِ .

وَالْمُتَفَحِّشُ : الَّذِي يَتَكَلَّفُ ذَلِكَ وَيَتَعَمَّدُهُ .

#وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ :

مَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا .

فِي الصَّفْحِ وَالْعَفُوِ وَالْحِلْمِ مِنَ الْحَلَاوَةِ وَالطُّمْأَنِينَةِ وَالسَّكِينَةِ مَا لَيْسَ فِي الْمُقَابَلَةِ وَالِانْتِقَامِ .

#وَالْمُرُوءَةُ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى :

{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}

[الأعراف: 199]

فَإِحْسَانُ التَّعَامُلِ مَعَ الْخَلْقِ هُوَ امْتِثَالٌ لِأَمْرِ الرَّبِّ وَامْتِثَالٌ لِأَمْرِ النَّبِيِّ الْأَكْرَمِ ﷺ :

وَخَالِق النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ

خَالِقْ النَّاسَ يَعْنِي : فَلْتَكُنْ أَخْلَاقُكَ الْمَبْذُولَةُ إِلَيْهُمْ حَسَنَةً .

فَهُوَ امْتِثَالٌ لِأَمْرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَامْتِثَالٌ لِأَمْرِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ .

وَيَجْعَلُهُ النَّبِيُّ ﷺ مُؤَدِّيًا إِلَى مَبْلَغٍ لَا يُرْتَقَى مُرْتَقَاهُ إِلَّا بِشِقِّ النَّفْسِ وَبَذْلِ الْمَجْهُودِز.

« إِنَّ الرَّجُلَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ » .

#الْحِرْصُ عَلَى الْإِخْلَاصِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فِي الْحَجِّ :

عَلَى مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَنْ يُخْلِصَ للهِ تَعَالَى فِي قَصْدِهِ وَعَمَلِهِ وَأَنْ يَحْرِصَ عَلَى النَّفَقَةِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي لَا حُرْمَةَ فِيهَا وَلَا شُبْهَةَ ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا .

وَقَدْ ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ :

الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ : يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَقَدْ غُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ؟

وَلْيَحْرِصْ مَنْ نَوَى الْحَجَّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَكَرِيمِ الْخِصَالِ وَلْيُعَوِّدْ نَفْسَهُ الصَّبْرَ وَالِاحْتِمَالَ لِأَنَّ السَّفَرَ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ .

وَلْيَجْتَنِبِ الْمُحَرَّمَاتِ وَلْيَحْرِصْ عَلَى الْأَوْقَاتِ وَلْيُؤَدِّ الْحُقُوقَ وَالْوَاجِبَاتِ وَلْيَحْرِصْ عَلَى أَلَّا يَصْحَبَ إِلَّا مُؤْمِنًا لِقَوْلِ الرَّسُولِ ﷺ :

لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ .

أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ

وَلْيَكْتُبْ مَنْ نَوَى الْحَجَّ وَصِيَّتَهُ قَبْلَ سَفَرِهِ وَليُوصِ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ وَلْيَأْمُرْهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَفِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمُنْكَرَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ .

#فَالْحَجُّ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ وَمِنْ أَجَلِّ الطَّاعَاتِ ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الَّذِي بَعَثَ اللهُ تَعَالَى بِهِ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ ، فَهُوَ مِنَ الْأَرْكَانِ الَّتِي لَا يَسْتَقِيمُ دِينُ الْعَبْدِ إِلَّا بِهَا .

#وَلَمَّا كَانَتِ الْعِبَادَةُ لَا يَسْتَقِيمُ التَّقَرُّبُ بِهَا إِلَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا وَلَا تَكُونُ مَقْبُولَةً لَدَيْهِ إِلَّا بِأَمْرَيْنِ :

أَحَدِهِمَا :

الْإِخْلَاصُ للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِأَنْ يَقْصِدَ بِالْعِبَادَةِ وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ لَا يَقْصِدُ بِالْعِبَادَةِ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً .

وَالثَّانِي :

اتِّبَاعُ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْعِبَادَةِ قَوْلًا وَفِعْلًا .

وَالِاتِّبَاعُ لِلنَّبِيِّ ﷺ يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ بِمَعْرِفَةِ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ وَلَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُ الِاتِّبَاعِ لِلنَّبِيِّ ﷺ إِلَّا بِمَعْرِفَةِ سُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ ؛ لِذَلِكَ كَانَ لَا بُدَّ لِمَنْ أَرَادَ تَحْقِيقَ الِاتِّبَاعِ أَنْ يَتَعَلَّمَ سُنَّةَ النَّبِيِّ ﷺ بِأَنْ يَتَلَقَّاهَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَا إِمَّا بِطَرِيقِ الْمُكَاتَبَةِ وَإمَّا بِطَرِيقِ الْمُشَافَهَةِ .

وَكَانَ مِنْ وَاجِبِ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ وَرِثُوا النَّبِيَّ ﷺ، وَخَلَفُوهُ فِي أُمَّتِهِ ؛ أَنْ يُطَبِّقُوا عِبَادَاتِهِمْ وَأَخْلَاقَهُمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ عَلَى مَا عَلِمُوهُ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِمْ ﷺ وَأَنْ يُبَلِّغُوا ذَلِكَ إِلَى أُمَّتِهِ وَيَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ؛ لِيَتَحَقَّقَ لَهُمْ مِيرَاثُ النَّبِيِّ ﷺ عِلْمًا وَعَمَلًا ، وَتَبْلِيغًا وَدَعْوَةً ، وَلِيَكُونُوا بِذَلِكَ مِنَ الرَّابِحِينَ إِنْ أَرَادُوا الرِّبْحَ حَقًّا .

لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُ مُفْلِحًا إِلَّا إِذَا آمَنَ وَعَمِلَ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَى مَعَ إِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ بِالْحَقِّ وَتَوَاصَى مَعَ إِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ بِالصَّبْرِ فَبِذَلِكَ يَتَحَقَّقُ الْفَلَاحُ وَالنَّجَاحُ دُنْيَا وَآخِرَةً .

#يَنْبَغِي لِمَنْ خَرَجَ إِلَى الْحَجِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ أَنْ يَسْتَحْضِرَ نِيَّةَ التَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ ؛ لِتَكُونَ أَقْوَالُهُ وَأَفْعَالُهُ وَنَفَقَاتُهُ مُقَرِّبَةً لَهُ إِلَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا فَـإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى .

#وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَخَلَّقَ بِالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ كَالْكَرَمِ وَالسَّمَاحَةِ وَالشَّهَامَةِ وَالِانْبِسَاطِ إِلَى رُفْقَتِهِ وَإِعَانَتِهِمْ بِالْمَالِ وَالْبَدَنِ وَإِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَيْهِمْ هَذَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى قِيَامِهِ بِمَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ .

#خُلُقُالتَّوَاضُعِفِي_الْحَجِّ

وَالنَّبِيُّ ﷺ سَيِّدُ الْمُتَوَاضِعِينَ :

فَالنَّبِيُّ ﷺ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِثَالًا لِلتَّوَاضُعِ شَاخِصًا مِثَالًا لِلْبُعْدِ عَنِ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ مَاثِلًا وَقَائِمًا صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ .

وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ :

«خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»

فَإِنَّ مَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ ﷺ يَنْبَغِي أَنْ يُلْتَزَمَ ؛ لِأَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ جَعَلَهُ حُجَّةً عَلَى خَلْقِهِ فِي أَرْضِهِ وَهُوَ خَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ .

كَانَ النَّبِيُّ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِثَالًا لِلْعَبْدِ الْقَانِتِ الْمُنِيبِ :

« لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَقُولُوا : عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ﷺ ».

فَحَقَّقَ الْعُبُودِيَّةَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا سُلُوكًا وَتَطْبِيقًا وَعَمَلًا وَكَانَ للهِ مُتَوَاضِعًا .

نَحَرَ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً ، نَحَرَهَا بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُنِيبَ وَأَنْ يُوَكِّلَ وَلَكِنْ نَحَرَ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ .

#قَالَ_الْعُلَمَاءُ

كَأَنَّمَا كَانَتْ إِشَارَةً إِلَى عُمُرِهِ الشَّرِيفِ إِذْ عَاشَ ثَلَاثَةً وَسِتِّينَ عَامًا ﷺ ، وَوَكَّلَ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في نَحْرِ تَمَامِ الْمِئَةِ ثُمَّ أَكَلَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ هَدْيِهِ كَمَا يَأْكُلُ الْحَجِيجُ مُتَوَاضِعًا للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .

#خُطُورَةُالْمَعَاصِيوَالْمُخَاصَمَةِفِيالْحَجِّ

قَالَ تَعَالَى :

{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}

[الحج: 25]

وَمَنْ يُرِدْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْمَيْلَ عَنِ الْحَقِّ ظُلْمًا وَيَعْصِي اللهَ فِيهِ ؛ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ مُوجِعٍ فِي الْآخِرَةِ .

وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّيِّئَةَ فِي الْحَرَمِ أَعْظَمُ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ فَإِنَّهَا تُضَاعَفُ فِيهِ ، وَأَنَّ الْهَمَّ بِالسَّيِّئَةِ فِي الْحَرَمِ مُؤَاخَذٌ عَلَيْهِ .

وَقَالَ تَعَالَى :

{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}

[البقرة: 197]

#وَقْتُ الْحَجِّ أَشْهَرٌ مَعْلُومَاتٌ وَهِيَ :

شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ .

لِأَنَّ أَرْكَانَ الْحَجِّ تُسْتَوْفَى فِيهَا وَتُؤْخَذُ الْأُهْبَةُ لَهُ فِيهَا وَيُحْرَمُ بِهِ أَيْ : بِالْحَجِّ فِيهَا فَمَنْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ وَأَوْجَبَ عَلَيْهَا فِي الْأَشْهُرِ الْمَعْلُومَاتِ الْحَجَّ بِالْإِحْرَامِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْجِمَاعُ وَمُقَدِّمَاتُهُ الْقَوْلِيَّةُ وَالْفِعْلِيَّةُ وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمَعَاصِي وَالْمِرَاءُ وَالْمُخَاصَمَةُ .

فَإِذَا كُنْتُمْ قَدْ تَنَزَّهَتُمْ فِي حَجِّكُمْ عَنْ كُلِّ شَرٍّ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ اجْتَمَعْتُمْ لِعَمَلِ الْخَيْرِ ، فَتَنَافَسُوا فِيهِ وَتَبَادَلُوا النَّفْعَ وَاعْمَلُوا عَلَى مَا يُقَوِّي جَمْعَكُمْ وَيُزِيلُ الضُّرَّ عَنْكُمْ ، وَيَدْفَعُ عَنْكُمْ كَيْدَ الْكَائِدِينَ .

#وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمُهُ اللهُ ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِكُمْ وَهُوَ الَّذِي يُثِيبُكُمْ عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَتَزَوَّدُوا بِالتَّقْوَى لِمَعَادِكُمْ عِنْدَمَا تَرْحَلُونَ عَنِ الدُّنْيَا بِالْمَوْتِ ، فَإِنَّ أَفْضَلَ زَادٍ يَتَزَوَّدُ الْإِنْسَانُ بِهِ إِلَى دَارِ الْآخِرَةِ هُوَ تَقْوَى اللهِ تَعَالَى بِالْتِزَامِ أَحْكَامِ شَرِيعَتِهِ ، وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ الَّذِي يُوصِلُ إِلَى النَّعِيمِ الْمُقِيمِ فِي الْجَنَّةِ .

وَخَافُوا عِقَابِي وَالْتَزِمُوا بِشَرِيعَتِي وَاشْتَغِلُوا بِعِبَادَتِي يَا ذَوِي الْعُقُولِ الْوَاعِيَةِ الدَّرَّاكَةِ الَّتِي تَعْقِلُ الْمَعَارِفَ فَتُمْسِكُ بِهَا ، وَتَعْقِلُ النُّفُوسَ عَنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى وَالشَّهَوَاتِ .

نَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَحْمِلَنَا إِلَى بَلَدِهِ الْحَرَامِ وَبَيْتِهِ الْحَرَامِ حُجَّاجًا وَمُعْتَمِرِينَ وَأَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا أَجْمَعِينَ إِنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

اللَّهُمَّ يَسِّرْ لَنَا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ أَجْمَعِينَ .

اللَّهُمَّ ومُنَّ عَلَيْنَا بِزِيَارَةِ مَسْجِدِ نَبِيِّنَا ﷺ ، وَمُنَّ عَلَيْنَا بِأَنْ تَقْبِضَنَا فِي بَلَدِ نَبِيِّكَ ﷺ،

وَبِالدَّفْنِ فِي الْبَقِيعِ فَإِنَّا نَطْمَعُ فِي رَحْمَتِكَ وَنَرْجُو بِرَّكَ وَأَنْتَ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ .