جريدة الديار
الأربعاء 8 مايو 2024 06:42 صـ 29 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

راغده شفيق تكتب : هل يجتمعُ العربُ على أصمعي بينهم يخرجهم من دهاليزِ السّياسة والجنسِ والفقرِ ويعيد للأدبِ ألقهُ؟

راغدة شفيق
راغدة شفيق

المثقفُ العربيّ بينَ دهاليز السياسة والجنس والفقر. مصطلحاتٌ ثلاثٌ تقض مضاجع المثقف العربيّ كان لي تجربة بجمع مئة كتاب لكتّاب عرب ثمّ نزعت أغلفةَ الكتبِ كي لا أتأثر باسم الكتاب وعنوان الكتاب وبعد أيام وأسابيع وأشهر وجدت أنّ الكتّاب العرب ضاعوا في دهاليز هذه المصطلحات (وإذا عُرِف السّبب بطل العجب) . السياسة تحوّل معظمُ المثقفين العربِ إلى محللين سياسيين ينتقلون من محطةٍ لأخرى ومن مركز ثقافيّ إلى آخر.

وبنظرةٍ خاطفة ستجد آلاف المحطات وملايين الصفحات السياسية التي تتحدثُ عن سياسة الانقسام تحتَ شعارٍ واحد ( أنا مع وأنت ضد فأنت عدوي). العداوة عندَ العرب تعشعشُ في أدمغتهم المترفةِ بشهوة الثأرِ وصهيلِ الخيولِ وشحذِ السّيوف وعلى أصواتِ صليلها كُتبت آلاف القصائد الصّماء في التمجيد والتأييد والوعيد والرّثاء والفخر .

وعلى وقع أحرفِ الهمسِ والجهر ووسوسة السّياسة لم يستطعْ العربُ استخدامَ لغة الشك والتحليل المنطقي لواقعهم المتردي حيث فقدوا ذهبهم الأسود والأبيض والأصفر ليشعلوا نارَ ثورتهم ضدّ حكوماتهم ولتبدأ تجارة الأسلحة مع الغرب بدلاً من تجارة الحرير والعطور والأرجوان .أمامَ لغة السّكاكين والرّصاص ضاعت كلماتُ المثقف العربيّ الوطنيّ النبيل الذي حاولَ لعقود الارتقاء بالواقع فسقط في مستنقع السّياسة ودهاليزها وما نفعُ قطرةٍ نقيةٍ من الماء تسقطُ في مستنقعٍ عفن بأفكاره المتطرفة التي تُفرَض من الخارج ومانفع القصيد والكلمة العصماء في زمن البحث عن الأمان والخبز والماء.

تقرأ الكثير من الدواوين التي تتحدث عن الواقع العربي الحالي المشتعل بحروب طاحنة ويصعد الشاعر المنبر وكأنّه مبتكر لغرضٍ جديد يجب أن تصفق له وأن تغدق عليه بالثناء والتكريم وتنساق لوجهة نظره وإن كانت خاطئة.

ونحن نعلم أن الشعرِ السياسة الذي عرفته العرب منذ صدر الإسلام وما وصل من قصائد تصف حروب بني عبد المطلب وبني أمية التي امتدت لسنوات طوال وقد اكتملت أركانه في عصر بني أمية وظهر العديد من شعراء الخوارج والعلويين والزيديين وغلب شعراء بني أمية الكل عدداً بسبب الطمع بالسلطة والمال.

العربُ تدخل في ناعورة الزمن وأنينه فكلما حاولت النهوض من كبوتها صفعها مستعمر دخيل وأعادها إلى غيبوبة تطول وتقصر بظهور مفكرين يرفضون الفناء فلا تكثروا الكلام الضحل الذي لا قيمة له في السياسة لأن السياسة كالحرباء كن صاحب مبدأ للخروج من قوقعة التخلف والانقسام وعندها سيصفق لك الجميع .

الجنس هو محاولة استحضار فحولةِ الشعراء حيث ضاعت أفكارهم وأمانيهم وسبل العيش الرغيد ، فجذفوا بقواربهم الورقية عبر مداد أقلامهم إلى جسد الأنثى فغدونا نقرأ القصيدة العارية، وتظهر لك الأنثى الغاوية المدللة تتراقصُ على وقعِ حروفِ اللّغة، وتتقافزُ بين المدود الطويلة والقصيرة.

لقد ضاعتِ التفعيلةُ، وأصبح الشاعر الفذ يبدأ من العيون الحالمة إلى الشفاه الملتهبة إلى الأثداء العارية ليضيع في تضاريس جسد الأنثى، ولا يخجلُ البعضُ من تصويرِ لحظاتهِ الحميمية مع أنثاه في مشهد وكأنّه بحرارة البراكين واضطرابِ الزلازل التي ضربت هذه الأرض فتحولت حدائق بابل إلى أنقاضٍ، وسقطتْ منارةُ الإسكندرية، وتاهتْ سفن المرافئ الفينيقية فضاع الأرجوان والحرير والعطور والحبّ وظلت كلماتهم ترنُ في فضاءاتِ الفراغِ اللامبالي تصمّ الآذانَ عن مدافعِ الحروب فتكاثرنا وتكاثرنا وتوالدنا وملأنا الأفق أطفالا تطحنهم رحى الحروب وتذيب شحوم أجسادهم الغضة لتذوي الضحكات، وتموت الطفولة في مجتمع تفترسه وحوش الجماعات المتطرفة والحروب المدمرة.. ويبقى المثقف العربي مطبقاً بمخالبِ كلماتهِ على صدرِ أنثاه يغتصبها كما اغتصبَ القصيدةَ على المنابرِ التي كانت تسمى يوماً منابرَ الكلمة الحرة .

بنظرة لكلمات تلك الشاعرة التي لم تتردد في صفعِ اللّغة صفعات موجعة فتتجردُ من عفة الكلمة ونظم الكلمة وتتعرى القصيدة من خلال (فتح زر القميص وسحاب التنورة ) بشعر يفقد النظم والهدف.

وأخطر (المثقفين العرب) من اختصَ بمحيضِ الأنثى، ونكاحِ الأنثى، وضرب الأنثى بل ويجوز أن تأكلَ قدمَ الأنثى إذا أصابكَ الجوع أيّها الرجلُ الشرقيّ فالنساءُ كثرٌ ولكم ما ملكت أيمانكم.

وماذا يفعل المثقف الأصيل؟ ماذا تفيد الصرخات؟ المنبر يُهدى للمتشدقين والغوغائيين الذين حوّلوا القلمَ بمحبرتهِ إلى عضو لإغتصابِ القصيدة الحرة وكموا الأفواهَ الصادقةَ، بل قطعوا الرؤوس المفكرة . وقضيتنا المطروحة أنّ بعض الشّعراء في دواوينهم الشّعرية يتفاخرون بوصفِ المرأة.

هل تعلمون أنّ المرأة عبرَ التاريخ لم تتغير جسدياً. فهو امرؤ القيس في الصحارى والغدران يقابل الأنثى ويلهو معها بلغة فصيحة مسبوكة تترنم القصيدة بقوة سبكها أما الجنس بمشهده الأدبي موجود منذ ملحمة جلجامش وإيزيس وأوزوريس.

وكتاب ألف ليلة وليلة والذي طالبَ البعض بمنعِ طباعته ونشره لما يحملُ من مشاهد جنسية متوفر في الأسواق والمكتبات وعلى الأرصفة . يجب أن تمتلك المرأة العربيّة الجرأة والفكر. الجمال شغل البشريّة على مرّ التاريخ.

الكثيرون قرأ عن تلك الأميرة العربية الفائقة الجمال التي حددت يوماً ليجتمع الشّعراء فيصفونها من رأسها حتّى أخمصِ قدميها لتختار زوجا لها من بينهم. وكانت القصيدة اليتيمة للشاعر (دوقلة المنبجي) تصور جسدها العاري. وقرأ البعض رواية (الخبز الحافي) للكاتب محمد شكري وهي تصف الكثير من مشاهد الشذوذ وتعرفون (أبو نواس) وغزله بالغلمان ونزار قباني وقصيدته عن المثليين جنسيا.

أيّها الشعراء آن الأوان لنخرج من جحور الجنس إلى الواقع فالحبّ مقدس وبه نتوالد لا تهدموا مجتمعاتكم بأفكارٍ لا تثمر ولو استمرت لمئات الأعوام. أحيانا قصيدة أو قصة أو رواية قد تدمر إنسانا وقد تغير أفكاره فيحلق ويرتقي .

الفقر يقولون (شر البلية ما يضحك) والبلية تجمع بلايا أيّ المصيبة تضحكنا حدّ الثمالة لتظهر أسناننا المسوسة الملونة بالأصفر المريض والأسود الحالك كأيامنا. لنبحث عن عالم مفكر باحث أو كاتب وطني محبّ لوطنه وهو غني ماديا يستطيع أن يمتلك المال ليمتلك ناصية الكلمة.

أي الحكومات تحكم العرب والعالِم يتسولُ على أبوابِ الجاهلِ، والأحذية على الرّفوفِ المخملية، والكتبُ على الأرصفة تتقاذفها أقدام الرؤس الخاوية.

لماذا تظن حكوماتنا أن الكلمة ثرثرة؟ فترفعُ الحقير وتحطّ من شأن المثقف العالم الفقير . نقفُ عاجزين أمامَ واقع الشباب المؤلم في إقبال على كتب التنجيم والطعام والتزيين وفي إدبار عن كتب الأدب والفكر والفلسفة فما الفائدة المرجوة من القراءة في بلدٍ لا يحترم مثقفيه.

أما محطاتُ الإعلام تتناقلُ الأخبارَ بمزيجٍ من اللغات ومزيج من الإعلاميات ومزيجٍ من الطبخات والعظات والصلوات وما زال الفانوس السحري وعلي بابا والأربعين حرامي يتوالدون وتزداد الكنوز المنهوبة من فكر ٍوتراثٍ، ونسأل كتّاب التنوير في عالمنا العربي أين أنتم؟ هل اختنق الصوت؟ هل كبرت الأحلام وضاعت الأمنيات؟ لعلنا نصل إلى بر الأمان.

شعبٌ يعيشُ على أخصبِ الأراضي وقد حباه اللّه خيراتٍ وكنوزاً تُسرقُ من بينَ أصابعهِ المفتوحة للتضرع والتسول للأجنبي الذي سوقَ نفسه أنّه السيد ونحن العبيد فصدقنا مقولته. هل تعرفون اسم كاتب عربيّ امتلك المال من عمله في الكتابة الهادفة؟ أنا لم أقرأ عنه ولم ألتقي به يوماً. الكتابة تأكل بعضَ أموالي ووقتي وأحاولُ أن أصرخَ بهذه الأفكار التي تغزو رأسي.

ابتعدي عني فلا فائدة من كلمة لا تقرأ ولا ترتبط بسلم التقدم والازدهار للمجتمعات التي نحيا بها. هل يعود زمن الأصمعي ونجد مثقفاً عربيّاً يحتكم له الأدباء ويعيد الأدبَ إلى ألقه؟