جريدة الديار
الجمعة 26 أبريل 2024 02:57 مـ 17 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

إبداع المعاناة قصة قصيرة جداً للقاص فاضل حمود الحمراني ..بقلم: محمد الخفاجي

إصــرار

شهية خطواتي تلتهم تعثر المسير، تتبع صوت العبء، تغير اتجاه
الخوف، حين أيقنت من استقامة ظهري. لم تكترث لإعوجاج ظلي.

يقول الفيلسوف الألماني شوبنهاور: " الإبداع وليـد المعاناة، ولا إبـــداع دون مـعانـاة"
قد نتفق معه في ذلك بنسبة ما وقد نختلف لكـن المحصلة النهائية للإبداع تعتـمد علــى
ظروف ومقدرات شتى، منها المعاناة سواء كانت جسدية أم غير جسدية، والتي ترتبط
وتتواءم وتتلازم مع مخاض الخلق والإبداع.

ولنا في هذا الصدد نماذج لتجارب أدبية كثيرة جدا ً لشعراء وكتـاب انبثقت مهاراتهم
الإبداعية من رحم المعاناة، وآخرين وظفوا معاناتهم وعكسوها في أعمالهم الشـعريـة
والنثرية، كإلياس أبو شبكة بولدير الشرق من لبنـان وأبي القاسم الشابي من تـونس و
و السياب رائد الشعر الحرمن العراق، وقد جاد هؤلاء بأروع القصائد المستــمدة مـن
معاناتهم من آلام المرض وأعباءه. أما في مجال النثر فقد تمخضت تجربـــة الكاتب
الروسي دستوفيسكي وتعرضه لحكم الإعدام واعتلاءه لمنصة التنفيذ ثم العفـــو عنه
عن رواية رائعة هي (( الأبله ))، وكتب همنغواي روايته (( وداعاً للسلاح )) لأنـه
عانى المرض والإصابة بالجراح بعد تطوعه كسائق إسعاف في الحرب.

وقد تعرض القـاص العراقي فـاضل حمـود لوعكة صحية أقعدته عن الحـركة وشلـت
أجزاء من جسده، لكنه بعون الله وإرادته الصلبة تمكن من تخطي ذلك وعاد لـممارسة
شعفه ومتعته وفنه الجميل، فخطّ لنا قصة فصيرة جداً من أروع ما كتب.

عنوان النص كلمة واحد مصدر نكرة نلمح في طياته الصبر والعزيمة ومعاندة الوجع
ثم المتن الذي نرى فيه أقل عدد من الكـلمات باختـزال وتكثيف عـاليين لنحـصل على
معان ٍ مطنبة مسهبة، مع انزياحات لغوية دلالية غاية في الروعة، واستعارات بجمل
وعبارات بلاغية موحية، فعبارة : ( شهية خطواتي تلتهم تعثر المسير ) حملت دلالة
مجازية جميلة جداً، فقد انتزع القاص للخطوات شهوة وجعلها تلتهم التعـثر، لتفـرغ
له طريق المسير، وعبارة: ( تتبع صوت العبء) توحي بالمجابهة ومقابلة الألـم من
ثم التغلب عليه، بعدها نجد عبارة: ( تغيّر اتجاه الخوف ) التي توحي بعـدم المبالاة
والملاواة وتغيير الوجهة، حتى الوصول للقفلة المدهشة التي احتوت على مفارقــة
معنوية بديعة جداً، وكأنها ومضة قصصية لو تم اقتطاعها على حدة، ( حين أيقنت
من استقامة ظهري، لم تكترث لاعوجاج ظلي)، فيقين الوقوف واستقامة الظهر، لا
يهتم معها بالشك في القدرة مع اعوجاج الظل.

نص استحـضر المعـاناة ورسـم منها لوحة فنية بحـروف تشربـت الألم وحولته إلى
فرشاة تغيرالسواد إلى بياض، تموه ألوان اليأس بألوان الأمل، نجــح القاص عائدا ً
ومحلقا ً في سماء الأوراق مرفرفا ً بجناحي خيال جامح متعاليا ً على واقعه.