جريدة الديار
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار

”أصوات المثقفين في ثورة 1919“ ..تاريخ الفكر المصري الحديث

أصوات المثقفين
دينا السعيد -

تصدر دار المرايا للنشر كتاب " أصوات المثقفين في ثورة 1919.. الثورة والنخب والجماهير " ، تأليف عبد المنعم سعيد.

هذا كتاب مهم، وموضوعه هو تاريخ الفكر المصري الحديث، ونطاق بحثه هو ثورة 1919.

ينطلق الكتاب -الذي جمع مادته وحققها وكتب دراسته التقديمية الباحث والمؤرخ عبد المنعم سعيد- من فرضية أن الشكل المميز للوطنية المصرية، الذي لعب دورا كبيرا في رسم صورة تاريخنا الثقافي والسياسي، والذي لا يزال حيا بصورة أو بأخرى حتى يومنا هذا، هذا الشكل قد تبلورت صياغته في غمار مرحلة ثورة 1919.

ينتخب الكتاب نصوصا تاريخية كتبها مفكرو مصر الكبار الذين يسمون "الرواد"، من أمثال طه حسين وعباس العقاد ومحمد حسين هيكل وأحمد لطفي السيد، إبان أحداث ثورة 1919، لنرى من خلال كتابات هؤلاء مواقفهم وأفكارهم في الثورة وفي التغيير والإصلاح والاستعمار والغرب والمصرية والإسلامية، وغيرها من القضايا الشائكة التي رسم الصراع حولها صورة مصر لمائة عام تلت.

كانت التطورات الاجتماعية الهائلة التي ألمت بمصر الحديثة، قبل ومع الاستعمار البريطاني، قد خلقت طبقات اجتماعية جديدة غيرت وجه البلاد.

فمع السنوات الأولى من القرن العشرين تبلورت في مصر طبقة الأفندية، التي تضم من بين ما تضم الإنتلجنتسيا الحديثة التي خلعت العمامة الأزهرية ووضعت الطربوش مكانها، وكذلك طبقة كبار الملاك، خاصة جناحها الطامح إلى الاستثمار التجاري والصناعي (رغم ضآلة حجمه)، وطبقة العمال المأجورين الحديثة، هذا بالإضافة إلى تغيير حياة الفلاح تغييرا جوهريا بإدماجه في السوق عبر فرض زراعات نقدية (القطن والقصب وغيرهما) على مجمل الرقعة الزراعية.

في هذا السياق بدأ تشكل الوطنية المصرية الحديثة، خروجا من رحم فكرة الجامعة الإسلامية، التي مزجت -بالذات على يد مصطفى كامل- بين الولاء للباب العالي والخلافة وبين المصرية الحديثة. الوطنية الحديثة المتشكلة كانت ـإذا جاز التعبير- على يمين وطنية مصطفى كامل من ناحية انتماءها، طبقيا، إلى فلك الطبقة البرجوازية الصاعدة، الطامحة في استقلال ما يناسب آمالها ويتسق مع ضعفها، ولكن غير الراغبة أبدا في أي تغيير جذري في أحوال الناس أو في العلاقة مع قصر الدوبارة أو قصر عابدين. تبلورت تلك الوطنية في حزب الأمة، حزب لطفي السيد وأقرانه، وهو الحزب الذي لعب كثير من أتباعه الدور المفصلي في قيادة ثورة 1919 سياسيا.

ومن ثم اعتبر كثير من المؤرخين أن حزب الوفد هو الابن الشرعي لحزب الأمة، مع تعديلات هنا وهناك. على أي حال، فإن الشكل العلماني الخجول، المهمل للقضية الاجتماعية بشكل كبير، الدولتي، للوطنية المصرية السائدة، كان من نواتج الصراعات السياسية والفكرية الممهدة واللاحقة لثورة 1919.

وهذا ما يحاول كتاب سعيد كشفه، بالنصوص التاريخية المجهولة التي جمعها وحققها، وكذلك بتحليله لقوى الفكر والواقع في مصر عشية ثورة تأسيس الوطنية المصرية، ثورة 1919.