الثلاثاء 19 مارس 2024 06:17 صـ 9 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

تيم حسن جبل الدراما العربية و مسلسل «الهيبة الحصاد» هل حمّله الكاتب بقضية؟!

 حنان فهد
 حنان فهد

تيم حسن هو الملك المتوَّج على عرش الدراما العربية، في مسلسل «الهيبة» بشكل عام أدى أحد أدواره الجماهيرية، لكنه في «الهيبة الحصاد» قد قدم واحدًا من أهم مسلسلاته على الإطلاق، من حيثُ قيمة المحتوى وقوة الأداء التمثيلي اللذين تحققا مع براعة المخرج سامر البرقاوي، وجرأة الكاتب باسم السلكا الذي جازف بالدخول في مغامرة رسم خط مختلف للهيبة، لا يعتمد فقط على هيبة جبل بل على البعد الإنساني له، ليحقق بذلك مفارقة جميلة وعادلة لا تناقض مسار الجزء الأول الذي هو أصل النص والقصة، والذي انبنى أساسه من رواية قائمة على شخصية محورية لجبل شيخ الجبل الشخصية الجذابة لوريث العادات العشائرية، تعتمد في بنائها الدرامي على صراع الإنسان مع الوجود المحيط به، ومواجهة الآخر.

هذا الخط الدرامي لبطل المسلسل لم يتغير، ولكن الكاتب قد استخدم نفس الخلطة فقط بسكبها في قالب آخر، لتقدم ناضجة كوجبة متكاملة في البناء الدرامي وأبعاده الدلالية، باسم السلكا ليضفي إضافة جديدة مشوقة تستكمل مشوار الهيبة، قد تفنن في تمحيص شخصية جبل وتسليط الضوء على جوانب مثيرة منها. الإنسانية والرومانسية كانتا ملازمتين لشيخ الجبل، فقط بالجزئين السابقين لم يسلط الضوء الكافي عليهما، غير أن هذين الجزئين شكلتا أرضية تمهد لانطلاقهما.

بالعودة إلى قصة الحب التي جمعت بين شخصية جبل وعليا بالرغم من جماليتها نستطيع أن نستخلص أنها لم تكن بالقوة التي تلزم استمرارية هذه العلاقة، هذا ما سمح بخلق قصة جديدة، خلق فيها عامل السرعة والصدفة تحدي كان فيه على الكاتب المراهنة على قوة الأداء وجودة الإقناع لدى البطلين ومدى انسجامهما.

حتى يجهز المشاهد لتلقي صدمة صدفة المصعد التي أرخت الحب من أول نضرة، كان من الأولى أن يكون هناك جانب مبطن يحصن هذه القصة، كأن يكون جبل متقصدا التقرب من نور بهدف ما قد يكون الإنتقام، وبعده تختل الموازين لديه بوقوعه بحبها، حتى يضمن تقبل الجمهور للتحول العاطفي السريع والفجائي بمشاعر جبل، وأنا الآن أتساءل من أين يستمد هذا الكاتب جرأته؟!! و أي دقة يختار و يوضف بها فريق العمل كل عنصر من عناصره في مكانه الأنسب؟

أصاب اختيار صناع العمل البطلة سرين عبد النور لأداء هذا الدور الذي تطلبت طبيعته مميزات خاصة تتناسب مع رقة ودلال الفراشة الجميلة، لخلق اجتياح عاطفي وخرق الجليد الذي يغطي قلب جبل، فكانت مبهرة في أداءها وممتعة، وهذه الفنانة لا تحتاج في أدوارها الدرامية أن تغير من شكلها التمثيلي أو كسر نمطية أدائها، يكفي فقط أن تنصاغ لطبيعتها، لأن سحر حسها المرهف يحقق لها معادلة قوة الأداء والتأثير.

وهذا ما جعلها تتحفنا بدراما قوية ممتعة. فهل الثنائي جبل ونور ثنائي هذا الموسم؟ في حلقة اللقاء والتصريح الصحفي لجبل شيخ الجبل مع الإعلامية نور رحمة، هل كان مجرد تصريح عادي أم أنه كان يعالج ويكشف مواضيع أكبر؟! ما كم الإيحاءات والرموز بالحلقة! ما دلالات هذا الحوار! أي تفسير خطير طرحه جبل لخروج قرية الهيبة من منظومة سيادة الدولة والقانون! ما عمق الإشارة التي تكشف على أن لا أحد يعيش في سلم، حتى المواطن كل يوم يعيش حصارا يتمثل في غلاء الأسعار والفواتير والضرائب، ويواجه حرب الاكتضاض والازدحام! هل أقحمنا الكاتب بعد برز الظواهر السيئة للمجتمع في ضرورة اكتشاف أسبابها؟! الظواهر التي بدأت بالتمرد والتسلح والعنف وانتهت بمعالجة الفقر والاكتضاض والغلاء والجهل.

إن كانت هذه الأسئلة كلها محملة في حلقة واحدة فالمسلسل يحمل في طياته عمقا أبعد بكثير مما نلاحظ. إن لم تكن مجرد صدفة فنية فالكاتب يحمل المسلسل لمعالجة قضية تمس المجتمع بالوقت الراهن. باسم السلكا الذي يعد واحدا من أبرز صناع مسلسل الهيبة بكل أجزائه، الأول كمخرج متعاون والثاني والثالث كمخرج متعاون وككاتب. كان قد تحدى نفسه بالجزء السابق بقبول دخول مغامرة كتابة نص لأحداث مسبوق العلم بها، معلوم أحداثها للمشاهد، وكسب الرهان بإبداعه في خلق تشويق وإثارة بالمشاهد.

بهذا الموسم هل تخطت جرأته حد كسر أبواب الصمت؟! هل هذا تمهيد لجزء رابع يعالج بعد التشخيص قضايا المجتمع الراهن؟! إن كان الكاتب قاصدا لاستخدام أسلوب الرمز فإلى ما ترمز الهيبة؟ وإلى ما يرمز جبل؟ وأيضا صخر وشاهين... وإلى ما ترمز الشامية الفنانة القديرة منى واصف التي قوة أدائها ووقفتها أمام الكامرا فوق الوصف.

ربما مجرد تخمينات، وربما بالحلقة الفريدة للقاء تقصد الكاتب إشارة خفيفة لا تتحمل كل هذا الخوض، ولكن يبقى مسلسل الهيبة، المسلسل المثير للجدل منذ بدايته، المسلسل المتميز بجماهريته، المسلسل الذي يراهن في كل مرة ويكسب الرهان. إن كان هذا الفريق دائما ما يراهن على عناصره، فبهذا الجزء "الهيبة الحصاد" كانت المراهنة الأكبر على النجم تيم حسن بكل المقاييس، في إبراز جوانب هذه الشخصية المركبة الممزوجة ليس بالمتناقضات بل بالمفارقات الممكنة القوة والشدة والعظمة مع الرقة والضعف العاطفي. التمرد والعصيان مع الطاعة والانصياغ للأم... كانت المراهنة على البطل حتى في خلق اختلاف جذاب بين شخصية فادي وجبل، بل وبين شخصية جبل السابقة بالهيبة وشخصية جبل بعد نقله للجغرافية الجديدة بيروت.

فهل احترافية النجم وأدائه التمثيلي الباهر مع الكاريزما التي يتميز بها تعبأ بمرونتها أي قالب يصنع للعمل!

ما يزال مسلسل الهيبة يخطف الأنظار ويفتح مجالات أوسع للحوار، وما يزال تيم حسن هو الحصان الأسود الرابح في الدراما العربية بكل موسم، محافظا على مكانته المميزة فوق عرش الكبار.