جريدة الديار
الخميس 28 مارس 2024 08:59 مـ 18 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

تعرف على تاريخ الثأر فى مصر وحلول لوقف نزيف الدم

ارشيفيه
ارشيفيه

يعاني صعيد مصر من مرض مزمن لم يتمكن العلماء من القضاءعليه، رغم خطورته، مرض يَتم آلاف الأطفال، رمل مئات النساء، وهجر الكثير من الأسر،فارين بأعمارهم، حاملين "عار التار" الذى فرضته عليهم تقاليد بلادهم.
حوادث الثأر كثيرة ومؤلمة، كان آخرها تلك التى وقعت فى أحد مساجد قرية القوصية، بمحافظة أسيوط مطلع الشهر الجاري، وراح ضحيتها أثنين وأصيب ثالث، بعد أن أمطرهم الجناة بوابل من الرصاص، قدر عدده شهود عيان لقوات الأمن بأكثر من مائة رصاصة، وعقب الأخذ بالثأر أحتفلت عائلة الجناة وأطلقت الأعيرة النارية فى الهواء مبتهجين بسيل الدم فى بيت الله.

الثأر عادة توارثتها العائلات فى الصعيد، منذ زمن بعيد، وتعود القضية الثأرية الأولى التى نظرتها المحاكم إلى عام 1889 حيث نظرت محكمة بنها الإبتدائية أول قضية ثأرية، وكان القانون المصري ينص على قتل القاتل إن إعترف بجريمته
المتهم فى القضية كان صغير السن، يجهل القوانين المصرية
لأنه كان بدويا، عالمه الصحراء، وتحكمه قوانين البدو الذين عايروه أنه لم يقتل قاتل والده.

ترك خليل حسين العربي صحاري بلاده متوجها إلى مصر باحثا عن قاتل أبيه ويدعى المنذر الميار، حتى إلتقى به يوم 3 فبراير من العام 1889 فى عزبة اللواتي بأراضي أم خنان بمديرية الجيزة، وقتله، وكعادة الأعراب أعلن للناس أنه القاتل وأحتفل بجريمته، فألقت قوات الشرطة القبض عليه
المفاجئة للمحققين فى القضية والمتابعين لها أن خليل الفتى الصغير لم يكن يعلم أنه سوف يتم التحفظ عليه، و الإلقاء به فى غياهب السجون، لأنه والمجني عليه لم يكونا مصريين،بحسب وثيقة تابعة للقسم القضائى للحقوق تجاوز عمرها الـ130 عاموثقت الحادث ولم تذكر جنسيتهما.

تم تحرير قضية للفتى خليل حملت رقم 320 الواردة في الجدول العمومي لسنة 1889م نمرة 245 في النيابة العامة، كما قررت النيابة تحويل قضيته لمحكمة الجنايات طبقًا للمادة 208 من قانون العقوبات بعد اعترافه أمام الجميع أنه قتل النذير الميار العربي عمدًا مع سبق الإصرار، وتم عقد محاكمة عاجلة له في مارس من نفس العام.
وبينما طلب الدفاع الرأفة بموكله لحداثة عمره، وأنه الباقى الوحيد من عائلته وبمقتله سوف تنقرض، وبجهله بالقوانين المصرية، طالبت النيابة بتوقيع أقصى العقوبة حتى لا تعم الفوضى البلاد.

محمد بك منيب رأس المحكة التى شٌكلت من من القضاة: عشماوي أفندي، محمد أفندي حافظ، ردت على النيابة بأنه ظهر من ظروف هذه القضية وعمر المتهم الصغير وتصوراته العقلية الناشئة عن السذاجة الغريزية والفطرة الطبيعية التي نشأ عليها في الصحاري والأخلاق المتمكنة في نفوس العربان وميلهم الشديد إلى حب الانتقام وذلك بما يوجب على القضاة الشفقة بحالة المتهم عملا بالمادة 352 عقوبات، والتي تؤكد الفقرة الثانية منها أنه إذا كان الفعل يستوجب العقوبة بالقتل يحكم بعقوبة الأشغال الشاقة مؤبدًا ويجوز الحكم بالأشغال الشاقة مؤقتًا.
وبناء على هذه الأسباب حكمت المحكمة حضوريًا بمعاقبة خليل حسين العربي نظير الجناية التي ارتكبها في هذه القضية بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة 7 سنوات شفقة ورأفة بحاله.
كان هذا الحادث مفجرا لأنهار الدماء فى صعيد مصر، حيث توارثته العائلات، وتوالت الحوادث الثأرية وكان منها:

مذبحة الحجيرات التى وقعت فى يوليو عام 2017، عندما أطلق مجهولين النيران على سيارة يستقلها عدد من الرجال والنساء بقرية الحجيرات التابعة لمحافظة قنا،و راح ضحيتها أربعة نساء ورجلان بين قتيل وجريح، أثر خصومة ثأرية.

وفى عام 2013 شهدت قرية البداري_ إحدى قرى محافظة أسيوط_ إستخدام مدافع الأر بي جي والجرينوف فى الأخذ بالثأر، فأريقت دماء عشرة أشخاص من عائلتي العواشير والشعابية، إثر تجدد خصومة ثأرية.
وفى نفس العام سقط أربعة أشخاص من عائلة العسيرات، فى خصومة ثأرية بدأت منذ نحو 70 عاما ولم تنتهى بعد، وحصدت أرواح 200 قتيل فى أبنوب بمحافظة أسيوط.

أما مذبحة بيت علام الثأرية، فحملتها محافظة سوهاج، وكانت بين عائلتي عبد الحليم والحانشات، وراح ضحيتها 23 قتيل بين العامي 2001 و2003.
إضافة إلى عشرات الحوادث الأخري التى حملت شعار" التار ولا العار"

إيمان البراوي، باحثة إجتماعية في الشأن الصعيدي، أكدت لـ "الديار" أن الجهل والتسرب من التعليم أهم أسباب إنتشار ظاهرة الثأر إضافة إلى إنتشار العادات البدائية والنزعة القبلية، مشيرة إلى ان المرأة سبب كبير من أسباب الأخذ بالثأر لتحفيزها للرجال على أحذه، وتربية لأبناء على أنه من العار عدم الأخذ بالثأر، حتى أنها أقدمت على حمل السلاح والقتل بنفسها.

د. سلوى مظلوم، أخصائية نفسية، تحدثت لـ"الديار" و أرجعت سبب الأخذ بالثأر إلى التنشئة الخاطئة وتربية الطفل على العنف، وغرس عادات الأخذ بالثأر فى عقله ونفسه، وترديد عبارات الدم والقتل أمامه حتى تكبر معه وتكون ضمن تكوينه النفسي، وشددت مظلوم على ضرورة مشاركة الدولة فى القضاء على هذه العادات الخاطئة عن طريق زيادة نسبة المتعلمين فى الصعيد، مع لبث برامج توعية عبر الفضائيات المصرية، والأعمال الدرامية المختلفة.