جريدة الديار
السبت 20 أبريل 2024 06:48 صـ 11 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

محمد الصباغ يكتب قصة قصيرة بعنوان : لا وقت للإختلاف ؛ أطلق الرصاص

لا وقت للإختلاف ؛ أطلق الرصاص
لا وقت للإختلاف ؛ أطلق الرصاص

عرفته صغيرا وكان مماثلا لنا في كل شيء ، في فترة الطفولة المبكرة التي تختفي فيها الفروقات الحادة بين الأطفال؛ إلا ما يكشف نبوغهم وتفردهم أو تخلفهم وسكن الإجرام في خلايا تكوينهم وبصمتهم الجينية ؛ وبعد أعوام من إفتراق جماعة صحبتنا المبكرة التي كان هو أحد أعمدتها الأساسية والدائم الحضور والفاعلية في كل ما نفعل أو نلهو او نمجن ؛ وبعد الإفتراق ؛ عرفت عنه أنه قد أصبح ضابطا وأنه قد أصبح ذا شهرة ؛ في تخصصه الأمني ، ولكني طوال فترة صعوده في عمله لم أحاول أن التقيه وأن أذكره بصحبتنا القديمة ؛ في مدينتنا القديمة ؛ ولا بنشئتنا التي كان يبدو منها أننا صديقان مقربان لبعضهما متماثلان في الإهتمامات والهوايات وأن بيتنا كان ملاذاً له عندما تتكدر عليه أوقاته في حياته غير المستقرة بعد إنفصال أبويه بالطلاق السريع المفاجئ .

وقد التقيته ذات يوم صدفة بعد حوادث عنف الشوارع التي وصلت إلي حد الحرب الأهلية وكنت أحسب أنه نسيني ونسي حياته في صحبتنا وأوقاته في بيتنا ؛ واحتضان أبي وأمي له ؛ كأنه أخ شقيق لنا .

كان يقود قوات الأمن التي فضت في عجلة وفي قسوة وفي قتل مفرط أعدادا من المحتجين ضد النظام .

فلما شاهدني وعرفني : استوقفني وقال لي : "إني أعرفك " . فقلت له : وأنا أيضا . قال : "لقد عرفتك من صورتك علي كتاباتك" .

وقلت له : وأنا أتتبع أصداء شهرتك في الرماية وشهرتك الأمنية وعلاقتك بالممثلة الشهيرة وقرب سيدات الفن والمجتمع منك ، وأتتبع خصوصا ما يقال سراً وعلانية عن قسوتك المفرطة ؛ وكيف صرت الأعنف ؟! وقد كنت أنت الأكثر طيبة ورقة من بين كل جماعتنا ؟! قال : "لقد تعلمت درسي الأهم في الحياة علي يديه ؛ بل كان معلمي الحقيقي برغم أني لم أره شخصيا ولا مرة ، ولكني كنت قد سمعت عنه وقرأت كل ما قال به ، ووجدتني مستوعبا لأقصي مدي مقولاته ونهج فهمه للحياة ، وقد وجدت مقولاته تطوع لنفسي ما أفعله في حياتي ؛ حتي صرت ما أنا عليه .

كانت مقولاته لمن يريد النبوغ الأمني عقيدة ؛ كان يقول : " لا وقت للإختلاف ؛ أطلق الرصاص أولا ثم بعد ذلك اعتذر عن حدوث القتل الخطأ ، وأحيانا لا وقت للإعتذار عن القتل الخطأ ؛ إنها الحياة لا وقت لأي شيء غير أن تصفي عدوك أو خصمك ؛ الموت أطلق رصاصته ضدك منذ يوم ولدت ؛ وهي في الطريق إلي قلبك الآن دون خطأ ؛ دون أدني خطأ ، ولكنها السرعة التي تسير بها رصاصة الموت إليك .

لا مجال أن تحايد أحداً أو تعتذر لأحد : الكل إما طائعا أو يصبح عدوا واجب القنص .

لقد كان الاختيار الوحيد المتاح أمامنا في البدء هو اختيار " الملهاة " التي سوف نمثلها علي مسرح الحياة ، عندما يحين آوان الدور وعليك أن تكون جادا جدا وحذراً جداً أمام أتفه التوافه " . " المتشابهون يتجمعون ؛ فهذا أفضل لاستمرارهم علي قيد الحياة " . قلت لأبن الطفولة المشتركة : "وأين معلمك هذا الآن ؟! " .. وكنت بقراءاتي أعرف الشخص الذي يقصده والفاجعة التي انتهت بها حياته والنهاية المؤلة التي صار إليها في نهاية أيامه بعد هروب زوجته الأمريكية منه واصطحابها معها أبنهما الوحيد وإرهاقها له بما تطلب دائما من أموال يرسلها إليها .

فقال بجمود وعجرفة المتعالي ؛ علي الشخص المشاكس في الحوار ؛ وهو يعلم أنه صاحب سلطة باطشة لا يتورع عن استعمالها مع أي شخص : " لقد انتحر " فقلت لصديق طفولتنا الذي غدا وحشا أمنيا شهيراً ، وأنا أبغي لا صداقته مجددا أبدا وكنت أحاول أن أصبح له " لا عدو " : هل تبيع جهودك لهذا النظام عن قناعة ؟! قال في حسم : "إني أمني محترف ؛ إنتمائي إلي مهنتي وولائي لاستمراري في عملي " .

لم يودعني ولم يطلب لقائنا مرة أخري ولم يسأل عن أي شخص زاملنا طفولتنا ولم يتحدث عن أي واقعة أو ذكري ؛ فقط تركني واقفا وابتعد عن مكاني ؛ فمضيت إلي حالي . تعجبت له ولتحوله ولتخلقه الجديد الدائم ، ولم يمض وقت طويل علي لقائنا الصدفة ؛ حتي قرأت أنه قد أطلق النار علي نفسه ، بعدما قتل زوجته رميا بالرصاص أمام أولاده .

وقد حزنت لفترة طويلة كلما كنت أقرأ سطرا من مأساة حياته التي والت الصحف نشرها لفترة غير قصيرة .