جريدة الديار
الجمعة 29 مارس 2024 01:29 مـ 19 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

القراءة .. يا أمة اقرأ

إن أول كلمة خاطب بها الله نبينا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بواسطة جبريل عليه السلام هي كلمة " اقرأ " عندما تمت مخاطبته بأول ما نزل من القرآن الكريم " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) " هذه الآيات بإجماع العلماء إنها أول ما نزل من القرآن الكريم ، ونحن لسنا هنا بصدد بيان سبب نزول الآيات أو تفسيرها ، إنما علينا أن نلاحظ كيف ابتدأت بكلمة اقرأ التي تكررت مرتين في الآيات . هذه الآيات تدعو للقراءة وتكرارها للتأكيد على أهمية القراءة ، وتتحدث عن العلم والتعلم . فالقراءة أفضل وسيلة من وسائل التعلم الإنساني ، فهي تنوع وتزيد من المعارف والثقافة العامة لدى الإنسان ، ومن خلالها نستطيع أن نضع معياراً نميز فيه الإنسان المثقف صاحب المعرفة عن غيره من أفراد المجتمع ، ولا يقف الأمر عند هذا الحد ، بل هي من أهم المعايير التي يمكن أن يقاس بها مدى تطور أو تخلف المجتمعات . فالمجتمعات الأوروبية في الماضي وخاصة في العصور الوسطى كانت مجتمعات متخلفة ترثع فيها الأمية ولا يعرف للقراء والثقافة فيها مكان ، في حين أن المجتمعات العربية والإسلامية كانت القراءة والثقافة فيها أسلوب حياة ، ولهذا تفوقت وتقدمت على غيرها من المجتمعات الأخرى ، ولكن عندما تخلت مجتمعاتنا العربية عن القراءة تراجعت وتخلفت . فالكتاب خير جليس ، وقد وصَفه الجاحظ فقال : " الكتاب نِعْمَ الذُّخْر والعقدَة، ونِعْمَ الأَنيس ساعَة الوحدة، ونِعْم القَرين، والدَّخيل، والوزير، والنَّزيل " . وقال أبو العباس أحمد بن مسروق : قرأت في كتاب : نِعْمَ المُحَدِّثُ والرَّفيقُ كتابُ تَلْهو به إن خانَك الأَصْحابُ لا مُفْشِيًا للسِّر إنْ أَوْدَعْتَه ويُنالُ منـه حكمـةٌ وصَـوابُ وقول المتنبي الشهير : «أعز مكان في الدنيا سرج سابح... وخير جليس في الزمان كتاب». هكذا كان ينظر العرب للقراءة وللكتاب في أجمل عصور النهضة الثقافية وتسيد الأدب والشعر ، وتفوق المجتمعات العربية وتقدمهم على غيرهم . أما اليوم فيعاني وطننا العربي من قلة القراءة فكل مليون عربي يقرأون 30 كتابا فقط ، وهذا العدد يشمل قراءة كتب الطبخ والسحر والتنجيم ، فكيف سيكون العدد عند الحديث عن قراءة الكتب الجادة القيمة كالنصوص الإبداعية والنقد الأدبي وغيرها ، وهذا يثبت لنا كم هو مزرٍ وضع القراءة في بلداننا العربية . من يذهب للدول الأوروبية يشاهد كيف يحرص الجميع فيها على القراءة كبارا كانوا أو صغارا ، فكل منهم يمسك بيده كتابا أينما يذهب ولا يريد تفويت لحظة واحدة دون أن يستغلها في القراءة ، عدا كونهم يترددون على المكتبات العامة والخاصة بحثاً عن كل ماهو جديد في عالم الكتب ، فإنهم يحملون بأيديهم الكتاب ويقرأونه أينما حلو في الطائرات في الحدائق في حافلات النقل ، بعضهم يقرأ وهو يمشي متجهاً إلى مقصده أسوة بنا ، ولكننا نمسك بالهاتف المحمول بدلاً من الكتاب . فقد أثبتت جميع الدراسات أن القراءة تغير خمسة جوانب من حياة الإنسان ، فمن يقرأون يتمتعون بمهارات إدراكية أعلى ، وأنه يسهل على محبي القراءة معالجة المعلومات بشكل أقدر ومنحهم مساحة أوسع من الإلهام والإبداع ، كما وجدوا أن القراء أقل إجهادا ، وأقل اكتئابا ، ويتمتعون بقدر أكبر من احترام الذات والقدرة على التعامل مع التحديات ، مقارنة بغير القراء ، كما أنهم يميلون إلى تكوين صداقات ، وأنهم أكثر إحساسا بالالتزام تجاه مجتمعاتهم ، وأكثر وعيا بالقضايا الاجتماعية ، كما تعمل القراءة على تقوية الذاكرة والحماية من الزهايمر ، وزيادة متوسط العمر . ومع الأسف الشديد لم تسع المؤسسات التعليمية في بلداننا العربية إلى خلق مجتمع قارئ ليستطيع أن يعبر عن نفسه بتوسيع مداركه العقلية ، وذلك من خلال سياسة تعليمية واستراتيجية معينة ، تبدأ بالنشء وتحبيبهم بالقراءة وتمييزهم لما هو مفيد من المجلات العلمية والكتب وتعويدهم على الاستمرار بالقراءة . والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل