جريدة الديار
الثلاثاء 16 أبريل 2024 03:08 مـ 7 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

مدحت عبد الجواد يكتب: المشروع الثقافي العربي..

ما وجدت طيلة عمري كاتبا أو أديبا في أي جيل من الأجيال قديما كان أو معاصرا إلا وله هموم وشكوى تؤرقه، بعضهم كان ناقما على عصره كله، وبعضهم كانت همومه حول بعض قضايا وهموم خاصة، بل وصل الأمر أن عاش بعضهم عمره كله يدافع عن قضية بعينها، غير أن القليل النادر من حاول أن يخطط ملامح مشروع ثقافي شامل، ولست أنكر عدم مرور أمثال هؤلاء في تاريخ ثقافتنا، بل حقا إنهم قلة وقف كل منهم كنخلة وحيدة في مهب الريح.

والحق يقال : أن حدود الفكر الثقافي في أذهان الكثير كانت معتمة شديدة الغموض والإبهام غير محددة الملامح، والبعض وقف صائحا مستصرخا يشعر بالظلم ويلقي باللوم على المجتمع، وربما اتهم الجميع بالجهل، وتوارى الكثير من مثقفي العصر، وممن سبقوهم خلف مقاعد الوظائف والألقاب العلمية مكتفين بدور الموظف الذي يطل علينا من آن لآخر بورقة بحثية أو بحث لايسمن ولايغني من جوع، وتكدست الأبحاث والرسائل التي ضجت بها أدراج المخازن والمكتبات الجامعية، لكنها لاتصنع فارقا في حياة الشعوب، ولا تغير واقعا مؤلما يؤكد أننا ننحدر بسرعة شديدة من قمة جبل شاهق... ولست ألوم نظاما تعليميا شاملا، لكني ألوم استسلام المثقفين والمفكرين لظروف آسف أن أقول: أننا شاركنا في صنعها... وإذا كنا نعاني من قضايا ومشكلات تؤرق وعينا الثقافي، وأمراض اجتماعية تنبع من تشوه ثقافتنا، فليس أقل من أن نصنع فارقا في حياتنا... وأول ما أدعو له أن يتحرر الفكر الحر من سلطة العصر وقيوده العديدة الظاهر منها والباطن، ولن يستوي هذا الأمر إلا بالتحرر من الأطماع والرغبات الزائفة البراقة.. وقتئذ سيتحرك الجميع نحو مشاريع فكرية ثقافية مشتركة تصنع فارقا، وتخدم الوعى المجتمعي، وستدفعه دفعا تجاه التفكير المبدع الخلاق، إننا في حاجة لتحديد القضايا الكبرى التي تمثل عبئا على عقلية المجتمع.

إننا نعيش فترة انتقالية تحتاج لجهود فكرية ومشاريع ثقافية تواجه ما يتعرض له الفكر العربي من هجمات هنا وهناك، وكلها تنخر في جذور ثقافتنا وفكرنا، وإن ترك الحبل على غاربه فلن نجني سوى الفشل، ولن نترك لأجيالنا التالية سوى ميراث من بذور الشوك.. لم يسبق في جيل من الأجيال أو عصر من عصور التاريخ الثقافي أن تعرض عالمنا العربي لما يتعرض له هذا الجيل، ولن تجدي نفعا الجهود الفردية أمام الزعزعة من الداخل والهجمات من الخارج.

إن موروثتنا ذات قدرة على مواجهة التحديات الكبرى المتمثلة في الأفكار الغريبة والمنشقة والتي تحدث تصدعات تمتد؛ لتنشر التخريب بصور شتى، بعضها تخريب أخلاقي أواجتماعي بل وتضلل مسيرة الإصلاح، وتعرقل مساعي التنمية الصادقة في فترة يحتاج عالمنا العربي المعاصر إلى الاتحاد والاصطفاف؛ لإعادة النظرة للواقع وتقييمه ثم مواجهة التحديات والمعوقات في سبيل التقدم والرقي... ؛ لذا يجب على مثقفي الأمة تحديد المشكلات الثقافية، والمجتمعية وطرحها للمناقشة المشتركة؛ لتحديد ملامح الخطوات الضرورية للإصلاح، ويجب العمل على إنشاء مجتمع مثقفي العصر؛ ليضم بين طياته كل مفكري العصر؛ ليلتفوا جميعا حول القضايا الكبرى، وحتى يصبح بديلا عن تلك المنظمات التي تحكمها ضوابط المنفعة الشخصية، والتي باتت تعلى ما تشاء، وتقصي من تشاء، وتجتمع لغير المفيد؛ لتوصي بغير النافع.