جريدة الديار
الخميس 18 أبريل 2024 04:35 صـ 9 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

قصة قصيرة… نوبة بكاء حاد

تعبيرية
تعبيرية

كان لعهدها الطويل ؛ كل من آتاها قد شبع ووجد الظل متي رغب ووجد الهواء متي احتاج إلي التنفس ؛ كانت شريط أخضر طويل ؛ بطول الدنيا كلها ؛ يلتف حول الأرض من القطب إلي القطب ؛ ويشقها أيضا بالعرض ؛ فكان " صليب الخضرة" صليب الحياة ؛ كأنه مفتاحها ؛ وقد أصبح مفتاح الحياة الأخضر ؛ هاديا لمن أراد الوصول إليها ؛ وهاديا لمن أراد الحياة علي أرضها ومفتاح سر فهما كينونتها ووجودها .

كانت فريدة في وقتها ؛ عامرة دائما ؛ ظزدحمة كثيرا ؛ دون أن يقتل هذا الإزدحام أي من أهلها ؛ كانت بعيدة جدا وقريبة جدا ؛ فقد كان الوصول إليها هو المستقر ؛ لمن طال به السفر ولمن ضل ؛ كان نهرها هو مفجر الخضرة من بطنها ؛ تلد الخضرة ؛ كما تخرجا المواليد من أحشاء أمهاتها ؛ فأصبحت موجودة بالخضرة ومحجوبة بالصحراء . كانت منحة " سماوية" لكل الأحياء علي الأرض من البشر وغير البشر ؛ فقد سكن أرضها مخلوقات كثيرة وأرواح كثيرة ؛ حتي أنها عرفت بأنها " قابلة الأحياء " وأيضا عرفت بأنها قاتلة من لم يطع هواها .

كانت الطبيعة قد اختصتها بميزاتها ؛ حين حبت الأرض التي احتضنت النهر العملاق بفيض من الخير والبركة مما زاد عن حاجة السكان علي طول عهدها الماضي ؛ فاجتذب المكان مزيد من السكان من كل البقاع الجائعة والمحرومة من الجمال ؛ ومن خير متدفق بلا بداية أو نهاية ؛ يشح أحيانا ولكنه لا ينقطع أبدا ؛ وحين يشح الخير لشيوع الطمع ؛ كانت تتدخل الطبيعة لتهذب من سلوك الطامعين ؛ حتي تعود سكينة الحياة في أرض النهر المحجبة بالصحراء .

وكان الخير يكثر ويشح ؛ حسب شخص الحاكم الذي يتمكن من السلطة في تلك الأرض ؛ التي اختلط فيها الحيوان بالحيوان واختلط البشر بالحيوان ؛ دون صراع ودون أن يفقد بالإختلاط أي من الكائنات الآمان ؛ حتي صار الحيوان إنسان أقل رتبة قليلا من الإنسان ويكاد يكتمل كإنسان .

وقد صار من يتولي الحكم ؛ لا يحكم إلا بما أفرزته الطبيعة من طبيعة إختلطت بكيان السكان ؛ وحين يحكم الحاكم بهوي خاص مخالف ؛ تتبدل الأحوال .

وقد صارت الأحوال محتملة من الجميع ؛ المالك للكثير والمالك للقليل واللامالك لشيء إلا وجوده وسط الناس في هذا المكان الآمن الجميل ؛ وقد صار الحال غالبا هكذا ؛ حتي حدث التحول الماسخ لطبيعتها ؛ بتبدل روح حاكم الأرض ؛ حين استولي علي الحكم والأرض والجيش والناس " سيسو الأول " فقد كان نبت من غير نبتها ؛ وولد من غير أهلها .

و في عهد " سيسو الأول " وبعد ان تبدلت الأحوال ؛ فقد خُير المواطنون ، ما بين الصبر علي الجوع والإهانة أو الموت غرقا في النهر الذي تبدل وبدأ في الجفاف في عهده .

وقد فاجأ الشعب ؛ حاكمه " سيسو الأول " ومجموعات الحكم في زمنه من "الهكسوس البدو" والهمج والذين أشركهم معه في الإستحواذ علي السلطة وقد إتخذ منهم : الضباط والجند والقادة والكهنة والمرابون وتجار النساء والعبيد والغلمان ونساء المتعة .

فاجأ الشعب " الحاكم المشكوك في أصله ووطنيته ؛ حيث كانت الوطنية تستدل ؛ بمقدار ما يقدم المواطن من خير لغيره من المواطنيين ؛ حتي لو كانوا في غير حاجة لهذا العطاء ؛ كان الخير والحب يقدمان لإثبات صدق المواطنة ؛ فاجأ الشعب حاكمه ؛ بأن ذهبت جموع من الشعب ، وألقوا بأنفسهم وأولادهم في بقايا النهر ليموتوا غرقا ، وقد سُد مجري النهر " الضامر " لتعاظم أعداد الجثث بالمجري المائي ، وبعد ذلك فقد عافت التماسيح وثعابيين الماء ؛ النهر من يومها وقد هجرت الماء تماما إلي اليابسة .

صار "شعب الأرض" ينفق ؛ كما تنفق البهائم النافقة : من الجوع أو من التسمم ؛ وحدث هذا دون أن يحرك في الحاكم أي عاطفة ؛ ودون ان يدرك أن محوميه سوف يتناقصون إلي أن يصبح هو لن يجد من يحكمه !! . كان " سيسو الأول " حين استولي علي الحكم في أول عهده ؛ قد خادع الناس وتظاهر لهم بالطيبة والمودة وبسط الحماية وقد قال لهم : أنه ما استولي علي الحكم ؛ إلا من أجلهم ؛ وقد عُرف عنه ؛ تظاهره بالبكاء المخادع ؛ كان وهو الحاكم الباطش الذي ملأ القبور والسجون ، يمشي بين الناس ؛ مجهشا بالبكاء ؛ وتبخرت كل وعوده للناس ولم يبقي لهم ظاهرا من وعوده إلا معجزة بكائه الدائمة ؛ يبكي إذا ذهب للخلاء لقضاء الحاجة ويبكي إذا أكل وجباته المشبعة ويبكي إذا تحدث ويبكي إذا بكي ؛ وكل ذلك دون داع حقيقي للبكاء ولذلك فقد أطلق عليه العامة والخاصة : " سيسو البكاء " وقد اشاع مشايعوه ؛ عندما أصبح منتقدا في " معجزة بكائه الدائم " أنه يبكي " طاعة وخشية وورع " . وفي يوم بلا مقدمات أتم معاونوه مؤامرة ضده للتخلص ؛ وقد نجحوا ؛ في التخلص منه ؛ رغم حرصه المبالغ فيه بنفسه في حماية نفسه ؛ وبعد أن نجح الفاتكون به في التخلص منه ؛ أوحوا بحكاية كاذبة عن تفاصيل مقتله الذي بقي لديهم سرا ؛ وطلع مشايعوه علي الناس بحكاية تزيد ؛ في مقدسه : بأنه مات بالأمس غرقا في " نوبة بكاء حادة " .