جريدة الديار
الجمعة 19 أبريل 2024 06:42 مـ 10 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

الإستدعاء إلى مكة قمة أم مؤامرة .؟

محمدفياض
محمدفياض

عندما يصرح الرئيس الأمريكي وإبان إرسال ابراهام لينكولين والقاذفات العملاقة b52 إلى منطقة الخليج أنه كان يجب على بلاده أن تصادر النفط العراقي الذي لايتمتع بحماية كافية.فقد أعلن على الذهنية الجمعية لإمارات الخليج وممالكها أنه جاء بدبلوماسية حاملات الطائرات _ التي لاتفهم دونها المدرسة الأمريكية _ من أجل النفط الخليجي والغاز القطري .وأنها واشنطن لاترى طريقة للإستحواز على كامل ثروات الخليج سوى الذهاب للحرب مع إيران والتي تمثل قوة الإعتراض لمثل هذه الأحلام الكولونيالية في المنطقة .

ولأسباب هزيمة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفها على الجغرافية السورية من ناحية .وتعثر تنفيذ مشروعها الصهيوأمريكي لصياغة الشرق الأوسط الكبير لتنصيب إسرائيل الدولة اليهودية سيّدا للمنطقة .من ناحية أخرى .ووضع ترامب مستقبل الولاية الثانية في البيت الأبيض على رهان أنصار نتينياهو في أمريكا وحالة الرضا العام من أداء ترامب خدماته الجليلة للبناء الثاني لإسرائيل في مسيرة الوعد التوراتي المزعوم ( صفقة القرن ) .وبالرهان على تجريف أموال الخليج .الحالّة والمستقبلة .

فلايجد ترامب طريقة الآن بعد الهزيمة الإستيراتيجية لمشروعه في سورية والخسارة الفادحة لتمويلات الخليج التي تجاوزت مائتي مليار دولار نتيجة الصمود الأسطوري للجيش العربي ومحور المقاومة .سوى أن يقرر الذهاب للحرب ضد إيران .

ويرى السيد ترامب أن خطوات البلطجة الأمريكية باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ومراسم نقل السفارة الأمريكية إليها .وقرار إعتبار الجولان أرضا لإسرائيل وماتلى ذلك من قرارات إعتبار حزب الله اللبناني منظمة إرهابية .والحرس الثوري الإيراني إرهابياً أيضاً..

نتابع ونفهم أن ترامب الأمريكي الذي يخسر في الميدان العسكري عبر أدواته الإرهابية .وعبر تدخلات عسكر الولايات المتحدة المباشرة .ويصمم على منح إسرائيل الأراضي للتوسع والتمدد بغية الوصول إلى خلق تغيرات ديموجرافية تسهم في مساندة الحكام العرب المنبطحين على الإعتراف بإسرائيل العظمى وتصفية القضية الفلسطينية نهائياً باعتبار الأمر الواقع الذي يتم تسويقه من المتخاذلين لشعوبهم .
ونفهم بالتوازي أن واشنطن أعجز من أن تتخذ قراراً بالحرب الشاملة في الخليج لدعم تخلي حكام المعمورة عن صداع فلسطين ..من البحر إلى النهر أو عند حدود الرابع من يونية 67 .

نتابع على جانب آخر العزلة الدولية التي حاقت بترامب الولايات المتحدة .فلا أوروبا انصاعت خلفه وانسحبت من الإتفاق النووي .ولا تمكن عبر المنظمة الدولية ومجلس الأمن من إستصدار قرار ضد دمشق لثماني سنوات .ولا تبعته عواصم الناتو لتهديد موسكو التي حسمت الصراع من البداية وهددت بإحالة عواصم أوروبا العجوز إلى كتلة لهب في حال الإقتراب والمساس بقطعة بحرية روسية .والخيبة الأمريكية الكبرى في التعويل الفاشل على تسديد ضربة قاضية ضد موسكو في أوكرانيا .وفطنت أوروبا مصالحها المهددة من قطع الغاز الروسي عنها .

خسائر كبرى منيت بها الإدارة الأمريكية منذ قررت الإنفراد بالعالم وأعلنت القطب الواحد .وعبر حروبها التي خسرتها كلها خارج أراضيها بهدف تركيع العالم لقرارها وقد خسرت في أفغانستان والعراق 7 تريليون دولار .ودفعت العاملين في الحظيرة الأمريكية على الخسارة لمئات المليارات في تجميع وتدريب وإيواء وتسليح ونقل الإرهابيين من كل دول العالم للحرب في منطقتنا ..لماذا .؟

واشنطن الخاسرة في كل الحروب .والمأزومة إقتصاديا في صراعها مع بكين .والواقفة على أظافر قدميها أمام الدب الروسي الذي عاد وبقوة وتمركز في المياه الدافئة ويتسيد وحلفه الحفاظ على حقوق الشعوب ومباديء المنظمة الدولية .

هذه الخسائر المادية والإستيراتيجية التي منيت بها أمريكا فرضت عليها العزلة التي تتصاعد من وقت لآخر وسط سعي حثيث من قوى إقتصادية كبرى للتبادل التجاري فيما بينها خارج العملة الدولارية .لتتكبد واشنطن خسائر على كافة الأصعدة .الأمر الذ يزيد من توتير العقلية التي تترأس إدارة البيت الأبيض وتدفعه للبحث عن ثمة مكسب ولا أقل ثمة إنتصار .

تدرك واشنطن أن الهزيمة الإستيراتيجية التي أصابت مشروعها كانت بسبب تحالفات دولية وإقليمية جمعت موسكو وبكين ودمشق وطهران ..فاشتد عود المقاومة وتأكدت من جهوزيتها لخوض مايمكن أن تفرضه عليها واشنطن وتل أبيب من حروب .

فقررت واشنطن الإلتجاء إلى فرض الإتاوات على الخليج تحت عناوين وقحة أقلها وقاحة كانت أن الخليج غني وأمريكا تحمي العروش وعليهم أن يدفعوا ..
من هنا كانت عشوائية القرار الأمريكي الترامبي للخروج إلى الحرب ضد ضلع قوي في محور المقاومة .لتحقيق عدة أهداف منها استنزاف الخليج وحمل فوائض بيع النفط على السفن الحربية والعودة بها ..ووضع إتفاقيات الحماية للعروش المستعربة العميلة لقاء كل النفط وكل الغاز وترك بعض( البقشيش ) للحكام وشعوبها .وفرض الوصاية على تلك المنطقة من الجغرافيا العربية لجعلها خنجراً مسموماً في قلب أي حركة قومية تولد أو تحاول التعافي في بلدان الحضارات الراسخة مثل مصر وسوريا والعراق واليمن .

وتمكين إسرائيل من شراكات لإدارة قسط كبير من الوصاية الأمريكية بالوكالة على الخليج ومستقبله لِخَصمه من الجغرافيا العربية أو تغيير الوضع الجيوسياسي والجيواستيراتيجي لهذا العمق وإعادة توظيفه .ناهينا عن تحقيق هدف مهم من هذه الحملة الترامبية ضد طهران هو محاولة وأد حركات المقاومة .

لكن الحرب مع طهران بالمؤكد لن تكون نزهة صيد ..واعتقدت الإدارة الأمريكية بالخطأ أن مجرد التلويح بالحرب والخروج لميدانها سوف ترتعد له إيران .ولم يحدث بل اعتبرتها طهران فرصة وبعد تأكيدها أنها لاتريد الحرب .وفطنت واشنطن ربما حجم الكارثة التي أقدم عليها ترامب وحجم الهزيمة التي قد تلحقها طهران ومحور المقاومة وحركاتها على امتداد الجغرافيا ومايمكن أن تستعر به إسرائيل والقواعد الأمريكية ومصالحها في الشرق الأوسط .وربما في مناطق متعددة من العالم .

ليخرج ترامب ويصرح عبر تويتة أنه يجلس بجوار الهاتف ومستعد لتلقي الإتصال من طهران ..لكن طهران كان ردها أن الإتصال الذي ينتظره الرئيس الأمريكي لن يتم ..بل وأمهلت العالم ستون يوماً للعودة إلى إحترام الإتفاق النووي وإن لم يحدث فإن إيران تتحلل من إلتزاماتها الدولية ذات الصلة .ووضعت شروطاً على الأمريكي أن يحترمها ومنها رفع كامل العقوبات الإقتصادية .وهددت بغلق مضيق هرمز أهم ممر مائي إستيراتيجي لتجارة النفط بهدف وضع العالم ومصالحه أمام مسؤولياته ..لتزداد عزلة واشنطن .

ولم يكن أمام العجرفة الأمريكية سوى دفع الرياض لطلب عقد قمة عربية طارئة في مكة .تتزامن مع قمتين ..إسلامية ( سنية ) .وخليجية .لا لبحث حلول للأزمة لتفادي إطلاق النار .المرهون بمحاولة دفع كل طرف للآخر لارتكاب الخطأ الأول فتبدأ الحروب .والتي لن تذر طرف إقليمي على حياده . وتقديري أن هذه القمة _ في حال انعقادها _وفي مكة .لما لمكة من قدسية وخصوصية . قد تكون لشرعنة حرب إقليمية كبرى وواسعة من الممكن تفادي حدوثها ووقف العجلة من خطورة الإنحدار إلى الأتون .

وأرى أنها ليست قمة .بل ترقى لمستوى الإستدعاء لأداء بيان ومباركة محرقة كبرى ..لأن إيران اليوم ليست بالخصم الضعيف . ويرقى توجسي إلى إمكان تصور جرأة وفُجر المستدعي لإرسال جنود العواصم إلى الخليج .والموت قربانا لتيجان الملوك .

حتى وإن إستندت الدعوة أو الإستدعاء إلى نص م 3 من الملحق الخاص بالإنعقاد الدوري لمجلس الجامعة على مستوى القمة ..لكن تفحُّص أحرف عبارات النص يسلمنا إلى معاني الإستدعاء وليس الدعوة ( ...وللمجلس عند الضرورة أو بروز مستجدات تتصل بسلامة الأمن القومي العربي عقد دورات غير عادية ......). لا أرى جديدا في وصول ابراهام لينكولن إلى الخليج .يهدد الأمن القومي إذا إمتنعت دول الخليج عن تمويل هذه الحرب .

وبينما حددت الرياض نهاية مايو الجاري ..لعقد القمة الطارئة . فإن التصريحات الأخيرة من الأوساط الإماراتية والتي قالت : إن إقتراح جواد ظريف بتوقيع معاهدة بعدم الإعتداء مع دول الخليج يأتي في الوقت الغير مناسب ..!! وأن التصعيد الإيراني بات يهدد المصالح الأمريكية . جاءت تصريحات الإمارات صادمة لسببين : الأول .ليس من العقل رفض معاهدة بعدم الإعتداء في هذه الظروف وتقطع الطريق على مخاصمة العلاقات الإيرانية الخليجية .وتفتح الباب تباعاً لحل المشكلات العالقة بالحوار الدبلوماسي . والسبب الثاني .

والكارثي أن الإمارات تصرح وعن الخليج بأن سبب الرفض لمبادرة إيران .أن طهران باتت تهدد المصالح الأمريكية ..الأمريكية وليست العربية أو الخليجية . والسؤال الذي يفرض نفسه هنا ويحمل في طياته إجابة مفجعة . تُرى هل هذه قمة أم مؤامرة ..وهل ماوجهته الرياض دعوة أم إستدعاء ..؟