جريدة الديار
الجمعة 29 مارس 2024 09:36 صـ 19 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

الحركيون والأقدام السوداء

د. إبراهيم عبدالرحمن الشرقاوي
د. إبراهيم عبدالرحمن الشرقاوي

من منا لم يسمع عن ثورة المليون شهيد ، إنها الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي الذي استمر 132 عاما ، وردتنا قصص وبطولات لرجال ونساء الثورة ، فمن منا لم يسمع اسم جميلة بوحيرد أو حسيبة بنت بوعلي ، وعن بطولاتهم وأدوارهم من أجل تحرير وطنهم .

إلا إن هناك جوانب أخرى ترتبت وظهرت نتيجة الاحتلال الطويل أسفرت عن ظهور مجاميع جديدة بأسماء خاصة ، كالحركيين والأقدام السوداء . الحركي مصطلح يعني العميل أو الخائن نسبة إلى الحركة ، ويطلق على الجزائريين الذين حاربوا في صفوف الجيش الفرنسي ضد ثورة التحرير في بلادهم من عام 1954 إلى عام 1962 .

وبلغ عددهم 150 ألف حركي في صفوف القوات الفرنسية ، ولما تحتّم على فرنسا الخروج وترك الجزائر ، وعشية إعلان استقلالها ، جرّدت فرنسا جميع الحركيين من السلاح وتخلت عنهم من غير أن تفاوض أحداً في مصيرهم ، تاركة إياهم عرضة الانتقام الجماعي ، فهم الخونة و أعوان العدو في نظر جيش التحرير الوطني المنتصر .

فقُتل بعضهم واختفى عن الأعين بعضهم الآخر ، وفرّ نحو 60 ألف منهم إلى فرنسا في تعاسة وتمزّق شديدين ، مخافة تصفيتهم بتهمة الخيانة ، ووضعوا في مراكز إيواء ، وظروف وصفت بأنها غير ملائمة ، وقد اعتنق البعض منهم الديانة المسيحية كردة فعل، ويبلغ عددهم وأسرهم حاليا في فرنسا نحو نصف مليون شخص .

ومن المعلوم أن هؤلاء الحركيين هم أول من رفع راية الأمازيغية أو البربر من فرنسا ، التي أخذت تنادي بالافتخار بالأمازيغية واللغة الأمازيغية بعيداً عن العرب واللغة العربية ، ولقد دعمت فرنسا هذه المطالبات التي هدفها تقويض الإسلام ولغة القرآن اللغة العربية ، ومع الأسف الشديد انتقلت تلك المطالبات للضفة المقابلة من حوض البحر المتوسط إلى بلدان المغرب العربي .

وقد قام الرئيس الفرنسي ماكرون بتكريم 26 من الحركيين ، 6 منهم منحوا جوقة الشرف وهو أعلى وسام في الدولة الفرنسية ، هذا التكريم أثار جدلا واسعاً في الأوساط الجزائرية .

كما توجد جماعة أخرى يطلق عليها اسم "الأقدام السوداء" وهم المستوطنين الفرنسيين وغيرهم من الأوروبيين المولودين أو الذين عاشوا في الجزائر مثل الإيطاليين والإسبان والمالطيين فضلا عن اليهود خلال فترة الاستعمار الفرنسي .

وترجع تسميتهم "بالأقدام السوداء" نسبة إلى لون أحذية الجنود الفرنسيين الذين دخلوا الجزائر للمرة الأولى عام 1830 ، والتي كانت سوداء ، لكن البعض يربط هذا الاسم بالمزارعين من المستوطنين الذين كانوا يعصرون العنب بأقدام حافية لإنتاج العصير والخمور . وصل عدد "الأقدام السوداء" في الجزائر عام 1960 لنحو مليون نسمة ، ونصت اتفاقيات إيفيان لإنهاء الاحتلال الفرنسي في الجزائر ، والموقعة بين الحكومة الجزائرية المؤقتة ونظيرتها الفرنسية يوم 18 مارس 1962 على اختيار "الأقدام السوداء" خلال 3 سنوات بين نيل الجنسية الجزائرية أو الاحتفاظ بالفرنسية واعتبارهم أجانب ، وكان قادة جبهة التحرير يرفضون الجنسية المزدوجة للأقدام السوداء .

لقد فاوضت فرنسا من أجل "الأقدام السوداء" الذين لا يخشى عليهم من الإنتقام ، على عكس الحركيين الذين وقفوا إلى جانب فرنسا وحاربوا معها ضد بلدهم ومواطنيهم إلا أن فرنسا تخلت عنهم دون أن تفاوض بشأنهم وتركتهم لمصيرهم .

يوجد في فرنسا حاليا نحو مليون شخص من "الأقدام السوداء" ، يعيش أغلبهم في جنوب فرنسا ، خاصة في مارسيليا ، ومنهم أسماء بارزة مثل الكاتب الشهير ألبير كامي والمغني أنريكو ماسيوس وإيف سان لوران مصمم الأزياء الشهير والفيلسوف جاك داريدا وغيرهم كثيرين .

التقيت بأحد الجزائريين كانت أسرته من عناصر "الحركيين" يقول أنهم لم يكونوا خونة كما أشاعت عنهم جبهة التحرير حتى وإن حاربوا مع الجيش الفرنسي لأن الجزائر كانت جزءًا من فرنسا بعد مرور أكثر من مئة عام على تواجد الفرنسيين الذين عملوا على تطوير البلد فكانوا يقاتلون عن بلدهم فرنسا ، وإن فرنسا كانت الأفضل لبلدنا الجزائر ، كما إن عناصر "الحركيين" يرفضون العنف الذي مارسته جبهة التحرير أو تحقيق الاستقلال من دون تحضير ، وكانوا يفضلون استقلالاً ذاتياً على مدى مراحل لتأهيل الكوادر الجزائرية .

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل