جريدة الديار
الجمعة 26 أبريل 2024 08:18 صـ 17 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

كيف استطاعت ثورة يناير من تغيير سمات الشخصية المصرية المعاصرة؟!

ثورة يناير
ثورة يناير

يتردد كثيرًا أن مصر هى أم الدنيا، أرض مجيئنا إلى التاريخ، هى مولدنا وجذورنا فهى دولة أمة بذاتها، وهى حقيقة لا يمكن إنكارها مهما كانت الأوضاع الجيوسياسية غير مستقرة، فهى طبيعة عرفتها البلاد على مر السنين والقرون.

البحث فى الجذور سلسلة تحاول "الديار" بحثها بعمق لمحطات مفصلية فى التاريخ المصرى المعاصر ونتساءل فى محطتنا الثامنة عشر عن كيف استطاعت ثورة يناير من تغيير سمات الشخصية المصرية المعاصرة وكيف تحولت نظرة العالم لنا بعدها؟.

بالنظر إلى واقعنا المعاصر وخصوصًا قبل الثورة نجد أننا نسينا أو تناسينا القيم الروحية، والمبادئ المتأصلة فى الشعب المصرى الوفاء والمروءة، والصدق والعفو، والشجاعة، وغيرها من الأخلاق الجميلة، واتجهنا بعقولنا وأعمالنا فى كثير من الأحيان إلى الحياة المادية.

قبل الثورة كنا أمام ظواهر عقلية متخلفة شكلتها عقود وكبرت على ثقافة الجهل والتخلف وأمراض التطرف الفكرى بكل أشكالها، هذه العقول نشأت فى ظل الكبت السياسى والقهر المعنوى والانتخابات المزورة وتحريض فئات المجتمع على بعضها البعض طمعًا فى كراسـى السلطة وحين تفتحت الأبواب خرجت هذه الأمراض وانتشرت فى الشوارع.

وقد أحدثت نكسة 1967 تغييرًا كبيرًا فى الشخصية المصرية حيث ظهرت فيها سمة التعبير عن خداع الذات والتسليم لزعامات كاريزمية بعيدة عن التخطيط السليم، وما لبثت الشخصية المصرية تبحث عن هوية دينية تتستر بها بعد فشل الهوية القومية الاشتراكية ومن هنا بدأت التيارات الدينية نشاطها سواء كانت معتدلة أو متطرفة.

وتنامت القيم الاستهلاكية والرغبة فى الثراء السريع دون جهد بالتزامن مع حقبة الانفتاح الاقتصادى وشيوع قيم الفهلوة وانتهاز الفرص والسفر لدول الخليج الذى أثر فى الشخصية المصرية بما شمله من تغيير فى الأنماط الاستهلاكية والثقافية والدينية.

وكان لقانون الطوارئ وما زال الذى امتد العمل به لأكثر من 25 سنة أدى إلى شيوع حالة من القهر والخوف وانعدام الثقة بين السلطة والشعب وإطلاق يد السلطة الأمنية تعبث بأقدار المجتمع فى كل صغيرة وكبيرة مما أتاح الفرصة لتغلغل الفساد الذى يحتمى بالسلطة ووصول عناصر تفتقر إلى الكفاءة والضمير إلى مراكز عليا تحت سقف الولاء والطاعة، فى نفس الوقت الذى ابتعدت فيه العناصر الموهوبة والمتميزة عن مراكز التوجيه والتأثير وتحول الأغلبية إلى بقية صامتة تسعى للحصول على لقمة العيش وتتقى شر سطوة السلطة المطلقة تحت ظل قانون الطوارئ، فلجأت إلى تعلم مهارات الفهلوة والتحايل والكذب والالتواء والتنازل عن أشياء كثيرة كان يعتز بها المصريون مثل الكرامة والضمير والصدق والشهامة واستبدل هذا بحالة من الخضوع والخداع والنفاق والتحايل ومد اليد تسولًا أو رشوة أو سرقة.

المشاركة السياسية

لعقود طويلة تعود المصريين على أنهم مهمشون وأن السياسة يختص بها قلة من الناس فى قمة السلطة وعلى رؤوس الأحزاب وأن السياسة هى نشاط نخبوى بالضرورة وأن ممارستها دائمًا محفوفة بالمخاطر وأن الانتخابات شكلية ويتم تزويرها وأن إرادة الشعب لا وجود لها ولا تأثير، لذلك حين تغيرت الأحوال ظهرت الضرورة للكثير من التربية السياسية التى تعلى من إرادة الشعب وتجعل صندوق الانتخابات هو الوسيلة المقبولة للتغيير, وتجعل الناس يعرفون كيف يقولون نعم أو لا فى الانتخابات والاستفتاءات المختلفة وأن لا يقعوا تحت تأثير محاولات الاستهواء والاستلاب وأن يتكون لديهم عقل نقدى يزن الأشخاص والبرامج الانتخابية ويعرف معانى الحرية والعدل والمساواة.

السلطة والشعب

قبل الثورة كانت العلاقة قائمة على ما تمن به السلطة على الشعب من إصلاحات، فكانت النتيجة بعد المواطن عن ممارسة أو المشاركة فى العمل السياسى، ولكن تشهد العلاقة بالسلطة بعد الثورة بعض التناقضات المنطقية والوجدانية فالناس يشعرون بالامتنان الشديد للجيش الذى حمى ثورتهم وأمن وجودهم وحافظ على أرواحهم ودمائهم فى وقت كانت تتهددهم مخاطر جمة خاصة.

رؤية العالم للشخصية المصرية قبل الثورة هل فهمنا الآخر؟

يرى الآخر أن المصرى يولد منذ طفولته وهو يحمل عدة صفات من بينها "الاستهانة بالمجتمع" دون الاهتمام بالمصلحة العامة، وهى الصفات التى تجعل الشخص يمكن أن يسرق ويقامر.

أصل المرض هو أن الشخصية المصرية نفسها تتغير وتصبح أقل تسامحًا وأكثر احتقانًا، ويظهر ذلك عند أول خلاف بين الجيران أو فى العمل أو فى الشارع، فكل واحد متربص بالآخر، والأصوات ترتفع عند أول نقاش والعنف اللفظى والبدنى هو الغالب على الخلاف الهادئ الحضارى والسلاح جاهز والجريمة واردة فى كل لحظة.

فالشعب المصرى شعب انطوائى لا يحبذ الحركة والمغامرة بل يفضل البقاء فى مكانه وإن كان هذا المكان لا يلائمه من حيث الرزق أو من حيث الراحة، وقد انعكس هذا المعلم على طموحات المصريين فجمدها أو قضى عليها ويبدو هذا المعلم بوضوح فى مسألة السفر لأجل العمل خارج مصر وليس هناك من غرض آخر يدفع بالمصرى ليسافر خارج موطنه سوى غرض الرزق، حيث نجد المصرى لا يسافر إلا بعقد عمل يضمن له وظيفة هناك خارج مصر فهو لا يفكر مطلقًا فى المغامرة والذهاب إلى بلد غير مشهود له برخاء العيش ويضمن له رزقه كبلاد أفريقيا.

الشعب المصرى شعب سريع الفساد وسريع الصلاح فى آن واحد، فهو شعب يسهل إفساده ويسهل إصلاحه أيضًا ومن الممكن لحكومته أن تحوله إلى أفسد شعوب الأرض فى فترة وجيزة ومن الممكن أن تجعله أصلح شعوب الأرض فى نفس الفترة أيضًا.

ومن معالم الشخصية المصرية التى يراها الآخر الاتكالية، فطوال تاريخه يتكل على نهر النيل ويقبع إلى جواره فإذا أصابه القحط حلت المجاعة وضاعت البلاد وإن زاد ووفرت مياهه عم الرخاء والشبع، وكما اتكل المصريون على نهر النيل اتكلوا أيضًا على حكوماتهم واعتقدوا أن بيدها كل شئ فمن ثم أسلموا لها أنفسهم فى طواعية وانتظروا الخلاص على يديها، ولعل هذا يفسر سر تعلق المصريين بالعمل عند الحكومة.

الصدام

المصريون يرفضون فكرة الصدام مع الحكام، والمعروف تاريخيًا أن معظم قيادات مصر إن لم نقل جميعها هى قيادات وافدة عليها من الخارج والغريب أنها تتفاعل مع هذه القيادات ويتعايش معها المصريون وكأن حكم بلادهم أمر لا يعنيهم، فما يعنيهم فقط هو الرزق وما دام هو فى متسع فليست هناك مشاكل، والسادات حين قرر الاعتراف بإسرائيل ربط خطوته هذه بقضية الرزق وأعلن أمام الشعب أن الصلح مع إسرائيل سوف يحقق الرخاء للبلاد وكان هذا هو الدافع الكبير الذى دفع بالمصريين إلى التحالف معه فى هذا الموقف ومباركته.

الخضوع

خاصة عند الفلاح المصرى، فيرى الغرب أن هذه العادة متأصلة فيه بعمق حتى أنه يفضل أن يموت على أن يتمرد ويثور حيث أن مئات من سنوات القمع والكبت والمعاناة قد جعلته شكاكًا للغاية وهو يمارس الظلم والطغيان فى غير رحمة على أولئك الذين يقلون عنه فى الوضع الاجتماعى، وهو متكبر ومتغطرس على أولئك الذين يساوونه فى المركز الاجتماعى بينما يكون خاضعًا لأولئك الذين يفوقونه فى المركز الاجتماعى بل ويمتهن نفسه إلى حد الإذلال والإهانة.

رؤية العالم لنا بعد الثورة

أثبتت الثورة للآخر أن الشاب المصرى ثائر وغير خاضع، مقاوم، وإن كان قد يبدو أنه متواكل صبور، فلا يمكن استيعاب المصرى فى جماعة استبدادية سواء فى الأكل أو الملبس أو غيره، وأصبح صاحب مبادرة.

على هذا الأساس، فإن الشباب أصروا على تحقيق التغيير وجعلوه واقعًا، وأصبح لا مناص للتغيير والوصول إلى الديمقراطية نتيجة إلى التحرك العالمى السريع بشكل متدفق الذى لم يستوعبها، السياسيون التقليديون ولكنه واضح وملائم أكثر لروح الشباب الذين هم على دراية وعلم بكل ما يحدث حولنا من العالم، فلم يعد هناك ما يمكن التعتيم عليه، كما أن انتشار المدونين والمدونات بين الشباب، جعل منهم كتلة رأى متحركة وأصبحوا قادرين على التعبير عن رأيهم دون خوف أو قلق.

كان يرى الآخر أيضًا قبل ثورة 25 يناير أن المصريين غير منظمين ولا يتقنون مهارات العمل الجماعى، إلا أن الثورة غيرت ذلك المفهوم.

لقد ظل البعض لسنوات يردد أن المصريين ميالون إلى العنف خاصة الطائفى، ويوردون أمثلة لوقائع حدثت تؤكد ما يطلقونه، كما كان يغذى ذلك إسدال ستار من الغموض على الكثير من التفاصيل، إلا أن ثورة 25 يناير جاءت لتنفى ما كان يتردد؛ حيث لم تتعرض كنيسة أو معبد يهودى لاعتداء طوال فترة الغياب الأمنى، منوّها إلى أن المعبد اليهودى فى شارع عدلى وسط القاهرة يقع فى مسار المظاهرات، وهو واضح وعليه نجمة داوود، إلا أنه لم يحدث أى اعتداء عليه رغم الغياب الأمنى، فى الوقت الذى أحرقت فيه مؤسسات رسمية.

ومن وجهات نظر الآخر فى العقلية المصرية والسلوك المصرى بعد الثورة نجد أن السفير الألمانى فى القاهرة وصف الثورة المصرية بالثورة الديمقراطية وقال "نشارك الشعب المصرى ذات الشعور، وننظر للشعب المصرى بإجبار، ونود فى هذا السياق أيضًا تقديم دعمنا، حتى تتوج هذه الثورة الديمقراطية بالنجاح الحقيقى لكل أفراد شعب مصر.

وفى الإطار ذاته كشف استطلاع أمريكى للرأى أن الثورات الشعبية التى انطلقت فى عدد كبير من دول العالم العربى أسهمت بشكل كبير فى تحسين صورة العرب لدى الرأى العام الأمريكى خاصة صورة المصريين.

وأكدت نتائج الاستطلاع التى أجرته منظمة (بروجرام أون إنترناشونال بوليسى) الأمريكية وجود تغير إيجابى ملحوظ فى وجهات نظر الكثير من أفراد الشعب الأمريكى حيث ينظر حوالى 70% منهم بإيجابية للشعب المصرى بوجه خاص و56% للشعوب العربية بوجه عام.

أما وجهة نظر الشعوب الأفريقية لنا بعد الثورة فقد انطلقت التحليلات الصحفية عن مدى إمكانية تحقيق نموذج الثورة المصرية فى البلدان الأفريقية وحتمية عولمته فى الشمال الأفريقى وامتد الأثر حتى جنوب أفريقيا فاعتبرها كتاب اليسار هناك تكرارًا للثورة على نموذج "الابارتهيد" فى جنوب أفريقيا حيث قادت الرأسمالية المصرية الوضع فى مصر إلى مثل أوضاع " الأبارتهيد" فى جنوب أفريقيا واستغرق كتّاب فى نيجيريا وكينيا فى تأمل الأوضاع الاجتماعية التى تختلف فى مصر عنها فى بلادهم ففى مصر نوع من الوحدة الاجتماعية لا تعرف التفتت القبلى والعرقى على نحو ما تشهده بلادهم من تنوع وتناحر بل وراح البعض يأمل أن يتكرر موقف القوات المسلحة فى بلادهم على نحو ما حدث فى مصر.