جريدة الديار
الأربعاء 24 أبريل 2024 11:05 مـ 15 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

تعرف علي حكم «رسم الصور الفوتوغرافية بالفحم»

مجمع البحوث
مجمع البحوث

ورد سؤال إلى لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية، يقول صاحبه: أرسم الصور الفوتوغرافية وأكبرها مقاسات مختلفة بالفحم، وهذا رسم يدوي ... وأريد معرفة ما إذا كان عملي هذا حرامًا أم حلالا ؟

وجاء الجواب: الإسلام لا يحارب الفن الهادف، بل يدعو إليه، ويحث عليه؛ لأن الفن في حقيقته إبداع جمالي لا يعاديه الإسلام، والنحت والتصوير من الفنون، فالإسلام لا يحرمه ؛ ولكنه في نفس الوقت لا يبيحه بإطلاق ؛ بل يقيد إباحته بقيدين، هما:

أن لا يقصد بالشيء المنحوت أو المصور عبادته من دون الله .

القيد الثاني: أن يخلو النحت والتصوير من المضاهاة لخلق الله، عز وجل، التي يُقصد بها أن يتحدى صنعة الخالق، عز وجل، ويفتري عليه بأنه يخلق مثل خلقه .

وتابعت لجنة الفتوى: فإذا انتفى هذان القيدان فالنحت والتصوير مباح ، ولا شيء فيه ... والدليل على ذلك قوله – تعالى - :" يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ " , فقد امتن الله في هذه الآية الكريمة على سيدنا سليمان بصناعة التماثيل ، فدل ذلك على أنها لم تكن للعبادة؛ لأن الله لا يمتن بما هو شرك ، وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا لِقَوْلِهِ- تَعَالَى- : { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ } .

كما يستدل على الإباحة إذا خلت من العبادة بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَقِّ الْمُصَوِّرِينَ " الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ " وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ " الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ" وَقَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً ، أَوْ لِيَخْلُقُوا ذَرَّةً " و قَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَقِّ الْمُصَوِّرِينَ :" إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ " .

واختتمت: أن وجه الدلالة من هذه الأحاديث على الإباحة من وجهين : الوجه الأول: المضاهاة الواردة في الحديث لا تكفي وحدها للتحريم ، لأنها لو كان المقصود بالتحريم مجرد المضاهاة ، لحرم رسم السماء والأرض والأشجار والبحار ، ولم يقل أحد من العلماء بذلك .

الوجه الثاني: المضاهاة لو حملت على التصوير المعتاد ؛ لكان ذلك مشكلا على قواعد الشريعة . فإن أشد ما فيه أن يكون معصية كسائر المعاصي ليس أعظم من الشرك وقتل النفس والزنا ، فكيف يكون فاعله أشد الناس عذابا ، فتعين حمله على من صنع التماثيل لتعبد من دون الله أو صنعها تحديًا لله . قَالَ النَّوَوِيُّ : أَمَّا رِوَايَةُ " أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا " فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ فَعَلَ الصُّورَةَ لِتُعْبَدَ ، وَقِيلَ : هِيَ فِيمَنْ قَصَدَ الْمَعْنَى الَّذِي فِي الْحَدِيثِ مِنْ مُضَاهَاةِ خَلْقِ اللَّهِ ، وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ ، فَهَذَا كَافِرٌ لَهُ مِنْ أَشَدِّ الْعَذَابِ مَا لِلْكُفَّارِ ، وَيَزِيدُ عَذَابُهُ بِزِيَادَةِ كُفْرِهِ " . وَيَتَأَيَّدُ التَّعْلِيلُ بِهَذَا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ شَبِيهًا بِذَلِكَ فِي حَقِّ مَنِ ادَّعَى أَنَّهُ يُنَزِّلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ، وَأَنَّهُ لا أَحَدَ أَظْلَم مِنْهُ ، فَقَالَ تَعَالَى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ } فَهَذَا فِيمَنِ ادَّعَى مُسَاوَاةَ الْخَالِقِ فِي أَمْرِهِ وَوَحْيِهِ ، وَالأَوَّلُ فِيمَنِ ادَّعَى مُسَاوَاتَهُ فِي خَلْقِهِ ، وَكِلاهُمَا مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا. وَمِمَّا يُحَقِّقُ هَذَا مَا تُوحِي بِهِ رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ : "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي" فَإِنَّ " ذَهَبَ " بِمَعْنَى قَصَدَ ، بِذَلِكَ فَسَّرَهَا ابْنُ حَجَرٍ. وَبِذَلِكَ يَكُونُ مَعْنَاهَا أَنَّهُ أَظْلَمُ النَّاسِ بِهَذَا الْقَصْدِ ، وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ أَنْ يَخْلُقَ كَخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى .