جريدة الديار
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار

هرقل والإسلام... بقلم : أحمد الحاج

أحمد الحاج -

استدعى هرقل امبراطور الامبراطورية الرومية البيزنطية الأسقف الأكبر للامبراطورية ضغاطر فدخل عليه ، وكان كل الناس في الرومان يطيعون أمر هذا الأسقف الكبير، فعرض عليه هرقل كتاب عجيب ، وصله من نبي محمد صلى الله عليه و سلم .

فلما قرأ الأسقف الكتاب تهلل وجهه و قال: "هو والله الذي بشرنا به موسى وعيسى الذي كنا ننتظر". قال قيصر: فما تأمرني؟ فقال الأسقف: أما أنا فإني مصدقه ومتبعه. فقال قيصر: أعرف أنه كذلك، ولكني لا أستطيع أن أفعل، وإن فعلت ذهب ملكي وقتلني الروم. خرج الأسقف ضغاطر للرومان، ودعا جميع الرومان إلى الإيمان بالله تعالى وإلى اتباع الني الخاتم محمد صلى الله عليه و سلم ، وأعلن الشهادة أمام الجميع .

إنه موقف شجاع من هذا العالم، ولقي ربه شهيدًا؛ حيث قام الناس وقفزوا عليه قفزة واحدة، فضربوه حتى قتلوه. وكان هذا الأسقف أعظم شخصية في الدولة الرومانية، حتى إنه كان أعلى من هرقل عند الناس، وعرف هرقل بقتل هذا الرجل الكبير، ولم يستطع أن يفعل أي شيء؛ وفي هذا دلالة على ضعفه الشديد أمام الكرسيّ الذي يجلس عليه.

وسار هرقل إلى حمص ، فلم يرم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق راي هرقل على خروج النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه نبي ، فأذن هرقل بأبوابها فغلقت ، ثم قال لهم : يا معشر الروم ، هل لكم في الفلاح والرشد ، وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي ؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب ، فوجدوها قد غلقت ، فلما رأى هرقل نفرتهم ، وياس من الإيمان ، قال : ردوهم علي ، وقال : إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم ، فقد رأيت ، فسجدوا له ورضوا عنه .

عقد هرقل مقارنة سريعة بين المُلك وبين الإيمان، أي بين الحياة ممكَّنًا وبين الموت شهيدًا، فأخذ القرار، واختار الملك والحياة الدنيا ورفض الإيمان، بعد كل هذه القناعة برسول الله صلى الله عليه و سلم ، وبكل هذا اليقين بنبوته لم يقف هرقل عند حدِّ عدم الإيمان ولم يقبل بالحياد، ولكنه سيَّر الجيوش تلو الجيوش لحرب المسلمين مع إحساسه الداخلي أنه سيغلب، وأنه لن ينتصر على المسلمين، ولكن هذا الإحساس لم يمنعه من اتباع الشياطين، ومحاولة مقاومة الإسلام بداية من مؤتة ومرورًا بتبوك، ومعارك متتالية في فلسطين والأردن وسوريا ولبنان وتركيا وغيرها، ومع فشله في كل هذه المعارك ومع تناقص الأرض من حوله ومع ظهور صدق الرسول صلى الله عليه و سلم يومًا بعد يوم، إلا أن هرقل لم يؤمن، ويبدو أن فتنة الكرسيّ لا تعدلها فتنة. يقول الله : {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل: 14]. ويقول تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} [يونس: 108]. المصدر : ابن كثير السيرة النبوية / صحيح البخاري