جريدة الديار
السبت 27 أبريل 2024 02:12 صـ 17 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

أحمد صابر يكتب.. ” أيها الفقراء .. موتوا بقدر الله ”

أيها الفقراء : هذه أقداركم كتبت عليكم ، فمشيئة الله بأن تعيشوا علي قوت يومكم سبقت مشيئتنا في منعكم أو منحكم ،

فإذا وجدتم قوت يومكم هذا ولم تجوعوا فاشكرونا علي حسن توفيره لكم ، وإلا فاحمدوا الله ولا تنظروا أرزاقَ غيركم ،

أيها الفقراء ولترجعوا بيوتكم راضين بنفوس مطمئنة لتناموا علي الحصير في هدوء وسكينة ، فالبساطة سر السعادة ،

وذلك سبيل الجنة ،

ولن تنفعكم المراتب والأسِرَّة بشئ ، فغدًا تفترشون التراب ،

ولا مانع أبدًا من برد الشتاء فبه تقوي عظامكم أو حر الصيف فمنه تتعرق أجسامكم لتطرد السموم وتحرق الدهون ،

أيها الفقراء : ما معني أن تقع بيوتكم عليكم !

هذه مشكلتكم أن بنيتموها منذ قرن بأسمنت فاسد لا يتحمل أن يبقي أكثر من ذلك ، رمموها بالقش واثقلوها بالخشب واصلبوها بالدعاء فالله قادر علي حمايتها كما رفع السماء بلا عمد ،

واحمدوا الله فغيركم يسكن الجبال ويقطن الخيام ،

وعليكم بعد ذلك أن تعيدوا البناء بمواصفات أبدية لا تتأثر بعوامل المناخ والتعرية ، انظروا كيف بني أجدادنا الأهرامات وتعلموا منهم حسن الصناعة والتصرف ،

أيها الفقراء : ما هذا الدلع الماسخ ! أتشتكون تغير لون المياه ! رحم الله الرجال ، كانوا يشربون من الترع دون أن يصيبهم شئ ، أتخشون الفيروس والله أحق أن تخشوه !

وكيف تبكي أطفالكم لقلة الطعام ! أيها الحمقى علموهم ،

" بحسب بن آدم لقيمات يقمن صلبه "

أتتمردون علي ما قاله الله وما وصفه رسوله الكريم !!

أيها الفقراء كيف السخط وهذه النعم تحيطكم من كل جانب وتقصدكم من كل صوب وحدب ،

انظروا إلي الهواء كيف تتنفسونه دون أي صعوبة وإلي التموين كيف يصلكم كاملًا دون مشقة أو تعب ،

وتأملوا كيف تخلوا السماء من الصواريخ التي تهدم بيوت إخوانكم في بلاد كثيرة ، احمدوا الله علي ما أنتم عليه ،

" وأقيموا الصلاة "

تلك الكلمات ما زالت تتردد علينا في الخطب والدروس والندوات إلي يومنا هذا في القرن الواحد والعشرين ،

ما زلنا نتهم الأقدار ونلصق بها الأهوال لنسكت الناس ونسد أفواه الفقراء ،

إذا اختلس الغني فهذا قدرنا أن ابتلانا الله به ، وعلي الناس أن يستعوضوا حقوقهم عند الله ،

وإذا جاع الفقير فهذا قدره القاسي ورزقه الضيق ولا نملك سوي الدعاء له ،

وإذا انتحر الشاب فذلك لضعف إيمانه وقدره الذي ما كنا نملك أن نغيره ،

وإذا مات المريض بإهمال فهو الأجل ولا اعتراض عليه !

هذا التدليس بالأقدار ليس بجديدٍ علينا ، فقد سبقتنا إليه أصنامٌ من أمراء بني أمية وملوك بني العباس ثم انتهجه علماء وشيوخ علي مر العصور ، حتي جعلوه تركة تتوارثها الأجيال ويتغني بها الأراذل ،

فها هو أبو جعفر المنصور من خلافاء العباسيين يقول :

" أيها الناس إنما أنا سلطان الله في أرضه أسوسكم بتأييده ، وإنما أنا خازنه في ماله ، أعطي من أشاء وأمنع من أشاء ،

قد جعلني قفلًا عليه إن شاء أن يفتحني فتحني وإن شاء أن يغلقني أغلقني "

الخليفة يتعلل بالمقادير ليمنع الناس حقوقهم ويسلب الفقراء كرامتهم ويقتل هذا ويسجن ذاك !!

ونجد الأمر نفسه عند عبد الملك بن مروان خليفة بني أمية ، وذلك عندما قتل أحدَ الناس ثم أرسل لأصحابه في الخارج أن أمير المؤمنين قتل صاحبكم بقضاء الله وقدره فلا تجزعوا واصبروا ولا اعتراض علي أمر أراده الله وكتبه !!

إن هذا التدليس افتراء علي الخالق سبحانه ، فما يحدث لنا إنما هو عدل الله ، ساقه إلينا برحمته لما نخلفه من فساد في الأرض وظلم للنفس ،

فلو أدي كلُ مقتدر ما عليه من الزكاة لما وجد بيننا فقيرٌ ولا مات محروم ،

ولو كنا نحاسب الفاسدين ونجابه الظالمين ونوجه لهم هذه الخطب الرنانة لصرنا علي افضل مما نحن عليه ،

أيها السادة لابد أن نفكر سويًا بعيدًا عن الأقدار وفي منأيً من قضية توزيع الأرزاق ، ولنحكم بأنفسنا !

هل يحتاج الفقراء إلي خطب تعلمهم الصبر ولا يحتاج الأغنياء إلي خطب تعلمهم البذل والعطاء والتضحية !!

هل يحتاج المرضي إلي دعواتٍ للشفاء وبشرياتٍ بالجنة أكثر مما يحتاجون لبناء مستشفيات جديدة ؟

هل ينتظر المشردون في أوطاننا إلي الكلمات الموزونة التي تدعوهم إلي الرضا بقضاء الله ولا ينتظرون تلك التي يفترض أن توجه للمسؤولين لبناء البيوت وتوفير المأوى !

دعونا نأخذ الأمور علي حقيقتها ، لقد سئمنا ذلك التدليس الذي يبرر الظلم ويضع الأمور في غير نصابها ،

إننا مصدر هذه الأهوال في بلادنا ، ولن تتغير الأوضاع حتي نؤمن بيقين صادق أننا جميعًا متسببون فيما نحن عليه ،

ولا دخل للأقدار فيما يحدث لنا ،

وعلينا أن نجعل للفقراء نصيبًا من برامج التنمية في بلادنا ،

فكما نصنع أقدارنا بأيدينا ونبني مصرنا الحبيبة ونواجه التحديات ونصلح العشوائيات ،

لابد أن نوفر للفقراء برنامج إصلاح واقعيٍ يضمن لهم أسس الحياة الكريمة ..