جريدة الديار
الخميس 25 أبريل 2024 01:03 مـ 16 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

د. محمد لبيب يكتب .. النفس بين مشاعر الهزيمة والإنتصار

د. محمد لبيب
د. محمد لبيب

سأل صديقه "أراك منتشيا ".

رد "بالطبع لقد انتصرت في معركتي". تعجب الصديق "ولكنك لست علي حق". رد "ومن ومتي وأين وكيف يدري". شهق الصديق" الله وحده والناس يوم البعث".

"حقا ، ليس هناك عدو للإنسان أشد من شيطانه" من أشد اللحظات سعادة تمر علي الإنسان تلك التي يشعر فيها بالفوز والإنتصار في معركة ما مع الآخر ويتلذذ بهذه السعادة آيما تلذذ عندما يكون الإنتصار في معركة علي الحق.

والعكس تماما فأشد اللحظات هما علي الإنسان هي التي يلعق فيها مرارة الهزيمة وضياع الحق. وتتعدد الإنتصارات وتتعدد الهزائم طالما الإنسان علي قيد الحياة يجري هنا وهناك بين الناس ويري غرور ومطامع الغرائز والأشياء. ولن يسلم الإنسان من مشاعر الإنتصار والهزيمة إلا بمرض يُقعده عن الناس والأشياء والعياذ بالله بسبب فقدانه أدوات وأسباب ودوافع الهزيمة والإنتصار. فلا تحزن ان خسرت معارك المال والجاه والسلطان ولكن احزن كل الحزن إن خسرت معركتك مع الشيطان.

ومن ألذ اللحظات التي يشعر فيها الإنسان بسعادة غامرة بسبب إنتصاره تلك التي يفوز فيها وينتصر علي الشيطان. فإذا تغلب علي شيطانه وقام وصلي فهذا إنتصار كبير.

وإذا تغلب علي شيطانه في معارك الصيام والزكاة وصلة الرحم والصدق والوفاء والبر والعمل الجاد المخلص والبعد عن التزوير والنفاق والغيبة والنميمة والبهتان فهذا إنتصار ليس بعده إنتصار. فإذا كان الإنتصار في فوز الإنسان مع الآخرين في معارك المال أو الجاه أو السلطان يشعره بالفخر والسعادة والزهو وأحيانا العظمة والشموخ والكبرياء أحيانا أخري ، فهذا إنتصار مؤقت يزول بزوال مرحلة الإنتصار أو علي الأكثر بزوال الإنسان نفسه ورحيله من علي الأرض وصعود روحه إلي بارئها. وغالبا ما تعود نتائج هذا النوع المؤقت من الإنتصار بصورة قد تشحذ حقد وغيرة الآخرين فتؤدي في كثير من الأحوال إلي ضرر قبل النفع. أما الإنتصار علي شيطان النفس في معركة الحق والفضيلة والطاعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتعود نتائجه مباشرة علي الإنسان ذاته أولا ثم الآخرين ثانيا كرد فعل لإلتزامه وتجنبه لكل مسالك وطرق الشيطان التي تحول بين سلامه مع نفسه ومع الآخرين.

ثم أن نتائج هذا الإنتصار يحملها الإنسان في سيرته الذاتية في الدنيا وأيضا في صحيفته في الآخرة فيفوز بسلامة الدنيا والآخرة. وهذا النوع من الانتصار تتولد فيه مشاعر طويلة الأمد تبقي ولو رحل الإنسان. ولذلك فإن الهزائم الكبري في حياة الإنسان هي تلك التي يخسر فيها أي من معارك الحق والباطل مع الشيطان.

وإذا كانت فرص الإنتصار والهزائم في معارك المال والجاه والسلطان عزيزة وقليلة في الحياة ولا تتكرر كثيرا ، فإن فرص الهزائم والإنتصار في معارك الحق مع شيطان النفس تحدث كل لحظة سواء كان الإنسان وسط جموع الآخرين أو إختلي بنفسه وسواء كان غفيرا أو اميرا غنيا اوفقرا كبيرا أو صغيرا. فالشيطان يعيش معنا ويوسوس لنا كل لحظة وفي كل عمل وكل فكرة وفي كل وقت وحين وكل آذان أينما ذهبنا وأينما حللنا. فالشيطان لا وظيفة له وذريته منذ أن عصي إبليس اللعين الله وهو في الجنة إلا التفكير الدائم والماكر في الوسوسة لآدم وذريته حتي تقوم الساعة.

وتلك هي المعركة الكبري بين الإنسان وشيطانه الذي لا يبرحه طالما الإنسان علي قيد الحياة. ولأن الإنسان من ذرية آدم لم يكن له ذنب فيما حدث من إبليس وعصيانه العلني لله أمام سيدنا آدم وأمام الملائكة حتي قبل خلق أمنا حواء ولم يكن للانسان ذنب أن يقعد له الشيطان في كل طريق ليوسوس له ، فإن فرحة الإنتصار علي الشيطان تكون كبيرة ولذيذه لشعون الإنسان بانتصاره علي عدو خفي مجهز بكل أدوات الداحضة لأي إنتصار. فالشيطان عدو لم يصنعه الانسان ولم يعاديه أولا ولم يتحداه ثانيا. ولأن الله يعلم ذلك فقد أعطي للإنسان أسلحة بسيطة ولكنها فتاكة تستطيع أن تقضي فورا علي الشيطان وهي ذكر الله والإستعانة به والنية الطيبة والتوكل عليه.

ولأن معارك النفس مع الشيطان الرجيم كثيرة ومتكررة ودائمة ، فهنيئا لمن استطاع أن يهزم الشيطان وينتصر عليه كلما استطاع. فمن تعود علي الإنتصار في معارك الشيطان يصبح مع الوقت فارسا مغوارا حتي ولو أقعده المرض في فراش الموت.

فلا تحزن إن خسرت معارك المال والجاه والسلطان ولكن إحزن كل الحزن إن خسرت معركتك مع الشيطان. حقا ، ما أجمل مشاعر الإنتصار في معارك الحق والباطل مع الآخرين وما أجملها وألذها في معارك النفس مع شيطانها. قوانا الله علي الشيطان ونصرنا عليه بفضله.