جريدة الديار
الخميس 25 أبريل 2024 04:09 مـ 16 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

أحمد صابر يكتب : القرني في الميزان

أحمدصابر
أحمدصابر

قامت الدنيا منذ أيام علي اعتذار قدمه الشيخ عائض القرني يقر فيه بالأخطاء التي ارتكبها في مسيرته الدعوية من نبرات التشدد وترك الوسطية التي دعا إليها الإسلام ، وساعد في انتشار هذا الحدث اعتباره من قادة الصحوة الإسلامية وممثلًا لهذه الحركة ، وكان حديثه كالزلزال الذي حطم الأصنام في عقول الشباب وهدم المعابد علي رؤوس الكهان المنتمين لتلك الحركة ، نعم ، إنه ذلك البركان الذي تأخرت ثورته أعواماً وفاض أخيرًا ليقذف الحجارة علي رؤوس الغافلين ويظهر الحقائق أمام الباحثين عن الحق والمريدين الخير ، وكان الناس قد انقسموا بين مؤيد يري الشجاعة في حديثه معتبرًا أنه كان في ضلال يستحق التوبة أو دنس يستوجب التطهر وبين معارض يري بأن الصحوة الإسلامية لم ترتكب اخطاءًا تتطلب الإعتذار وأن ما فعله القرني ضلال غاشم واتباع للحاكم ! دون دفاع أعمي أو مزايدة سخيفة علي الشخص نفسه والمتمثل في عائض القرني دعونا نفهم الأساس ونحلل الموقف لنعرف الحقيقة دون مراوغة أو مشاحنة ، فمهاجمة الشخص أو الدفاع المطلق عنه لن يجلب سوي المزيد من التعصب ، وإنما الصواب أن نناقش الفكرة نفسها ونعرف خباياها لنحكم بموضوعية علي ما حدث !

ربما يتساءل البعض ما الذي أخطأ فيه عائض وغيره من رواد الإسلام الصحوي أو ما يسمي بالإسلام السياسي ؟ هل حقًا دعا للعنف ؟ هل تسبب في انتشار التعصب ؟ هل قسم الناس وفرقهم ؟ هل كان سببًا في التخلف ! الحقيقة أن هذا كله حدث بشكل غير مباشر ، فأنت إذا أردت أن تصنع حربًا بين فريقين يكفيك أن تعطي كلًا منهما سلاحًا ليقوموا بعد ذلك بفعل ما تريد حتي وإن لم تأمرهم بالقول الصريح ، ومع فارق التشبيه فإن عائض القرني ربما لم يقل للشباب فجروا أو انضموا لداعش بشكل مباشر ، لكنه أعطاهم الأفكار التي تدفع كل متهور لفعل هذه التجاوزات نتيجة عدم الفهم وضيق الأفق ، كما أن له دعوات واضحة تشجع علي حمل السلاح ، وهو الأمر الذي سهل نشوب الحرب وعجل حدوث الإنقسام في سوريا والعراق ، وهذا بالضبط ما يقوم عليه الإسلام الصحوي من التشدد والفهم المغلوط واقتطاع النصوص مما يؤدي بدوره إلي حدوث هذه التعديات الخطيرة ! ولكي نفهم اللعبة لابد وأن نعرف أولًا أن هناك نوعان من الحركات الإسلامية ظهرت في بدايات القرن الماضي ، وهما الإسلام الإصلاحي ( التجديدي ) ، والإسلام الصحوي ( السياسي ) ، أما الأول فرائده الشيخ محمد عبده رحمه الله وهي حركة تقوم على أصول الدين وأسس العلم وتدعوا لاستعمال العقل ونشر الوعي وترحب بالحوار وقبول الآخرين ، بمعني أنها تؤمن بالتغيير التدريجي المتقن الذي يعزز وحدة الناس ويقذف في قلوبهم حب الدين والإمتثال لتعاليمه ، هذه الحركة تستند علي أن الدين ينتشر بالحكمة والموعظة الحسنة التي تؤدي لاحتلال القلوب وتنوير العقول ، وأنه لا مجال لاستعمال الغضب وعلو النعرات ..

أما النوع الثاني الذي نتحدث عنه فهو الإسلام الصحوي بقيادة سيد قطب الذي بني أسس الصحوة الإسلامية علي بقايا التعصب الليبرالي الذي كان عليه ، وهو يستند علي العجلة في التغيير مما يبرر انتشار الغضب ، كما يشجع الثورة على أحوال الناس ويتفنن التضييق عليهم والتقليل منهم ، وهو يدعو أحيانًا إلي التخلف والإنعزال الحضاري ويبرر الفشل بحجة أن الغلبة للدين في نهاية المطاف ، وهذا واضح في بعض كتبه ، كما ترتكز هذه الحركة علي مبدأ العزل الإجتماعي الذي يشجع المنتمين لها علي عدم قبول الآخرين والتسفيه من المعارضين ، وقد تم التلاعب بقادة الصحوة كثيرًا من قِبل أمريكا ، حينما جعلتهم يحشدون الشباب في أفغانستان لمحاربة الإتحاد السوفيتي في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل ، وإنما كانت لصالح أمريكا في المقام الأول ، ولا ننسى أن قادة الصحوة حينها قاموا بدفع الشباب إلي المشاركة في هذه الحرب ولا يمكن لأحد إنكار هذا ، ولذلك نجد أن كثيرًا ممن ينتمون لهذه الجماعات الصحوية متعصبون في الرأي لا يحبون النقاش ولا يقبلون النقد بل ويرون أن الإختلاف معهم محاربة للدين .

مما يؤدي في النهاية إلي التفرقة بين أبناء الوطن وتفاقم الإنقسام بين الناس ، وهذا بالضبط ما اعتذر عنه عائض القرني في حديثه ، لذلك فهو مخطئ يستحق الاعتذار للأمة كلها وللأوطان جميعها علي ما حدث من تضليلٍ للشباب دفعت البلادُ ثمنه غاليًا ، وقد آن للشباب أن يتعلم الدرس ويعرف أن الحكمة أصل الدين وأن العقل مفتاح الفهم ، وألا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وألا مفر من الوسطية التي دعا إليها الإسلام منذ بدايته ..