جريدة الديار
السبت 20 أبريل 2024 03:50 صـ 11 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

«أحمد القيسي» يكتب :إنتصار الثورات وأختطافها ؟!

أحمد القيسي
أحمد القيسي

يُعرف مهتمون كثيرون بمفهوم الدولة العميقة بأنها شبكة من العملاء الذين ينتمون إلى تنظيم أو تنظيمات غير رسمية ، له علاقة ومصالحه الواسعة وأمتدادته ، ونقطة القوة فيه أن لعناصره الأساسية وجودها في مختلف مؤسسات الدولة ومفاصلها ، الأمر الذي يُمكن هذه العناصر من التأثير في قرارات الدولة وتوجهاتها ..!
والثورة كمصطلح سياسي : هي تغيير . والثورة وكل ثورة هي عملية مستمرة لطي مرحلة زمنية سابقة ، وتغيير جوهري في سياقات وأنماط الحياة السائدة بكل المجالات وعلى كافة الأصعدة .. والثورة التي لاتنادي بحرية الإنسانية والإنسان كفرد وجماعات في مجتمعات تسود هذه الدولة وتحررهُ من سلطة القديم ، ليست ثورة وبالتالي فإن كل ثورة تحمل فكر وروح منظومة قيمية أخلاقية ما ، أصبحت بآلية التواصل الحياة وحان وقت تغييرها .. في الواقع أن الأسلام جاء ثورة بمعناه العقيدي والأخلاقي وجاء أيضاً ثورة سياسية عل أزهاق الباطل بأكتساح الحكم المتأله والمتألهين .. وأن هذا التأهل أنما هو نظام أستبداد يتنافى و يتناقض مع العقيدة لأنه يجعل من الحاكم إله ..ومنه النموذج الفرعوني .. ويقابل هذا النموذج النبوي النموذجي الراشدي الذي يجعل السلطة للأمة في إطار قيم الإسلام وفي الحقيقة كان هذا النموذج غريباً عن الثقافة السائدة في العالم .. الثقافة السياسية التي كانت سائدة في عالم ثقافة تؤله الملوك فلما يكون هذا النظام الذي يدعون فيه الإسلام والشريعة ومصادرة الحريات والآراء في الحقيقة لم يكن سوى إلا حكم جاثم على صدور الشعوب .. وإن الإستبداد إذا على وطغى الأرض ماهو إلا نقمة في سياق الحكم .. وقد تختلف التفسيرات والتحديات التي تحاول تعريف مفهوم الإستبداد كلٍ حسب مجالاته وأشتغاله أو ميادين مقاربته سواء من حيث الأفكار والمعتقدات أو من حيث الممارسات والسلوكيات .. غير أن الطبيعة التي يتولد عنها أو يولدها في مكان وزمان تبلورت تظل واحدة . وغالباً ماتكون متسمة بالإستعباد والأغتصاب والأستحواذ والأستئثار دون وجه حق تارة ، كما نجدها تتسم بالتعب والتسلط والطغيان تارةٍ أخرى ، وكيف كانت صورة هذا الإستبداد فأنها عامة وغالباً ماتتصف بالمأساوية وهي خصال يستلذ فيها المستبد بأستحواذه على القوة وبلوغ القمة والتي هي نتاجها التجبر والسيطرة .. وتظل هذه الصورة القاتمة للظلم المقترن بكل صور الإستبداد على ظلمه للمجتمع لاشك أنها لاحياة لها ..! فهي قرين موت الأمم تلك الصورة الفاشية التي تغني عن مشهد الواقع الإجتماعي في مواجهة دائمة مع حرية التغيير وممارسة هذا الحق بعدل وإنصاف لايشفع فيه الظلم ، تبقى دوماً في مخيلة الحاكم واحة من الصور التي تتبنى أحكامه وتحكمه في مصير الشعوب ، على أعتبار أنها الدرع الواقي لوجوده الدائم ..! وعلى أعتبار أنها الصفة اللصيقة وخيال الظل الذي لا غنى عنه ، يلوح بالقوة تارة ويقارن بألوان من القهر والتعسف والغرور تارةٍ أخرى ، صورة شيء ليس للظلمات انتهاء ولا تنتهي وفقط متى شاء دون رادع ..!
كما أن الظلم والإستبداد والقهر والتعسف وتكميم الأفواه وقمع الحريات والإستقلال وأقصاء وتهميش وعدم القبول بالآخر .. كلها أحكام أخلاقية تواجهها قيم أخلاقية مضادة لها هي قيم العدالة والحرية والديمقراطية والعدل والمساواة وأحقاق الحق بين المجتمع وحقوق الإنسان وعلو سيادة القانون .. والثورة غلاف صيرورات الطبيعة هي التي يفعلها البشر بواسطة أنفسهم البشر .. غير أن البشر في الثورة أيضاً يتصرفون بتأثير ظروف إجتماعية لايختارونها بحرية أنما يرونها من القديم وتقودهم إلى الطريق دون خيار ..! لذلك فإن للثورة قوانينها الخاصة التي نقتدي بها والتي تعتبر هي خطوطها الثابتة التي تسير عليها وينتهجها الثوار وصيرورتها التاريخية التي فيها الكثير من المد والجزر والكثير من العقبات والعثرات والسلبيات إلى جانب ذلك طبعاً الإنجازات والمكاسب بل الإنتصارات .. ولو أخذنا صورة بسيطة من هذه الصور الثورية وخاصة في العصر الروماني وفي روما تارسبارتكوس ورفاقه من أجل أضهار الحق وأعلاء الحرية القيمية الإخلاقية العظيمة التي قتل الطغاة على مذبحها ملايين البشر .. فكانت ثورة عظيمة من أجل الحرية وكسر قيد العبودية والإستقلال من أجل حرية الإنسان والشعب وكرامته المعنوية .. لكن هذه الثورة أنكسرت في عامها الثالث بعد سلسة من الإنتصارات على جيوش روما ! وذلك لأن صبر الثوار نفذ وقد سئم كثيرون منهم القتال من أجل حريتهم ، وأخذ يعيثون فساداً في كل مكان . ولقد تركوا الحرية التي نادوا من أجلها واتبعوا أهوائهم الفاسدة فذهبت ثورتهم إلى مصيرها الأليم ..! فحين يلعب الصمود والإرادة والعزم على أنهاء تلك الآلآم التي قصمت ظهور الشعوب والشعب وحين تكون ذا ثوابت لا يمكن الحيد عنها وخطوط تقود بهم إلى تحقيق نصرهم المؤزر في حياة هانئة يسودها العدل والقانون والعيش الرغيد بالعدل والمساواة بين هذا وذاك تظهر ثمرة الثورة وعزيمة الثوار إذ تنتصر الثورات عبر سياق عمليات نظالية للفعل الثوري البطولي حصراً .. ودحر الأوغاد والوحوش وهزيمتهم بأي شكل من الأشكال وإعلان انتصار زائف في محطة من محطات العملية الثورية . أنما يكون النصر أرتباطاً بالبرنامج الذي وضعته القوى الثورية لإنجاح تلك الثورة والعزم عليها لتحقيق الأهداف التي رسمتها الثورة تعبيراً عن متطلبات الواقع الموضوعي هو التحرر من الإحتلال أو من الطغم الفاسدة التي ينصبها الإحتلال والتي هي ذراعها في البلد ومعولها الهدام لهذا البلد والشعب وقتل ووئد أحلامه ومستقبله دون النهوض بواقع صحيح يقودهم إلى بر الأمان ولزم زمام الأمور ..
فماذا يعني أن تنجح الثورة بعد أن تنتصر ؟! وما شروط الإنتصار ثم العبور إلى الدولة وتحقيق النهضة المنشودة ؟! وهل تسير الثورات العربية بهذا الإتجاه؟! وهل تبعث المؤشرات والمعطيات على التفاؤل أم التشاؤم ؟! وهل هناك خارطة أو مسار عمل خطوط عريضة يقتدي بها الثوار نحو أهدافهم ومبتغاهم لإستكمال إنتصار الثورة العالقة والثورة المنتظرة ؟! وهل سيتم الإستمرار في تبرير كل ما يحدث باعتذار واهية مثلما نرى حالياً تبرير العنف والقتل والإبتزاز وكل صور التعسف والعنف وخداع الشعب بجرعات من المورفين للحد من هجماته وفتوره وترويضة واللعب معه كما الذي يلعب بالبيضة والحجر ؟! وأن القادم أجمل ..!
حين تبدأ الثورة بصورة عفوية مطالبةبذلك بأبسط الحقوق فقد تستغل من الطرف المقابل لإسقاطها وأعطائها ثوب المطالبة بأسقاط النظام والتخريب والإندساس وأضفاء صورة لعمالته إلى الغرب الذي يخطط وهم من ينفذون حينها يتحول الحلم البعيد إلى مطلب ويكتشف الشعب قوة صوته الكامنة به في تجاوز المعارضة التي طالما تجاهلها وأستظعفته وأستهانت به وواجه النظام بأقدام وأقتدار وحنكة وذكاء وتكاتف .. وأندفعت جموع المنتفظين من أبناء الشعوب لإعلان ثورتهم المزعومة نحو ساحات الإحتشاد لإسقاط الطغم والنظُم دون قيادة ولاتخطيط مسبق أي العمل بعفوية الثائر حماس دون أن يلمس شيء لذلك الحماس دون الأعتبار بأختلاف النظُم والظروف والأوضاع والمعادلات الأقليمية وكل صغيرة وكبيرة حينها تكون هناك الكارثة التي يتحول كل ذلك الإندفاع للمطالبة بالحقوق إلى كوارث من الماضي القريب التي حلت بحل كل البلاد العربية وهكذا قد تتوالى الأخفاقات وتكثر الأخطاء وتضيع الفرص ومع كل هذا نجد الطرف المسيطر من السلطة وحتى لايبدي الأعتذار أو الأعتراف بما يجري وما آلت عليه تلك الحكومة والسلطة المتسلطة على رقاب الشعوب ..! لا بل ينكرون ويبررون ذلك ولايتركون مواقعهم طوعاً لا ..!
فإن الشرعية الثورية يكاد الفكر العالمي يجمع على أن الثورة هي التي تكتب دائماً وابداً غير دستورية ومخالفة للقانون .
ولذلك لاتكتسب شرعيتها من الدستور أو عبر الآليات القانونية المعتمدة .. وإنما من ثوريتها ، أي أصبح مفهوم الشرعية الثورية معتمداً في السياسة الدولية ذلك أن الثورة إذا أنتصرت وتحققت فيها سبل النجاح ولزم زمام الأمور من قبل الثوار وقادتهم فسيكون هناك تغييراً دستورياً لا يرجع فيه إلى الشعب في الغالب ويستلم أعمدتها السلطة في كافة الأمور والمجالات السياسية والاقتصادية وكل هذه الجوانب .. ومع هذا فإن التعريف لايقرر أن الثورة ستنتهي في إنتصارها ..! لا فهناك ثورات حدثت قام بها الشعوب وفشلت بأشكال مختلفة من بلد إلى آخر .
فما أسهل أن تطلق مجموعة من الناس الغاضبة عنوان الثورة على حراكهم ! وما أصعب أن يكون ذلك ثورة حقيقية! والأصعب منه أن تنتصر هذه الثورة والأصعب من كل ذلك أن تتمكن من إقامة نظام بديل يحقق للشعب كل ماسأل عنه وما إليه على صعيد العدالة والرفاهية والعزة والإستقلال والإزدهار والتقدم .! أجل إن كل هذا ممكن وقد تحقق في بعض مناطق العالم ، لكن العاقل الواعي هو الذي يستفيد من تجارب الآخرين ويعتبر من حوادث التأريخ ، ويتمكن من تطبيق قواعدها على بلده ، فلا يجميع الناس ولايوحدهم شيء إلا مثل الثقافة الواحدة التي لابد منها وأن يجد من يمثلها في شخصية قيادية ملهمة .

وقد شاهدنا ثورات الربيع العربي على أنظمة الحكم في تونس ومصر وليبيا واليمن وغيرها حتى في العالم الغربي أنتصرت لأنها اعتمدت وأستندت إلى منظومة قيم هي ذاتها ما وأستندت إليه الثورة الفرنسية _ قيم الديمقراطية إلا أنها تعثرت بُعيد ذلك ، لأنها لم تجسد المنظومة القيمية واقعاً ملموساً في الدولة ، بسبب القوى السياسية التي قفزت على الثورة والحكم ، والعمل على أقصاء الآخر والأستئثار بالحكم عن تحالفات خارجية مشبوهة، وتشويه قيم الديمقراطية تارة بالشريعة الإسلامية ، وتارة أخرى بالفهم الضيق والمشخص للديمقراطية وقيمها الإخلاقية ، لذلك بقيت تعاند للخروج من عنق الزجاجة ، ربما بإطالة أمد الثورة وزعزعة صيرورتها .

لذا أن الثورات تنهض لتحقق أهدافها وقيمها الإخلاقية الحقية على الظلم والتسلط ولا يمكن لأي مستبد مهما كان وأمتلك من تجبر وتسلط إفشال ثورة أنما الثورات حين تبوء بالفشل وعدم الإنتصار أنما يفشلها الثوار هم أنفسهم وهنا يصدق القول والمثل أن غلطة الشاطر بألف لا بل غلطة الثائر بألف .. هذه الثورات تنتصر بمفهومها وقيمها التي جاءت من أجلها وليس بعديدها وقادتها وأنما بحقوقها وكيفية أستلابها والحفاظ عليها .