جريدة الديار
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار

علياء يسري تكتب: الفستان ....

علياء يسري -

عيناه المستقرتان في رأسه يلمعان في ظلمة الكحل، عينا رجل قد تجاوز السبعين من العمر الأرضي مما نعد ، ولكن لم تفارقه الطفولة طيلة البقاء ، طفولة السذاجة وقلة الحكمة وعبثية الفعل، نظر بهما بحدة إلى سقف بيته المتهالك ، وكأنه يقول في خاطرة نفسه : انت شاهد على حياتي ، كل ما فعلته كان تحت انتباهك ، وحدك من تقر مذنبا أو صالحا ، بارا كنت ام فاجرا ، إني لكافر بالسماء ولكني مؤمنُ بِك ، أعلم أنك لمادة ، يقولون أن المواد لا تشعر ولكن وحدها على الأرض من تصلح للحكم ، فرغم الخرس الذي يلحق بها إلا أن كل الأشياء التي تفتقر للروح أشرف ممن يتغذون عليها ،
قام من كرسيه مستندا على عكازه ، وبعد أن قام ظل يسرح في الظل ، نعم ظله ولكن من أين لي بهذا الظل ؟ هل لي وجود بعد موجودها ؟ ،
داعب شعره بااليسرى وهو يفكر : لماذا عساني قد قمت من مطرحي ، إلى ماذا كنت أرنو من جراء ذلك الفعل ، ااه لقد انتهينت ، عقلي لم يعد متزنا كما كان ، ربما اقتل نفسي ، وربما أشرب كأسا من جديد
رمى بعينيه بعيدا نحو صورة زفافه ، يتأمل فستان عروسته ، قائلا : كم كان رقيقا ليست ك موضة تلك الأيام السخيفة ، كانت ليلة جميلة حقا مثلها، ولكن كل شيء قد مضى الآن ، ياترى اين البدلة ؟ لقد كنت أبدو وسيما ، رجلا بحق فالآن صرت خردة ، لا أعلم ، لا اتذكر ، لم يعد لي فهم ..
وصل إلى خزانة الثياب ، إنه فارغ مما كان يسعى إليه ، آه ربما قد استأجرتها حينها لليلة ، لم أكن املك كفايتي من المال لاشتريها أصلا ، ااه حقا قد اصابني العمر ، تفحص باقي الثياب ، معظمها قد بلى و تهالك ، كان فوضويا بلا ترتيب وتنظيم ، كعادته الفوضوية منذ بدء الوعي الآثم ، كانت ملابسه وملابس زوجته مختلطين كموج البحر ، كان يتشاجر معها حين تفصل الاثنين ، كان يقول لها : لا اريد انفصالا في كل الأشياء ، نحن واحد وسنظل ،
يتذكر كل تلك الذكريات حين يرى آثارها قد شاعت في عينيه كشعاع ضوء قاسي ، ذكريات بقسوتها اشعلت فيه نارا لم يكن يعرف مصدرها ، لا يعرف إلا كنهه غاضبا في تلك اللحظة غضب يرغمه على إنهاء المسألة ! ،
اسقط كل الملابس أرضا صار يقذفها في كل مكان ، كطلقات رصاص لقاتل ينتحر، اشتعل جنونه حتى أن عكازه سقط معها ، هو مشتعل الآن وقادر ان يصمد ، يصمد لأكثر من لحظة ، يصمد هو في حين يسقط كل أقنعة جسديهما على مدار ربع تقريبا استعملاها معا ، تشاركاها نظراتهما بين الشهوة والشعور بالألفة ، والسكون ، وتارة العراك السامي ك سمو امرأة تعلن عن غضبها واختناقها ومللها بنظرة استعطاف ، و كعراك رجل متدني ، يعلن عن وقاحة جوفه يضربها يُعنفها يقسو على أنوثتها وهي صامتة بكل أنوثة ! يتذكر مع سقوط ملابسهما ، سقوطه هو ، حين كان معها ، وعلوها هي وارتفاعها ،
آه كنتِ الخير الوحيد الذي لمسته شروري فآمنت ثم كفرت ثم آمنت وانا الآن أصلي !
والآن يرى الفستان ، آه قد نسيته ، وهو من يومها محفوظ في بيتنا ، من يوم تلك الليلة ، رغم كل قسوتي وشراستي لم تمزق منه سنتيمترا واحدا ، لقد حافظت عليه ك مصحف ، قرآن عاشقة ، كم كنتِ لي عاشقة !
والحسرات ترسم خطوطها على وجهه فتكشف قبح جُرمه ، يخالطه بهاء يخرج من عينيه لقداسة ما يرى ، خليط مجنون يجعل منه مجنونا ، فستان قديسته التي كانت ترى في خيانته أمرا يستلزم مزيدا من الصلاة ، وفي سرده لاقتحامه عضو أخرى، مأساة يجب أن تقف فيها بجواره بالدعاء ،و في إهانتها لعقلها ساعة غضب وستذهب،
يرى والبهاء يخرج من عينيه على هيئة دموع مليئة بحسرة نادم ، و فرح هائم ، أنا الآن أرى الله ،
هو يقول ، أنا الآن ارى ما هو أعلى من سقف منزلي ،
احتضن الفستان في صدره ، ليسقط على الأرض ، كل تلك اللحظات و قدماه صامدتان ، صامدتان في هواء الهوى ، وحين اغتنم الوجود من موجوده فقد ود الصمود ،
امسك بفستانه حتى لا يلامس الأرض ، وهل يلامس أسفل العالي ؟ ذهب إلى الكومدينو المجاور لسريره ، زجاجة خمر و كأس ، قداحة وعلبة سجائر فارغة في أعلى المشهد ، امسك بالزجاجة و أغرق الفستان بالكلية ، كما غرقت هي فيه ، الآن يغرق قرآنها معها
نعم هذا ما فعلته معكِ يا عزيزتي ! كل ما فعلت
جلس على سريره وبجانبه الفستان المُدنس بكبرياء أعوج ،
اقتلع كل ملابسه ك مُختل في العشرين ، ليرتدي الفستان ... أخيرا قد فعلتها قالها عاليا انا الآن ك عذراء من جديد ولكن لكِ ،
ثم التقط القداحة من الجوار واشعل الفستان في نفسه ، أشعل نفسه بنفسه ، وهو يرى زوجته تشتعل ، يرى حبيبته ماسكة بيده إلى الجحيم ، وكأنها تنتظر تلك اللمسة منذ زمن ، منذ حينها ، تحدق في عينيه وعلى وجهها ابتسامة لقاء جديد ، هامسة بروح العذاب هل لي ستأتي ؟
ابتعد عن ابتسامتها ك مخاصم يخجل من فعلته ، ومجرم يبتعد عن مسرح الجريمة ، لينشغل بجريمته! و ألقى بثقل جسده على السرير وهو ينظر للسقف مخاطبا إياه ، وسط دخان احتراق اللحم ،
لتشهد لي أنني احترقت أيضا لأجلها ، وإني بعفاف ثوبها ودناسة خطيئتي إليك لماضي