جريدة الديار
الخميس 18 أبريل 2024 05:49 مـ 9 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

جيهان عجلان تكتب : وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ

جيهان عجلان
جيهان عجلان

أعزائي القراء إن الله عز وجل ما ترك صغيرة ولا كبيرة في شئون عباده ،إلا وأحصاها في القران الكريم ،وجعل سنة نبيه محمد صل الله عليه وسلم مفسرة لتلك الأحكام ومبينة لكيفيتها ،ومن أطاع الله ورسوله فله الجنة لقوله تعالى "وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ عَلِيمًا (70) النساء

أي من عمل بما أمره الله ورسوله ، وترك ما نهاه الله عنه ورسوله ، فإن الله عز وجل يسكنه دار كرامته ، ويجعله مرافقا للأنبياء ثم لمن بعدهم في الرتبة ، وهم الصديقون ، ثم الشهداء ، ثم عموم المؤمنين وهم الصالحون الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم .
أعزائي القراء إن الميراث شرع الله ذكره مفصلا وموضحا ومقسما تفصيلا في كتابه ،لم يترك لحكم الميراث ثغرة وسمى الله ذلك بحدوده، وذكر أن من يطع الله ورسوله في حدوده يدخله الجنة ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدود الله يدخله نارا خالدا فيها ، وله عذاب مهين ،والشاهد في أحكام الميراث قول الله تعالى في سورة النساء في الآيات الخاصة بالمواريث وهى قول الله تعالى

"لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (7) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (8) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10) يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۚ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم ۚ مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ۚ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (14)

هذه حدود الله فى الميراث واضحة لا شك فيها ولا جدل وسوف أوضح فى السطور التالية معنى الميراث وحكم من يمنع شرع الله المكتوب بكتابه الحق .
عزيزي القارئ ما هو الميراث لغة واصطلاحا؟
المعنى اللغوي: هو ما يتبقى من الأشياء ،والمعنى الاصطلاحي: ما يتركه الإنسان بعد موته من أموال وممتلكات لينتقل حق تملكها إلى من يحق له ذلك شرعًا بناء على مجموعة من قواعد توزيع هذه الأموال في تعاليم الدين كما وردت في نص القرآن
إن من يتعدى حدود الله فى الميراث بأي شكل من الأشكال التي تخالف أمر الله المكتوب فى القران ، فقد أحدث فتنة وأوجب عليه العذاب لمخالفة أمر الله تعالى لقوله عز وجل
"فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) النور

وذلك لأن الميراث أمر وحكم من الله يجب قبوله واتباع نصوصه كما وردت فى القرآن والعمل بها ؛ لأن الإيمان قول وعمل ، كما يعد أكل الميراث أكلا لأموال الناس بالباطل، وقد نهانا الله وحرَّم علينا هذا؛ لقوله تعالى" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ(29) النساء
عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتْ النَّارُ أَوْلَى بِهِ)

كما يعد أيضا أكل مال الميراث ظلمٌ؛ لأنَّ الظلم هو الجور والتعدي ومجاوزة الحدود، والتصرف في حقِّ الغير بغير وجه حقٍّ، وهذا كله ما يفعله من جحد الميراث ولم يعطه لأصحابه أو أنكره، فهو ظلم لا جدل فيه، والظلم محرَّم، وعذاب الظالمين شديد لقوله تعالى " وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ (24) الزمر

كما أن أكل حق الميراث يقطع الأرحام ،فلا شك في أن انتقاص الحقوق وأخذها بدون وجه حق رغم وضوحها وتفصيلها بنص القرآن يسبب كرهًا وضغائن في الصدور وقطيعةً ؛ لأن كل صاحب حق أولى بحقه، وخاصةً إذا كانت الأخت أو البنت أو غيرهم من أصحاب الفروض في حاجة لحقِّه الذى شرعه الله تعالى

يا من تتحايلون على شرع الله لتمنعوا الحقوق عن أصحابها اتقوا الله فتلك حدود الله فلا تقربوها ؛ لأن في ذلك أثم عظيم
عزيزي القارئ فقد أكد العلماء أن منع أصحاب الحق من الميراث يعد «رِدة» إلى فعل الجاهلية، التي جاء الإسلام وقضى عليها، موضحين أن من يفعل هذا الجرم يعرض نفسه للعقاب والعذاب الشديد فى الآخرة، أما فى الدنيا فعلى الحاكم وأولى الأمر والمؤسسات المعنية بهذا الأمر أن يضعوا عقوبات تعزيرية لمنع هذه الجريمة، التي تعد خيانة للأمانة وجحود لأمر الله تعالى إن الله نزل أحسن الحديث فإياكم وحدود الله

"اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) الزمر

وهذا الإعجاز الحسن هو القرآن الذي تلين له القلوب وتخشع الروح ،فالقارئ للقرآن الكريم يجد أنه قد فصل في أحكام الميراث فصلا يعز وجوده في أحكام أخرى من الشريعة السمحة، فالصلاة والصيام والحج لم تفصل أحكامها، بل جاءت مجملة وترك البيان والتفصيل فيها للنبي صل الله عليه وسلم ،إن الإسلام دين الحق والعدالة، ودين لا يقبل الظلم، ووضع أشد العقوبة للظالمين؛ فالظلم ظلمات يوم القيامة، والله عز وجل أعطى لكل صاحب حق حقَّه، وجعل حدودًا لا يتعداها إلا من ظلم نفسه،

" وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ(1)الطلاق