جريدة الديار
الخميس 18 أبريل 2024 07:30 مـ 9 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

إستيراتيجية الثورة ..والمؤامرة والنفاق

محمد فياض
محمد فياض

إن التدقيق في مسار السياقات السياسية التي انفتحت عليها العواصم العربية والتي أصابتها لعنة الربيع المزعوم يحملنا عنوة إلى البحث في ماهية الثورة .وقد لاحظنا أن إستعمال المفردات والمصطلحات السياسية في بلادنا منذ السابع عشر من نوفمبر عام 2010 في تونس وماتلاه من أحداث في مصر واليمن يناير2011 (25و27).وليبيا 17فبراير وسورية15 مارس من ذات العام2011 ومرور ذات القطار إلى محطتي الجزائر والسودان أخيرا .يؤسس لكارثة لايتصدى لها أحد..فقد سلّمَت النخب السياسية للمفهوم المستورد للثورة والذي لانبريء المخابرات المركزية من تصديره إلينا تواترت على استخدامه الفِرَق التي تصدرت المشهد فجأة في عواصمنا ..ودون سابقة واحدة لأعضاء تلك الفِرَق .ولم تُضْبَط مرة واحدة متلبسة بالفعل أو حتى بالإشتراك في إجتماع تحضيري للخروج في تظاهرة ضد نظم الحكم دفاعاً عن مصالح طبقة إجتماعية يجور الحكم على مصالحها الإقتصادية والإجتماعية أو أيهما..الأمر الذي وبمراجعة ماحدث ويحدث والناتج الإجمالي في كل العواصم العربية التي فجأة تلد ميادينها الثورة ولم تكن حبلى ..فللثورة مفاهيم مغايرة من حيث الفعل الثوري والمشروع البديل المُجَهَز للحضور فور الإزاحة .والطبقات الإجتماعية الثائرة والأولى بالرعاية من بداية تحقق إنزال النخبة الحاكمة عن كراسي الحكم وإلى حصاد الإصلاح الإجتماعي والإقتصادي والسياسي مهما استغرق من وقت.

إن الثورة عن أرسطو انحصرت في شكلين ..أولهما هو التغيير الكامل من دستور لآخر، أو التعديل على دستور قائم وموجود ..ويأتي ثانيهما التعريف التقليدي القديم للثورة والذي وُضِعَ مع انطلاق الثورة الفرنسية وهو أن يقوم الشعب بتغيير نظام الحكم بالقوة تحت قيادة النخب والطلائع، وقد أدخل الماركسيون تطويراً تصدّى لتعريف النخب والطلائع المثقفة بطبقة قيادات البروليتاريا.

وإن اعتمدنا التعريف المعاصر لماهية الثورة باعتبارها ذلك التغيير الذي يُحْدثه الشعب ومن خلال أدواته ..وقد ذهب هذا التعريف إلى حصر تلك الأدوات في اثنين ( القوات المسلحة _ والشخصيات التاريخية ) ..لهدف تحقيق طموحات الشعب وتغيير نظام الحكم بالقوة والذي ثبت عجزه عن تلبية هذه الطموحات.

...إن مراجعة عدة مفاهيم مستحدثة للفعل الثوري غاية في الأهمية والتسليم بمفهوم الفعل هنا أن يرتكب الشعب عبر أدواته _ السابق ذكرها حصراً_كل الجرائم التي وردت نصوص قانون العقوبات ودفعة واحدة وخروج الفعل وسلوكه من دائرة التجريم إلى نطاق الإباحة ..لكن السؤال الأهم هنا : هل يحدث الفعل الثوري لذاته ؟؟.أم لتحقيق غايات؟

الإجابة المنطقية أن غايات الشعوب التواقة لنيل حقوقها الإقتصادية والإجتماعية والسياسية تدفعها للثورة ضد أنظمة الحكم مارأت هذه الشعوب الوقوع في أسْر الإختناقات الشاملة بفعل الإنسداد السياسي وذهاب الحكم لتلبية مطالب طبقة النخبة السياسية والإقتصادية المرتبطة به على حساب الحقوق الشعبية، ولم يجد الشعب بُدًّا من حتمية إرتكاب السلوك الثوري عبر أدوات الفعل الثوري المتعارف عليها.

...إن تطبيق هذه المفاهيم وتلك الأدوات يحملنا إلى سؤال منطقي : هل ماحدث في البلدان العربية .تونس .مصر.اليمن.ليبيا. سورية.الجزائر والسودان .يمكن تسميته ثورة .؟

هل قامت الثورة بأدواتها القوات المسلحة ( الجيش الوطني ) .أو الشخصيات التاريخية .؟؟ أم أن ماحدث وكان هو القيام بأدوات إرهابية ضد القوات المسلحة لهدف إسقاط الجيوش الكلاسيكية الوطنية .وعبر شخوص ليس لهم من المسألة الوطنية لون أو طعم أو رائحة ..وفوجئت الشعوب بأسماء وشخوص أفضل سطور السجلات عنها أنها عميلة وخائنة ..!

وباتت الثورات المنعوتة بالربيع العربي تحمل الهمجية والإرهاب إستهدافاً للقوات المسلحة ( الجيش الوطني ) .ولم تُنتِج مشروعا ثوريا ينتصر لطموحات الطبقات الإجتماعية الثائرة .بل وأثناء تدافع الفعل الثوري وموجات سلوكه المستمرة لزمن ولأزمنة لم تكتب الثورة مشروعها الثوري لاقبل ولا أثناء ولابعد سكوت الهتاف والعودة لإعادة إنتاج نظام الحكم مع تبدل الشخوص ..ولم تكن الثورة في مداراتها المعروفة بماهيتها المستقرة إصطلاحاً قد وهبت مجتمعها بفلاسفة ثوريين يحددون مساراتها ويلهمون الثوار الطريق يدفعون لبوصلتها ويصححون المسير.

إن الذي كان لايعدو سوى هدم لهذه الأمة من الداخل بغية تحقيق هدفا إستيراتيجياً تم إلباسه ثوب الثورة وتلقين مفرداته شخوصاً بحسبِها ثوار..إسرائيل ..وفقط .الهدف الإستيراتيجي للفوضى ..ولاستيراتيجية تلقين الطابور الحاكم بعباءة الثورة مفردات مغايرة عن الوطنية والسلام والحرب ..عن العاجل والآجل .عن العدو والصديق ..عن الجيوش والغاية من وجودها.

لاقامت الشعوب بثورات انتصرت لحقوق أو طبقات إجتماعية وغايات .ولا إستخدمت الشعوب للثورة أدواتها _ الجيوش أو الشخصيات التاريخية _ .ولاحتى تم طرح طموحات الطبقات الإجتماعية التي تم تهميشها بقسوة من نظم الحكم فكانت وقوداً للفعل في الميادين أملاً في إنزال الطغاة والإتيان برؤساء إدارات وطنية تستجيب لأقساط الحقوق الشعبية المعتدى عليها من النظم المخلوعة.

وأُدخِلت بلداننا دوامات العنف لهدف ثوري واحد وحقيقي تعوذه واشنطن من شعوبنا وأرضنا العربية لربيبتها إسرائيل .

ومن قاوم دفع ولايزال يدفع فاتورة باهظة التكاليف من دماء الشعوب وبنيتها التحتية ورصيدها الإقتصادي .للحيلولة دون المرور .

لم تكن ثورة ..وإن قلتم دون ذلك .نسألكم عن مشروعها وفلاسفتها وطبقاتها الإجتماعية المنتصرة الآن وما الفرق بين اليوم والأمس .وعن ثقافتها وفنها وإعلامها وتعليمها ..هل أنجزتم ؟؟

إن إستدعاء أغنيات ثورة 23 يوليو الناصرية كلما شئنا أن نغني للوطن دليل قاطع على أنها لم تكن ثورة .لا ألهبت مشاعر ولا ساقت خيالات ولا كتبت نصّاً تسترشد به الأجيال القادمة كبرهان ودليل على أنه كانت هنا ثورة.

بل كانت هنا مؤامرة ويشهد على وجودها آلاف البراهين وعشرات الآلاف من الجثث وملايين المهجرين والأرض المحروقة، والدمار والخراب الذي طال المدن والحضارات .المنشآت والبشر.

إن ماحدث من نتائج المؤامرة على بلادنا كان كافيا لكشف زيف النخب السياسية والوطنية _ المسماه هكذا _ في عواصمنا .وماوصلنا إليه يؤكد زيف إستمرارها تتصدر المشهد تحلل الزنا السياسي وتغدق التبريكات على شواذ الحالة الوطنية .تفند الإتهامات وتعيد صياغات الأيديولوجي والإستيراتيجي ..الخائن .والملهَم .

فتعتدي واشنطن على القدس والجولان وحزب الله والحرس الثوري ..وتفرض الحصار بأدواتها المطيعة في محاولة لتحقيق مكاسب فشلت في نيلها بالسلاح عبر أكثر من ثماني سنوات ولن تفلح .

وسيظل النفاق طابوراً خامساً لتلاوة آيات الرعب الأمريكي على مسامع الشعوب .لكن الذي لاتعرفه تلك النُخَب ولم تَنَل شرف التفكير فيه يوماً أن للشعوب أبجدية تحفظها وتُسَلّمها ميراثاً مقدساً للأجيال تُرْضِعُها الحرائر للأطفال .أن العدو إحتل فلسطين .أن الخونة سلّموا بوجودها .أن التحرير فريضة الكرامة والرجولة والنخوة.

أن هذه النخب المرتبطة وجودا وعدما بعمالتها وقبول الإبقاء عليها لدى واشنطن ورضا تل أبيب مكانها مزبلة التاريخ وحسابها آتٍ لاريب فيه.. وأن ثورات عربية تمسك بوصلتها ووجهتها ومشروعها حادثة.. وعما قريب .الثورة مالم تتوجه لرص الصفوف للمقاومة وكنس العملاء ومحاسبة الخونة .فليست هي الثورة .ستولد من رحم الأزمة باستيراتيجيتها التي نبغي.