جريدة الديار
الخميس 9 مايو 2024 01:44 صـ 29 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

«بريد الليل».. رواية أجبرت صاحبتها على اقتناص «البوكر»

الروائية اللبنانية هدى بركات
الروائية اللبنانية هدى بركات

على الرغم من امتناعها عن ترشيح روايتها للفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر" لعام 2019م، إلا أن لجنة المسابقة أصرت بنفسها على الترشيح، بل وتمكنت الرواية من اقتناص الجائزة الكبرى في العالم العربي، والتي تقدر بـ 50 ألف دولار، بالإضافة إلى 10 آلاف دولار لوصول الرواية ذاتها إلى القائمة القصيرة.

واختيرت رواية "بريد الليل" الصادرة عن دار الآداب/ بيروت، للروائية اللبنانية هدى بركات صاحبة الـ 67 عامًا، من قبل لجنة التحكيم للفوز بالبوكر باعتبارها أفضل عمل روائي نُشر بين يوليو 2017 ويونيو 2018.

وتهدف الجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر"، إلى مكافأة التميّز في الأدب العربي المعاصر وتشجيع الإقبال على قراءة هذا الأدب عالمياً، كما يتمتع الكتّاب الذين وصلت كتبهم إلى القائمتين الطويلة والقصيرة بارتفاع مبيعات كتبهم في العالم العربي وعالمياً من خلال ترجمة رواياتهم إلى لغات أخرى.

"عن الرواية"

جاءت الرواية لتؤكد على أن الإنسان في زمن الشتات والمنافي والقهر والأقبية والهروب الدائم، لا ملجأ له إلا الارتماء في حضن العائلة التي توازي الوطن. فالجميع في روايتها يتوقون إلى الارتماء في أحضان ذويهم، طلبا للمغفرة والعفو.

وكتبت بركات روايتها بلغة بسيطة سهلة، فهي لغة رسائل بريدية كتبت بأيدي أناس عاديين هم أبطال القصص، واستخدمت الكاتبة أسلوب السرد المبعثر الذي يعطي إيحاء إضافيا بالتيه والضياع يضاعف تأثير اعترافات الهائمين المغتربين عن ذواتهم.

ويشمل القسم الأول "خلف النافذة" رسائل أولاها من رجل لحبيبته، وأخرى لحبيب قديم غائب ومنتظر، وثالثة من ابن لأمه يحكي لها عن تغيّر أحواله بعد السجن، وشخص شاذ جنسيا منبوذ لأبيه، ورسالة أخت لأخيها، وتترابط الشخصيات في القسم الثاني "في المطار"، بينما يتناول القسم الثالث "موت البوسطجي" أو حكاية ساعي البريد الذي يترك مصائر الرسائل معلقًا ومفتوحا وبلا نهاية.

ورسمت الصور في الرواية بعناية، فكل قصة تكاد ترتبط بغيرها برابط خفي، وغلب على لغة الرواية الفصحى رغم القليل من العامية المبثوث في الرسائل التي تضج بالشكوى والوحشة والندم أو اللامبالاة.

ويتناول مضمون الرسائل حروب الشرق الأوسط والقتل والجهل المنتشر، وتتعرض الرواية بالنقد للحكومات العربية والنقمة على رجال الدين والمجتمعات الشرقية، وتشرح كيف تحوّل كتاب الرسائل للإدمان والبغاء والدعارة وحتى الشذوذ الجنسي، وتتناول كذلك في القسم الثاني حياة المرسل إليهم.

وتعرضت الرواية لانتقادات من بعض القراء بسبب "نقمتها" المبالغ فيها على رجال الدين وحتى الأديان نفسها، وتناولت بعض التعليقات الناقدة كذلك ما اعتبروها "مبالغة في تصوير الجنس والعهر والشذوذ".

وتبدو الرواية الفائزة مزيجا من الآلام والأحزان والأنين والفقر الذي عاناه كتّاب الرسائل، وتعالج المشاعر الإنسانية والسقوط والأقنعة وحتى البشاعة الإنسانية التي قد ينكرها أصحابها لكنها لا تلبث أن تتلاعب بهم، كما تتلاعب الرسائل وتنتقل من شخصية لأخرى.

ويكاد اليقين يختفي في أحداث الرواية، فالقاتل قد لا يكون مجرما ولا المومس عاهرة، إنه الشك يضفي بظلاله وتضيع معه الحدود والمعايير وحتى الأماكن والأزمنة.

وأبطال الرواية بعضهم عاشوا حروبا أهلية وأحداثا عنيفة ودمارا وخسارات وخوفا وخيبات كبرى، وأثمر ذلك المزيج شكا يغلف الرواية المبعثرة، ويحولهم ليصبحوا أشخاصا آخرين، ويكتبوا رسائل تكاد تكون من غرباء إلى غرباء آخرين!

وحتى الفرحة المتوقعة في نجاح ساعي البريد في تسليم الرسائل، قضى عليها ضياع العناوين ودمار الشوارع، "فحين تنتهي الحرب سوف يبحثون طويلا عن أسماء الشوارع وربما يعطونها أسماء جديدة بحسب من ينتصر".

"من هي هدى بركات؟"

هدى بركات هي روائية لبنانية شهيرة، وُلدت في لبنان ودرست فيه حتى نهاية المرحلة الجامعية، لتسافر بعدها إلى باريس وتتابع دراستها العليا هناك. عملت في مجال التدريس، الترجمة والصحافة وكتبت العديد من الروايات والمجموعات القصصية.

عاشت هدى فترةً طويلةً في فرنسا ولكنّها برغم ذلك رفضت الكتابة بأيّ لغةٍ أخرى سوى بالعربية، وتُرجمت مؤلفاتها إلى العديد من اللغات ومنها الإنجليزية، الفرنسية، الإيطالية والألمانية والتركية.

خلال الحرب الأهلية اللبنانية بدأت هدى بركات بكتابة مجموعتها القصصية التي تحمل اسم "زيارات"، وأنهت روايتها الأولى "حجر الضحك" قبل أن تسافر إلى باريس حيث نشرتها في عام 1990 والتي كانت أول رواية عربية شخصيتها الرئيسية مثلية ووصف عمر خاطر الرواية بأنّها أفضل رواية كُتبت عن الحرب الأهلية في لبنان.

في عام 1993 نشرت رواية أهل الهوى والتي تُرجمت إلى اللغة الايطالية والاسبانية والفرنسية، وفي عام 2001 نشرت رواية حارث المياه والتي ترجمت إلى الانجليزية والفرنسية وفي العام ذاته فازت بجائزة نجيب محفوظ للأدب عن تلك الرواية

في عام 2002 منحتها الحكومة الفرنسية رتبة الفارسة في الأدب والفنون، وفي عام 2008 حصلت على وسام الاستحقاق.

في عام 2004 زارت المملكة المتحدة في زيارة رسمية لحضور أول بث لمجلة بانبال المملكة المتحدة وهي مجلة للأدب العربي المعاصر. وقد كان لها مساهماتها والتي كان منها نشر مقتطفاتٍ من حارث المياه في خريف 2009.

في عام 2004 نشرت مجموعتها القصصية رسائل الغريبة، وفي العام ذاته أيضاً نشرت رواية سيدي وحبيبي

بين عام 2010 وعام 2011 كانت مرشحةً لتكون عضوةً في مؤسسة أبحاث نانت الفرنسية، وفي عام 2013 اختيرت بركات كأول باحثة عربية في قسم الدراسات الشرق أوسطية في جامعة تكساس في أوستن.

في عام 2012 نشرت روايتها ملكوت هذه السماء والتي رُشحت للمنافسة على الجائزة العالمية للرواية العربية IPAF، وفي عام 2015 كانت ضمن القائمة القصيرة لجائزة مان بوكر الدولية، كما نافست في العام ذاته الروائي الليبي ابراهيم الكوني على جائزة البوكر

في عام 2017 نشرت رواية بريد الليل وفي عام 2019 حصلت على جائزة البوكر حيث اختارت لجنة التحكيم هذه الرواية كأفضل عملٍ روائي منشورٍ بين يوليو 2017 ويونيو 2018 وتمّ اخيتارها من بين 6 روايات في القائمة القصيرة.