جريدة الديار
الخميس 18 أبريل 2024 02:18 مـ 9 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

أحمد المرشد يكتب : ربيعنا الأخضر وربيعهم الأسود.. والعبرة بالخواتيم

أحمد المرشد
أحمد المرشد

آتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا من الحسن حتي كاد أن يتكلما وقد نبه النيروز في غلس الدجي أوائل ورد كن بالأمس نوما هكذا وصف البحتري الربيع، نعم فنحن نعيش في فصل الربيع، وها نحن نجني ثمار الربيع من ثورات الربيع الأخضر وليس الربيع العربي الأسود الذي بدأ قبل عدة سنوات.

هذا هو ربيع الشعوب التي تستطيع أن تغير الأنظمة التي تحكمها إرادة شعبية كما حدث في الجزائر والسودان، حيث تم تغيير رئيسيين في غضون 48 ساعة.

إن إرادة الشعوب لا يمكن أن تقهر إذا كانت بدون دسائس أو مؤامرات كما تتعرض ليبيا في الوقت الراهن، حيث تواجه مؤامرة للأخوان يريدون من خلالها سرقة البلد، ونحن نعرف من هم الأخوان ومن هم الداعمين لهذه الفئات المخربة المضللة.

سيبقي "الأخوان المسلمين" عناصر تخريب وليس عناصر إصلاح ومحاربتهم يجب أن تكون كما تحاربهم مصر الآن وتعيش ثورة ضدهم. فالأخوان لا يريدون استقرارا لأي دولة ولكن مبتغاهم هو أن يتسيدوا في أي بلد، ولكن هيهات أن يتم هذا لهم، فشعب السودان استيقظ ونفض الأخوان، كذلك استطاع الشعب الجزائري بثورته البيضاء الناصعة أن يكشف مخربين ومندسين داخل الجسم الجزائري النظيف وتم اعتقالهم.

قلنا إنه إذا الشعب أراد أمرا فبالحكمة والميراث السياسي الواضح يستطيع أن ينجز ويحقق ما يريده.

ونحن هنا لن ننجرف الي التساؤلات الكثيرة التي اجتاحت الوطن العربي بعد نجاح الشعبين الجزائري والسوداني في الإطاحة برأس نظاميهما حتي الآن، وهل ما حدث في فيهما ثورة أم انقلاب، أم تحرك شعبي بلا قيادة سياسية؟.

والتساؤل الآخر لا يقل أهمية ويتعلق بمدي نجاح الجزائر والسودان في استثمار ما تم لبسط العدالة والحرية والديمقراطية؟

ثم التساؤل الأخير وهو الأكثر إيلاما عما إذا فشلت الشعوب في تحقيق تلك العدالة والحرية والديمقراطية، فهل ينقلب الوضع الي فوضي وتخريب وانقسامات تقود في النهاية الي مآلات صعبة منها ردة في الحقوق والحريات أو حرب أهلية كما نري الآن في ليبيا وسوريا واليمن؟.

وإذا كنت ركزت في الأسبوع الماضي عما شهدته الجزائر وأشدنا بما تم هناك، ننتقل الآن الي السودان، هذا البلد الشقيق الذي احتله "الأخوان المسلمين" منذ يونيو 1989.

وبداية فما تم بالسودان فقد شمل انقلابين عسكريين بعكس معظم الانقلابات، استغلالا لحركة الشارع الذي انتفض لإنهاء حكم عمر البشير الذي تولي السلطة نحو 30 عاما.

فالانقلاب الذي قاده الفريق عوض بن عوف للإطاحة بالبشير لم يستمر سوي يوما واحدا فقط، حتي انقلب عليه ويقصيه من رئاسة المجلس العسكري الفريق عبد الفتاح برهان الذي خضع لإرادة الشعب بضرورة التخلص من نظام البشير واقتلاع جذوره فخلع سلفه بن عوف من رئاسة المجلس العسكري.

فالسودانيون لم ينخدعوا بحركة بن ىًعوف ضد البشير لعلمهم التام أنه يمثل نفس النظام الأخواني بكل مساوئه وعيوبه التي أسفرت عن مجاعة وأزمة اقتصادية في هذا البلد الزراعي الذي طالما عولنا عليه لإنقاذ الوطن العربي من أي نقص في سلة أغذيته.

انتفاضة السودانيين كانت في الواقع ثورة ضد الأخوان الذي أداروا البلاد 30 عاما وكبتوا فيها الحريات وحولوا السودان بمساحاته الشاسعة الي سجن كبير بطول هذه المساحات، وأشعلوا فيها الحروب الأهلية والفتن والدسائس، فقد تسلم البشير ومنظره الإسلامي حسن الترابي حكم البلاد وهي "سودان واحد" لينتهي الحال بسودانيين وألاف القتلي والجرحي في الحروب الأهلية التي تسبب فيها البشير وأعوانه لبسط سلطته علي معظم أنحاء البلاد وليته نجح.

المثير في الأمر أن تنظيم الأخوان بعد سقوط البشير سعي بشدة لتبييض وجهه، فقد تنصلت الجبهة الإسلامية القومية - الفصيل الأخواني في السودان –من سياسات البشير لتهرب من تحمل مسؤولية فشل نظامه ونظامهم السياسي الفاشل، ويتذكر المصريون كيف ساعد البشير وأعوانه من الأخوان نظام الرئيس المخلوع محمد مرسي، فاستقبل السودان الكثير من أنصار هذا النظام الذين فروا من مصر في طريقهم الي دول اللجوء الأخري.

ولا نكشف سرا إذا قلنا أن البشير أنقذ رؤوس كل هؤلاء الفارين من حبل المشنقة.

وفي هذا الصدد، وجدنا الأخوان يحملون البشير مسؤولية الفشل في حكم السودان ليبعدوا التهمة عن تنظيمهم الفاشي الذي يستغل الدين لتحقيق مآرب خاصة علي حساب مصالح الشعوب والأمم. ونحن لا نستغرب مثل هذه المواقف من الأخوان فهم انقلابيون بطبعهم حتي علي من وقف بجانبهم وساندهم، فالغدر والطعن من الخلف طبعهم، وكان هذا هو حالهم في مصر بعد الاستيلاء علي الحكم لينقلبوا علي الديمقراطية ويطيحوا بكل من ساهم في وصولهم للحكم.

ولكن السودانيين تعلموا الدرس من مصر والمصريين، فأصروا علي اقتلاع النظام الأخواني البشير من جذوره، ويحضرني هنا قصة بداية "البشير – الأخوان" وسأسردها بإيجاز سريع للتاريخ فقط حتي نتعلم الدرس ونستخلص العبر التي لا تجعل أي شعب عربي ينخدع مرة أخري بأساليب الأخوان ومن يساندهم ويمولهم.

ولعل الدرس السوداني يفيدنا في مستقبلنا. فقد توسم الأخوان في العقيد البشير – هكذا كانت رتبته العسكرية في يونيو 89 – واختاروه ليكون واجهتهم لقيادة انقلابهم علي الحكومة المنتخبة بقيادة صادق المهدي، وأطلق الأخوان بقيادة حسن الترابي علي هذا الانقلاب "ثورة الانقاذ"، وليتولوا الحكم بعدها بالواجهة البشيرية والترابي من خلف حجاب، ثم هيمن عناصر التنظيم على كل مفاصل الدولة من مصالح مدنية انتهاء بالجيش والقوى الأمنية.

وقد فتح النظام الأخواني في السودان أبواب البلاد لأتباع التنظيم مهما كان موقعهم في العالم، وعليه فالأخوان مسؤولون عما تم من إضاعة نصف السودان وتقزيم خريطته ونهب ثرواته غني وتحويل أغني بلد عربي وإفريقي الي دولة فقيرة وسقوطه في مستنقع الحروب الأهلية طوال الوقت.

ورغم السمعة السيئة، فلم يكن أسوأ من حال الانقلابات العسكرية في السودان سوي الحركة الإسلامية ومؤسسها حسن الترابي الذي استغل حالة الفراغ في الجيش ويتم تجنيد عمر البشير ليكون الواجهة للانقلاب الإخواني علي حكومة صادق المهدي، بهدف تجنب غضب الدول المجاورة خصوصا مصر التي كانت تواجه وقتها أشرس تنظيمات إرهابية.

وقد نجحت الحركة الإسلامية التي تحولت لاحقا الي الجبهة الإسلامية كحزب سياسي حاكم في الانقضاض علي السلطة.

وتمر السنون حتي ضاق البشير ذرعا بإدارة الترابي حكم السودان من وراء ستار العسكريين، ليقرر الاطاحة به وينقلب عليه وهو الذي جاء به الي سدة الحكم،.فقد صعب على الرئيس العسكري القبول بحاكم مدني حتى ولو كان نفس الرجل الذي أرسله إلى القصر.

افترق الرجلان ولم يتردد البشير في إرسال مرشد الأخوان بالسودان – الترابي - إلى السجن مكرها هذه المرة وليس خدعة كما كان في يونيو 1989.

لقد توهم البشير صنيعة الأخوان والمنقلب علي منظرهم الترابي أنه سيظل بعيدا عن انتفاضة شعبه، وتحايل بقانون الطوارئ مرة ومحاولة تعديل الدستور مرة اخري، ولكن الشعب السوداني تمكن منه أخيرا وعلي وشك الإطاحة بنظام حكمه بالحديد.

وإذا كان البشير قد نجح في التحايل علي المحكمة الجنائية الدولية وصانعه الترابي فلن يفلح في الإفلات من شعبه. لقد ذهب البشير الي مصير كل انقلابي ومتآمر ليحكم عليه التاريخ في موعده، ويبقي السودان أبيا قويا علي الانكسار وهو البلد الذي أرغمه رئيس المخلوع علي أن يكون ملجأ لكل إرهابيي العالم وعلي رأسهم أسامة بن لادن، وهو الذي فتح بلاده للإيرانيين وتخلي عن جزيرة سواكن علي البحر الأحمر للآخرين.

ويبقي القول إن العبرة بالخواتيم، فخلع البشير والإطاحة بسلفه في المجلس العسكري الفريق عوض بن عوف ليس نهاية المطاف، فالنظام الأخواني سيسعي بكل الوسائل والطرق للحفاظ علي مصالحه الاقتصادية والسياسية الضخمة الذي حقق منها مليارات الدولارات، وهو نظام لا يتحالف سوي مع الشيطان لحماية مصالحه حتي وإن انقلب علي البشير واندمج مؤقتا مع حركة الثوار.