جريدة الديار
الخميس 28 مارس 2024 08:43 مـ 18 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

حسناء الحسن تكتب أبو علي بلوك بلوك بلوك

أبو علي بلوك بلوك بلوك
أبو علي بلوك بلوك بلوك

كان أبو علي -شأنه شأن كل الرجال المصريين- قماصا بالفطرة. على العكس من أم علي التي لا يعرف لها النكد سبيلا. لذلك وعملا بمبدأ زوجك على ما تعوديه طبقت أم علي عقوبة رادعة للقمص ألا وهي البلوك. فكان كلما اتقمص أبو علي وغاب يوم عن حديث المساء والصباح، رزعته أم علي بلوكا محترما، فإذا عاد يعلم أن القمص غير مجدٍ ويستبدله بالمرح أو التدليل. كثيرا ما كان يلجأ أبو علي للقمص إذا انتوى عمل شيء يغضب أم علي، فيسبق بالقمص متوقعا أن تصالحه أم علي التي لم تخطئ في حقه من الأساس. كانت حيلته ناجحة بالفعل لفترة حتى اكتشفتها أم علي فصارت تستخدم طريقة أنا رئيس جمهورية الشات، تخرج منه بإرادتك وتدخل إليه بإرادتي فإبعد عن القمص وغنيله. وذلك لعلمها لمدى حب أبي علي لحرفها وكلمها وخفة ظلها للتخفيف من الهموم الملقاة على عاتقه. وفي المقابل كانت أم علي حريصة على تألقها شكلا وموضوعا ومرحها الدائم حتى في المواقف غير المتوقعة مثل ما حدث معها حين ذهبت حقيبتها إلي فنلندا في الوقت الذي كانت تنتظرها في كوبنهاجن بالدنمارك، مما اضطرها إلى زيارة البرلمان السويدي بملابس السفر الغير رسمية وهي تي شيرت منقوش عليه ميكي ماوس وبنطال جينز، وأحب فيها تقبلها للأمر ببساطة والتقاطها للصور لنفسها كالمتسولين في المطار معلقة لأقعدن على الطريق وأشتكي. كان عند أبي علي قناعة أنه مسؤول عن صقلها مهنيا كابنته ومسؤول أيضا عن تدليلها بالتسوق في أوروبا والدول العربية كحبيبته. وكانت المؤسسة أنذاك في حاجة لمد جسور تواصل جديدة في عدد من الدول العربية التي كان للمؤسسة فيما سبق علاقات وطيدة بها لكن نجحت بعض المؤسسات الصغيرة المنافسة أن تقصيها وتحاول أن تسيطر على السوق هناك، وكانت زيارة أم علي والوفد كله من قبيل عودة الود تمهيدا لصفقات لاحقة. من هذه الدول تونس الخضراء والتي ربما تكون أكثر الدول التي أحبتها أم علي للمزيج الساحر بين الأجواء العربية في الأسواق والطعام والتعامل بود وترحاب، وبين الخلفية الفرنسية في الملابس واللكنة والشوارع مثل شارع الحبيب بورقيبة كثير الشبه بالشانزليزيه. وأعجبت كثيرا بتقدير واحترام النساء هناك وتفهمهم لمبدأ المساواة بينهن وبين الرجال على أساس المواطنة الذي يرجع لعلمانية الدولة، وكذلك تميزهم في صناعة الجلود الطبيعية من حقائب وملابس والنقش عليها بالنقوش الذهبية التونسية المميزة التي كانت أم علي تعشقها. أقامت أم علي في مدينة قرطاج التي أسستها الأميرة الفينيقية الجميلة أليسار عام 814 قبل الميلاد والتي يرى أبو علي شبها كبيرا بينها وبين أم علي شكلا وموضوعا، وذكرها فرجيل في ملحمته الإليازة باسم ديدو أي الرحالة ووصفها بالدهاء والجمال لاستطاعتها الهرب من بطش أخيها وتأسيس مملكتها قرطاج وحدها رغم صغر سنها. كانت قرطاج تبعد حوالي 18 كم عن العاصمة تونس ولها سحر تاريخي وجمالي بسبب احتوائها على مناظر طبيعية ومناطق أثرية خلابة، تحاكي حقبة تاريخية فينيقية مميزة وتترجم منارة أسطورية احتضنت الكثير من الحضارات والثقافات المتنوعة، وتضم القصر الرئاسي وسواحل قرطاج الكثيرة الذين زارتهم أم علي وسعدت كثيرا بهم. ما أريد التحدث عنه اليوم عن علاقة الرجل بالمرأة هو المرح والتدليل، ينسى الكثيرون أن العلاقة الزوجية هي المودة والرحمة وهي المعين للإنسان على الهموم والضغوط والمشكلات. فإذا أحال الطرفان العلاقة إلى عمل ومهام وتحديات فقط نفروا من العلاقة وسعوا للخروج منها أو البحث عن بديل للحصول على الرفق واللين والفكاهة والسكينة. من الملاحظ مؤخرا فشل أغلب العلاقات لاستخسار الزوج أو الزوجة تقديم البهجة والسعادة ولسان حالهم يقول ألا يكفي ما أقدمه من عمل وجهد ومال؟ الحقيقة أن الإجابة هي نعم لا يكفي، فطعم الحياة ليس فقط في النجاح العملي أو تربية الأبناء أو رصيد البنك بل أيضا في اقتناص تصرف عفوي أو طبخة محببة أو رحلة غير متوقعة أو موقف طريف أو هدية حلوة يتذكرها الطرفان كلما قست الحياة. ولا يشعر كل طرف باستغلال الأخر له كترس في ماكينة نجاحه المهني. في حالة أم علي كان البلوك من المضحكات المبكيات بالنسبة لأبي علي فكان يضحك كثيرا من عفويتها وجرأتها، ويعاتبها بشدة لأنه يغضب كثيرا من هذا البلوك السخيف القادر على حرمانه من حديث الصباح والمساء المحبب إلى نفسه. وكلما تذكرا البلوك ضحكا كثيرا واستعادا ذكريات أبو علي كرجل مصري قماص بطبعه فيزيد الود والألفة بينهما.