جريدة الديار
الجمعة 26 أبريل 2024 09:44 مـ 17 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

محمد خليفة يكتب: أهل الكهف فى الأردن ..وتركيا تزوّر التاريخ!

محمد خليفة
محمد خليفة

قصة أصحاب الكهف وإن كانت عجيبة ، فليست من أعجب آيات الله ؛ فإن لله آيات عجيبة وقصصاً فيها عبرة للمعتبرين. ..

من أوى إلى الله أوآه الله، وجعله سببا لهداية الضالين ; فإنَّ الله لطف بهم في هذه النومة الطويلة ، إبقاء على إيمانهم وأبدانهم من فتنة الملك الجبار الذى أراد قتلهم، وجعل هذه النومة من آياته التى يستدل بها على كمال قدرة الله .

فالتدبر في هذه الأحداث من السهل أن ندرك أن أصحاب الكهف هم من الرومان الذين آمنوا برسالة نبى الله عيسى عليه السلام، وليسو من اليهود كما يشاع، وأنهم تعرضوا للظلم وبلغ ذروة اضطهادهم فى زمن الملك "ديسيس"، وعفى عنهم في عهد الملك Galerius؛ وتم إيقاف الاضطهاد ضد المسحيين بسن قانون يحميهم في عهد الملك قسطنطين؛ فقد اصدرالملك في سنة 313م مرسوم ميلانو والذى يقضى بإضفاء الشرعية على العبادة والشعائر المسيحية، وأصبح الإمبراطور مناصر كبير للكنيسة وحققوا ازدهارًا واسعًا في عهد الملك " "Theodosis.

وعلى ضوء هذه الأحداث لو تدبرنا الآن في روايات المفسرين، غاضين الطرف عن المبالغات التي أُضيفت إليها حتمًا من قبل الرواة المسيحيين واليهود،لوجدنا أن هذه الروايات تدلنا على أصحاب الكهف دلالة صحيحة..

لقد رأى الناس فى هذه الروايات اختلافًا لأنهم ظنوا أنَّ قصص الاضطهاد وقعت فى زمن واحد، وأن هذا هو تاريخ الاضطهاد كله، مع أن الاضطهاد وقع على فئات عديدة وفى أزمنة مختلفة. لقد حدث هذا فى زمن الملك "نيرون" حين كان بطرس موجودًا فى روما، وإلى ذلك يشيرابن إسحاق ، كما حدث الاضطهاد في عهد الملك ديسيس، وإليه تشير رواية ابن المنذر.

وكانت فترة هذا الاضطهاد امتدت إلى ثلاثة قرون، وكلما اشتدت وطأته عاش المسيحيون المضطهَدون في الكهوف، فاشتهرت بين القوم قصص كثيرة عن تضحياتهم، فمنهم من سمع ما حدث ببطرس، فظن أن تاريخ أصحاب الكهف ينحصر فيما جرى ببطرس فحسب.

ومنهم من سمع ما حدث في زمن الملك "ديسيس"، فظن أن هذه هي قصة الاضطهاد فقط.

ولكن إذا اعتبرنا هذه القصص أحداثًا من عصور مختلفة غاضين الطرف عما ورد فيها من المبالغات التي تجد طريقها إلى مثل هذه الأمور عمومًا، فكل هذه الروايات تبدو صحيحة، وترسم لنا مشهدًا موجزًا للاضطهاد المريع الذى تعرَّض لـه المسيحيون الأوائل.

وهنا نتوقف لندخل فى دهاليز هؤلاء الشباب لنتعرف على حقيقتهم كما وردت فى الوثائق..

فمن هم اصحاب الكهف من خلال ما جاء به علماء التفسير؟

هم كما قال ابن كثيرفى تفسيره عن ابن عباس رضى الله عنه : "مكسلمينا ويمليخا ومرطونس وكسطونس وبيرونس ودنيموس ويطبونس وقالوش "...

لقد فرح اهل قريتهم بهؤلاء الفتية المؤمنين، فى زمن الملك الصالح "ثيودوسيوس الثانى- 10 أبريل 401 - 28 يوليو م" ، لقد هاجروا من قريتهم لكيلا يفتنوا في دينهم، وها هم قد عادوا، فمن حق أهل القرية الأحتفال بعودتهم، وحين ذهبوا لرؤيتهم، وبعد أن ثبتت المعجزة.. معجزة إحياء الأموات. وبعدما استيقنت قلوب أهل القرية...

أخذ الله أرواح الفتية، فلكل نفس أجل، ولا بد لها أن تموت. فاختلف أهل القرية فى أمرهم ..

فمنهم من دعى لإقامة بنيان على كهفهم، ومنهم من طالب ببناء مسجد، فكانت الغلبة لمن رأى بناء المسجد.

وهنا يتبادر الى أذهاننا السؤال : هل كان أهل الكهف في بلدة من بلاد الروم، أم فى فلسطين... هل كانوا ثلاثة ورابعهم كلبهم، أم خمسة سادسهم كلبهم، أم سبعة وثامنهم كلبهم؟!

كل هذه أمور مجهولة، إلا أن الله عز وجل ينهانا عن الجدال فى هذه الأمور، ويأمرنا بإرجاع علمهم إلى الله.

فالعبرة ليست في العدد، وإنما فيما آل إليه الأمر. فلا يهم إن كانوا أربعة أو ثمانية، إنما المهم أن الله أقامهم بعد أكثر من ثلاثمائة سنة أو أكثر ليرى من عاصرهم قدرة الله على بعث من فى القبور، ولتتناقل الأجيال خبر هذه المعجزة جيلاً بعد جيل.

قال محمد بن إسحاق بن يسار عن عبد الله بن أبى نجيح، عن مجاهد قال: لقد حدثت أنه كان الواضح عليهم أنهم صغار السن .

وقال ابن عباس : كان ليلهم ونهارهم فى عبادة الله، يبكون ويستغيثون بالله.

وقيل عاشوا في زمن الأمبراطور الرومانى" داكيوس قيصر".

وورد أن "داكيوس قيصر" مر فى ذلك الزمان بقرية تسمى "بأفسس" وأمر سكانها بتقديم الأضحية للأوثان فى الهياكل.

وكان من بين من افتضح أمرهم كرافضين لتقديم الذبائح الفتية السبعة.

فتم القاء القبض عليهم وذهبوا بهم إلى الأمبراطورالظالم وسئلهم عن سبب تمردهم ورفضهم عبادة الأوثان ؟.

أجاب "مكسيميليانوس" وهو احد شباب الكهف، كما جاء على لسان المفسرين : " نحن لنا إله مجده ملئ السماء والأرض، إليه نقدم سرياً ذبيحة اعترافنا الايمانى وصلواتنا المتواترة!"

هذا الكلام أثار حفيظة الأمبرطور فأهانهم وهددهم ثم تركهم يذهبون ليتسنى لهم أن يفكروا في الأمر ملياً, مبدياً أنٌّه سيعود فيستجوبهم, بعد أيام قليلة...

هرب السبعة في مغارة واسعة إلى الشرق من المدينة. هناك ركنوا إلى السكون والصلاة ملتمسين من الله الحكمة. وقيل ناموا نومة الموت وهم يذكرون الله ويسبحونه .

وبعد فنرة عاد داكيوس إلى المدينة وسأل عن الفتية السبعة فلم يجدهم ، أمر جنوده بالبحث عنهم فدلوه على المغارة التى يختفون فيها، فأتاها وأمر بإغلاق مدخلها فى محاولة منه لخنقهم . وكان هناك اثنين من الذين نفذوا المهمة من المسيحيين المؤمنين سراً .. وهذان هم من كتبوا خبر الفتية السبعة على لوح من رصاص مع أسمائهم ووضعوه بجوار الكهف. وهنا يصل بنا الإمام الطبرى الى مكان الكهف، فيقول:

" اسم الجبل الذى يوجد به الكهف هو "بينسيلوس" وذلك في كتابه "تاريخ الأمم" وقال أن الجبل في "طرسوس, وأيده "محمد أمين", وهو من مفسرى القرآن, وقال أنَّ الجبل كان اسمه "بنسيلوس" وأنه في "طرسوس". ويمكن أن تنطق "بنسيلوس" على أنها "إنسيلوس", وفي رأيه أن الاختلاف بين الكلمتين يرجع إلى اختلاف نطق حرف "الباء", أو لفقدان حرف من الكلمة الأصلية وهو ما يُعرف "بالنحت التاريخىي للكلمة.

أمّا فخر الدين الرازى, يقول بالرغم من أن المكان يُطلق عليه "إفسوس", فإن القصد هو "طرسوس" لأن "إفسوس" ما هى إلاَّ مسمى آخر لمدينة "طرسوس" بالإضافة إلى ذلك, جاء فى تفسير الجلالين والتبيان وتفسير العاملى والناصوحى وغيرهم من العلماء, أنّ موضه أهل الكهف هو "طرسوس" هذا إلى جانب أن كل هؤلاء المفسرين فسروا قوله تعالى: Ra bracket.png وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا La bracket.png"الكهف"، بقولهم أن مدخل الكهف كان من نحو الشمال .

والقول الفصل فى هذه القضية والذى أكدته الإكتشافات الأثرية خلال العقود القليلة الماضية حول موقع ومكان أهل الكهف ، التى تم اكتشافها بالقرب من عمان بالأردن وكذلك انطباق آية طلوع الشمس وغروبها أكدت أنَّ الكهف الموجود بجنوب عمان فى الأردن أن يكون هو الكهف المذكور في القرآن الكريم.

ففي عام 1963 قامت دائرة الآثار العامة الأردنية بحفريات أثرية تحت إشراف المرحوم رفيق وفا الدجانى في منطقة تسمى "سحاب"،وتقع على بعد حوالي 13 كم جنوب شرق العاصمة الأردنية عمان، وقد استدل علماء الآثار والتاريخ بعدة أدلة ترجح بقوة أن يكون هذا الكهف هو الذى جاء ذكره في القرآن الكريم، وهذه الأدلة هى:

أولاً الدليل التاريخي: من الأدلة التاريخية التي يذكرها رجال الآثار أن العديد من الصحابة وقادة الجيوش الإسلامية قد ذكروا أن موقع الكهف الذى يوجد به أصحاب الكهف موجود بجبل الرقيم بالأردن حيث زاروا هذا الموقع وعرفوه، ومنهم الواقدى، والصحابى عبادة بن الصامت الذي مر على الكهف في زمن عمر بن الخطاب وأيضا معاوية بن أبي سفيان، وكذلك حبيب بن مسلمة وابن عباس قد دخلوا هذا الكهف ورأوا عظام أصحاب الكهف ....

نرى أنَّ الدليل الأثرى هو القول الفصل فى هذه القضية فقد تم العثور على بناء أثرى بنى فوق الكهف وهو الذى أشير إليه فى قوله تعالى: "فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم، قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذنَّ عليهم مسجدا"، فقد أثبتت الحفريات عن وجود بنيان فوق هذا الكهف كان معبداً "كنيسة" ثم تحوَّل إلى مسجد في العصر الإسلامى، ويوجد بقايا سبعة أعمدة مصنوعة من الأحجار غير مكتملة الارتفاع ومخروطة على شكل دائرى، كما يوجد بقايا محراب نصف دائرى يقع فوق باب الكهف تماما، وبين الأعمدة الباقية بالمسجد بئر مملوءة بالماء وهى البئر التى كان يتم استخدامها فى الوضوء.

وقد تم ترميم المسجد أكثر من مرة وفقا لما هو مدوَّن على الأحجار التي وجدت بداخله، وهي تشير إلى تجديد تم عام 117 ثم عام 277 هجرية، ثم أعيد التجديد مرة أخرى عام 900 هجرية مما يدل على اهتمام المسلمين الأوائل بهذا المسجد لاقتناعهم بأنه هوالمذكور في القرآن الكريم، ومما يؤكد الاهتمام بهذا الموقع وجود مسجد آخر يقع بالجهة القبلية من الكهف وما زال منبر هذا المسجد قائما إلى الآن، وقد عثر بالمسجد على بلاطة تفيد بأن الخليفة الموفق العباسي قد أمر بتجديده.

كما تم العثور على ثمانية قبور بنيت بالصخر أربعة منها يضمها قبو يقع على يمين مدخل الكهف والأربعة الأخرى تقع في قبو على يسار المدخل ، والمرجَّح أنها القبور التي دفن فيها الفتية التى ورد ذكرهم في القرآن، وفي المنطقة الواقعة بين القبوين فى الجزء الأول من الكهف تم العثور على جمجة لكلب وبفكه ناب واحد وأربعة أضراس، ويوجد بالكهف دولاب زجاجى يحتوى على جمجمة الكلب إلى جانب بعض قطع من النقود التي كانوا يستعملونها ومجموعة من الأساور والخواتم والخرز وبعض الأواني الفخارية.

ويقول الحافظ ابن كثيرعنهم : " أنهم كانوا على دين عيسى ابن مريم عليه السلام.

والإمام ابن جرير الطبرى يقول: كانوا من قوم يعبدون الأوثان من الروم، فهداهم الله ، وكانت شريعتهم شريعة نبى الله عيسى عليه السلام " تاريخ الرسل والملوك" ج2 / 6-7"

ويقول ابن الأثير:
"
كان أصحاب الكهف أيام ملك اسمه دقيوس، ويقال دقيانوس، وكانوا بمدينة للروم اسمها أفسوس، وملكهم يعبد الأصنام ... وكانوا من الروم، وكانوا يعبدون الأوثان، فهداهم الله، وكانت شريعتهم شريعة عيسى عليه السلام.
كما جاء فى " الكامل في التاريخ" ج1- ص325"

يذكر كتاب "مسالك الأبصار فى ممالك الأمصار" الجزء الأول ص27 " لمؤلفه "ابن فضل الله شهاب الدين العمرى" عدد من الأماكن التى نسبت لموضع أهل الكهف، فقيل أن مدينة أقسين وتنطق "أقشين" التركية، هى مدينة أصحاب الكهف، فهم كانوا فى كهف برستاق بين عمروية ونيقية، وهذا الكهف هو فى جبل علوه .

وتابع الكتاب، مزاعم أهل الشام على قولين فى أصحاب الكهف: فأهل دمشق يزعمون أنهم فى كهف اسفل جبل قاسيون، وهو ، لكن المؤلف أوضح إنه قول جهال فهذا المكان لم يرد فيه أثر ولا ظهرت له شبهة تقتضى أن يكون مكان أهل الكهف، مما يؤكد أنّه فى قرية الرجيب " الرقيم سابقا" بالعاصمة الأردنية ...

ويذكر الكتاب أن المستشرق "كلارمون جانو"، يرى أن كهف الرجيب بالأردن هو كهف أهل الكهف.