جريدة الديار
الجمعة 19 أبريل 2024 01:23 مـ 10 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

لرصيدها في الفكر السياسي .. ليبيا ستعود حتما دولة قوية

 بهجت العبيدي
بهجت العبيدي

لا يمكن لدولة أن تقام دون أن يكون لديها مقومات، هذه المقومات متعارف عليها دوليا وهي مجموعة من الأشخاص الذين يعيشون على بقعة جغرافية محددة مع ممارسة أنشطتهم فيها، بالإضافة إلى خضوعهم لنظام سياسي محدد متفق عليه من أجل تولي شؤونها، كما تشرف على العديد من الأنشطة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية بهدف تحسين حياة أفراد الشعب، والازدهار والتقدم في الدولة.

أما تعريف الدولة لغوياً فهو العقبة في المال والحرب؛ أي الظفر والغلبة بهما. وهذه المقومات لا تؤدي إلى وجود دولة إلا إذا امتلك أبناء من هذه الجماعة البشرية الفكر والرؤية اللذين يرسمون من خلاله السياسة التي من خلالها يمكن أن تتمايز عن غيرها من الدول، فليست كل الجماعات البشرية عبارة عن شكلا واحدا، وليس لها أسلوب واحد ينتج منه بالضرورة صورة واحدة للدول، ولذلك ارتبط الفكر السياسي لكل جماعة بالمكان والزمان، فنتج عن التفاوت بين هذين العنصرين، بالإضافة إلى العنصر البشري أشكالا للعديد من الدول.

ومن ثم كان هناك أهمية كبيرة للفكر السياسي الذي هو فلسفة ونظرية سياسية تقوم على دراسة موضوعات سياسيّة كالحرية، والعدالة، والملكية، والحقوق، والقانون، ويشير غالباً إلى الرأي العام، ويمكن دراسته باعتباره أحد فروع العلوم السياسية، ويمكن تعريفه أيضاً بأنّه أيدلوجية تؤسس للعمل السياسي كالبرامج الانتخابية والأحزاب؛ بحيث تمتلك هذه البرامج مجموعة من المنظومات الأخلاقية العليا، والمبادئ، والمذاهب، ويعدّ الفكر رمزاً للعديد من الحركات الاجتماعية والمؤسسات.

والفكر السياسي، ليس كما يظن البعض حديث، ظهر مع الدولة العصرية، ولكنه ممتد في أعماق التاريخ، عرفته الحضارات القديمة حيث ظهر عند الصينيين خلال القرن الثامن قبل الميلاد من قبل كونفوشيوس، وذلك بعد انهيار اجتماعي وسياسي للبلاد الصينية، ووجد في ذلك الوقت مفكّران اثنان أيضاً هما منيوس والموزي اللذين ركزا على الوحدة والاستقرار السياسي كأساس للفكر، كما دعا كونفوشيوس إلى التعاطف والولاء، وتوطيد العلاقات الشخصية، وظهر بعد ذلك في أسرتي تشين وهان.

وإذا كان الصينيون قد عرفوا الفكر السياسي منذ فجر التاريخ فإن العرب كذلك قد تعرفوا عليه حيث كان الفكر السياسي اليوناني القديم منبعاً للفكر السياسي العربي؛ فكان للفيلسوف الكبير أفلاطون دورٌ كبيرٌ في منهجه، وبدأ ظهوره في البلاد الهنديّة خلال العصور القديمة، وساهم ذلك في تطوير دساتير الدول الهندوسيّة التي كانت تَستند على الأطروحات السياسيّة والقانونيّة في كافّة مؤسساتها الاجتماعية.

وإذا عدنا إلى مقومات الدولة فإننا نجد أول ما نجد لكي تتحق الدولة بشكلها المتعارف عليه دوليا فلابد أن يكون هناك سلطة التي هي تعرف مجموعة من المؤسسات العاملة، في حيز جغرافي محدود ومعين، تمارس السلطات الخاصة بها على مجموعة من الأشخاص الذين يعيشون داخل إطار الحدود الجغرافية لإقليم ما، إذ تكون هذه الممارسات متفق عليها فيما بينهم على مجموعة من الأحكام والقواعد والتشريعات، وتتمثل هذه السلطات في سلطة الحاكم، والمؤسسات المشرفة على أرض الدولة التي تحميها من التهديدات.

ثم بعد ذلك يأتي الحيز الجغرافي والذي يعرف بأنه مساحة الدولة؛ أي حيزها الجغرافي الذي يكون محدداً وثابتاً ومعروفاً، ويضم كلاً من: الأراضي التي يعيش فوقها الشعب.

والموارد والثروات التي تحتويها الأرض؛ بمعنى ما يوجد داخل باطن الأرض من بترول أو معادن وغيره من الثروات. والمساحات المائية المحتوية على المحيطات أو البحيرات الداخلية أو البحار أو الأنهار التابعة إلى سيطرة الدولة السياسية. النطاق الجوي الخاص بالدولة؛ أي النطاق الواقع فوقه الحيز الجغرافي والمائي.

أما أهم عنصر من عناصر الدولة فهو الشعب؛ فلا يوجد أي دولة من غير شعب، حيث يعتبر الأساس الذي يبنى عليه بقية مقومات الدولة، والشعب هم المواطنين الذين يعيشون في الدولة، وأصحاب جميع مؤسساتها وثرواتها، ويرتبطون في التاريخ، والعرق، والأصل، والثقافات، والعادات.

إن المتابع لما هو حاصل في العديد من دول المنطقة يعلم يقينا أن هناك محاولات مستميتة للوصول ببعض الدول إلى مصطلح الدولة الفاشلة، ومن ثم تقطيع أوصال تلك الدول المستهدفة والتي من بينها دولة ليبيا الشقيقة والتي تمتلك كل مقومات الدولة الناجحة، والتي تمتلك أيضا من الكوادر الفكرية والسياسية والعسكرية ما يحول بينها وبين ما يخطط له الأعداء.

إن الليبيين يدركون أكثر من غيرهم ما يستهدفه الأعداء لهذا الوطن العزيز، ذلك الذي جعل اللواء خليفة حفتر وهو أحد الجنرالات الوطنيين المتميزين الدارسين ليس للعلوم العسكرية فحسب، بل كذلك للفكر السياسي، إضافة لمعرفته الدقيقة للخريطة الدولية فضلا عن القوانين والأعراف الدولية، ويدرك إدراكا دقيقا طبيعة الشعب الليبي ويعلم تفاصيل مكوناته المختلفة، ذلك الذي جعله يحظى بثقة غالبية أبناء الشعب الليبي الذين يدعمون تحركاته لإفشال مخطط الأعداء من ناحية، والحيلولة دون وقوع ليبيا كدولة فاشلة ذلك الوقوع الذي يؤدي بالضرورة إلى تقطيع أوصالها وتقسيمها إلى عدة دويلات. إننا على ثقة بانتصار الشعب الليبي بقيادة قائد الجيش الليبي، لأننا ببساطة نؤمن بهذا الميراث الكبير الذي يمتلكه أهلنا في ليبيا، ذلك الميراث الذي به العديد من التجارب المتراكمة، كان للفكر السياسي فيها نصيب كبير، هذا الذي يجعل نجاح ليبيا الدولة أمرا حتمية، وعودتها دولة قوية أمرا لا مناص منه.