جريدة الديار
الخميس 28 مارس 2024 10:32 مـ 18 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

سيادة البيئة

إن كل دولة قائمة ذات سيادة تحتاج إلى حكومة لكي تُسيِّر أعمال الدولة و شؤونها الداخلية و علاقاتها الخارجية ، و الشكل الأبرز لتلك الحكومات هو أن تشكل على هيئة ما يسمى مجلس الوزراء ، فمجلس الوزراء هو عبارة عن رئيس للوزراء و يسمى رئيس الحكومة أيضاً و مجموعة من الوزراء بحيث يتولى كل وزير منهم أعمال وزارة معينة .

لا يوجد نص دستوري أو قانوني يحدد ما هي الوزارات السيادية والوزارات غير السيادية أو الخدماتية، لكن استقر الأمر في كل دولة على اعتبار الوزارات التي تتناول الشؤون الأمنية والدفاع الوطني والسياسة الخارجية والمالية هي وزارات سيادية ، واعتبرت الوزارات الأخرى وزارات خدماتية تختلف أهميتها بمقدار ارتفاع موازنتها ومهامها ، فوزارات الأشغال العامة والنقل، والصحة العامة، والطاقة والمياه، هي أول الوزارات الخدماتية، وتأتي من بعدها وزارات التربية والشؤون الاجتماعية والزراعة.

كما تكتسب وزارات العدل والاتصالات أهمية كبرى نظراً لتأثيرها ودورها. ففي كل حكومة هناك ما يسمى بوزارات السيادة وهي تختلف من بلد لآخر إلا أن أغلبها تكون كما ذكرنا في وزارات الداخلية والدفاع والخارجية مع فوارق في وزارات أخرى ، ففي الدول العربية غالباً ما تشمل وزارات السيادة - بالإضافة إلى الداخلية والدفاع والخارجية - وزارة الإعلام وهناك دول تعتبر وزارات المالية والعدل وزارات ذات سيادة .

وهذه الوزارات أو ما يسمى بوزارات السيادة هي التي تتنافس عليها الأحزاب ، ففي المغرب يطلقون عليها الوزارات الملكية حيث أثيرت حولها النقاشات والنزاعات منذ أيام الملك محمد الخامس وإلى يومنا هذا ، إلا أن الملك يرفض التنازل عنها . وفي لبنان مثلا يعتبرون وزارات السيادة مجرد إقطاعيات لزعماء الطوئف الكبرى السنة والشيعة والموارنة والروم الأرثوذكس ، ولا يمكن ، بل ربما من المستحيل، أن يتولى إحداها وزير من طائفة غير الطوائف الأربع الكبرى التي سبق ذكرها .

أما في الكويت فوزارات السيادة تتمثل في وزارات الداخلية والدفاع والخارجية بالإضافة إلى وزارة الإعلام إلى عهد قريب حيث لم تعد وزارة سيادية ، وزارات السيادة الثلاث قاصرة على أبناء الأسرة الحاكمة من ذرية الشيخ مبارك الصباح دون غيرهم فيما عدا حالة واحدة لم تتكرر عندما تم تكليف الشيخ جابر الخالد الصباح بتولي وزارة الداخلية ، الأمر الذي أثار استغراب الكثيرين لكونه ليس من ذرية الشيخ مبارك على الرغم من كونه من أبناء الأسرة الحاكمة .

وهناك من فقهاء القانون من يعتبرون أن مفهوم وزارات السيادة بدعة خلقها الملوك والأنظمة الوراثية ورسخوها بقوة على صعيد التطبيق دون أن يكون لها أساس أو خلفية دستورية ، على اعتبار أن السيادة للأمة مصدر السلطات .

ونحن هنا نختلف مع هذا الرأي القائل بأن وزارات السيادة بدعة ملكية ، لأن مفهوم وزارات السيادة ظل مبدأ حاضرا بقوة في مجال التطبيق في جميع دول العالم على مختلف أنظمتها الديمقراطية منها والديكتاتورية والملكية وغيرها ، فهي ليست قاصرة على الأنظمة الملكية أو ظهرت من خلالها حتى نستطيع القول بأنها بدعة ملكية .

إن مفهوم وزارت السيادة ليس مفهوما تجزيئيا أو منفصلا وإنما وجب ربطه بإشكالية السيادة في شموليتها، حتى في نطاق تكريسها على الصعيد المحلي .

ما دفعني لكتابة هذا المقال هو أنني علمت أن وزارة البيئة في فرنسا تم اعتبارها من وزارات السيادة للحد من نسبة التلوث المرتفعة في باريس بسبب عوادم السيارات ، بل مسألة الحد من التلوث وتخفيض نسبته دخلت ضمن البرامج الانتخابية لمنصب الرئيس الفرنسي ، وكان ضمن برنامج الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون ، حيث تضافرت الجهود من أجل البيئة والحد من التلوث .

فقد أعلن وزير البيئة الفرنسي نيكولا أولو استقالته بعد مرور عام على تعيينه مشيرا إلى خيبة أمله بسبب عدم إحراز تقدم فيما يتعلق بالأهداف المناخية وسياسات الطاقة النووية الذي اعتبره بعض السياسيين ضربة قوية لموقف الرئيس إيمانويل ماكرون المزعزع بالفعل بشأن البيئة .

أما رئيسة بلدية فرنسا آن هيدالغوا فقد قامت بجهود كبيرة وجبارة للحد من استخدام السيارات الخاصة في طرقات باريس للحد من نسبة التلوث المنبعثة من عوادم السيارات وتحويل الناس لاستخدام وسائل النقل العامة ، حيث عمدت إلى إغلاق بعض الطرق وتحويل مسارات طرق أخرى لفرض الازدحام في طرق باريس ليضطر الناس لاستخدام المترو أو حافلات النقل العام التي جعلت لها مسار مفتوح بعيد عن الازدحام .

كما طالبت بجعل استخدام وسائل النقل العام مجانية لتشجيع الناس على ارتيادها إلا أن الحكومة رفضت هذا الطلب .

ومازالت فرنسا تسعى جاهدة بكل الوسائل المتاحة من أجل سيادة البيئة من خلال وزارة البيئة السيادية .

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل