جريدة الديار
السبت 27 أبريل 2024 06:07 صـ 18 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

نيفين عبيد تكتب : أرادت أن تعش قصة فكانت هي القصة

نيفين عبيد
نيفين عبيد

عندما كانت تقرأ القصص ، و تجد فيها من جمال الكلمات ، وبديع المعانى وتستمتع بقراءة صفحاتها ، وهي تشعر بشعلة من السعادة تشتعل داخلها ، و تزيد رغبتها في القراءة أكثر و أكثر ، كانت تقرأ بشغف وتتابع بتلهف ، وتنتظر أبطالها من خلال السطور المزدحمة بالكلمات والحروف ، لتعش معهم أحلى اللحظات ، متقمصة دور البطولة ، بل كانت بطلة كل الروايات .

كانت تبكي لبكاء بطلات رواياتها ، و تتألم معهن ، و تحزن لحزنهن ، حتى كادت تبحث معهن عن سر السعادة ، نعم فهي البطلة العاشقة ، البطلة المعذبة ، التي يهجرها الحبيب ، و ينسى كل لحظات السعادة التي منحته إياها ، كانت هي تلك البطلة التي يخونها الحبيب مع صديقتها ، و يتناسى كل العشق ، هي تلك البائسة التي يسرق منها الحبيب العاشق فرحتها فيواعد أختها بل ويتزواجا ، كانت الابنة التي تكافح في معترك الحياة رغم قسوتها من أجل اسعاد أسرتها و الانفاق على أمها و أخواتها ، كانت الابنة المدللة التي تعيش الحب و المغامرات و تسافر وتخسر الكثير من أجل الحصول على السعادة فى محاوله للبحث عنها .

فكانت تعيش المغامرة وتخاصم و تكذب و تحصل على كل المتعة ، كانت تلك العاهرة التي تهرب من بيت أسرتها مع حبيبها فيغدر بها ويتركها في عالم مليء بالأشواك و القسوة على رصيف الحياة فتكون حائرة ما بين العودة و تقبل كل العتاب و قد يكون الموت جزاء ما فعلت ، أو الحرمان من رؤية الشمس مرة أخرى ، أو ان تجد نفس مصير الأم و تكون جارية لزوج جديد ، خادمة في بيته ، فتقبل حياة الرصيف و خوض مغامرة كونها عاهرة فتبدأ في بيع جسدها لكل الوجوه البائسة ، لكل الذئاب الشرسة ، لكل الأنفس الضعيفة التى امتلأت بها كل الشوارع والحارات لتجد نفسها في نهاية المطاف في سجن للآداب عرضة للاغتصاب كل الأوقات بدون ثمن لجسدها البالي الرخيص حتى تخرج لتلك القذارة مرة اخرى و تستمر فيها حتى تجد نفسها في مشفى للحالات النفسية ، أو أصابها العته في عارضة الطريق ، أو متسولة ماهرة لحياتها ، أو يأخذها الموت بقتل أحدهم لها ، أو اقبالها على التخلص من حياتها .

كما عاشت دور تلك الفتاة التي تقبل بالحياة كما هي دون حرام او بذل بعض الجهد لتغييرها ، تحصل على مؤهلها العلمي ، ثم تخرج للعمل وقد تتعرض للتحرش فتخشى معرفة الأصدقاء و الأهل فتخفي عنهم ذلك العار وتعيش فيه وحدها ، أو قد يكون لديها بعض الجرأة فتنفر و تثور وتتصدى لكل نظرات العتاب من الجميع و تفضح مديرها و تستمر دون خشية أحدهما ، و قد تعيش قصة حب مع زميل في العمل و يقبل على طلب يدها للزواج و تكون النهاية في بيت الزوجية و تكوين اسرة و تنتهي إلى ذلك حياتها ، و قد تتزوج من خلال الخاطبة تحصل على زوج ليس هناك بينهما اي نوع من انواع الحب .

قد يكون هناك حب بعد الزواج لتستمر الحياة كما هي لا جديد فيها ، و قد تنفر من ذلك الزوج و ينفر منها فليس هناك تفاهم بينهما ، فيذهب هو لخيانتها و تعيش هي دور تلك الزوجة التي تبحث وراء زوجها تعيش دور المقهورة التي تشعر بخيبة الأمل و الضعف ، و قد تبادله الخيانة و تعش هي قصة حب أخرى مع شخص استطاع أن يعرضها ذلك الحب الذي تجاهلته مسبقا ، و قد تعش مع زوج دائم السفر بعيد عنها ، لا تربطهما تفاهم فتعش قصة حب و تكون هي الخائنة ، كانت هي تلك الفتاة التي عشقت ذلك الزوج الأب الذي لا يستطع ترك بيته و هدم أسرته فقبلت ان تعش دور العاشقة في الخفاء حتى لا تكون سببا في انهيار اسرة معشوقها و نسيت نفسها وتناست دورها لتبقى وحيدة دائما .

في انتظار بضع من لحظات السعادة المارقة التي يمنى عليها بها ذلك العاشق ، كما كانت هي المغامرة المتمردة على عادات و تقاليد زائفة فرضها عليها مجتمع عليل ، أوشك على الموت و الضياع ، تمردت على كل تلك العادات و غامرت و كانت حرة نفسها ، و عاشت الكثير و الكثير من قصص الحب كطائر حر طليق ، لا يصدمه اي عائق فلا يعرف الحدود فيحتد ولا هو يدرك مخاطره فيرتد ، عاشت كل تلك القصص و تحدت فيها مع البطلة عقبات و عوائق فرضها المجتمع ، و لم تعلم أنها ستكون في النهاية قصة من ضمن تلك القصص يحكى عنها و يرويها الراوي ، فقد تخرجت من جامعتها و تاهت في الحياة ، و عملت في اكثر من مجال و تخبطت بكل الجدران ، و عاشت الحب و كرهت ، و عاتبت ، كما سافرت و غامرت ، حتى الجأتها الحياة بعقمها وعمقها ، و مجتمع بعلته إلى الزواج ، الذي فرض عليها كأي فرض من فروض المجتمع الشرقي العتيق العاجز عن التغيير و التطوير و التجديد ، فكانت الحياة لها قد توقفت و انصدمت بكل ما قرأته لتجده واقع فرض عليها ، و تكون هنا هي البطلة التي تتخبط في البداية ، و تقبل الحياة بكل ما فيها وما عليها ، لا و تستسلم لها و تكون عبدة لها ، ليتجزأ الملل داخلها و يفرض نفسه عليها ، ثم تنصدم بالمبادئ و القيم الهشة فتتساقط الأقنعة المزيفة للجميع ، فتثور من الداخل ، و ترفض ثم تخرج للمجتمع كثور هائج أصابه الجنون فجن ، تتمرد على كل العادات و التقاليد ، ترفض و تكسر و تدمر كل ما يعيق حياتها الجديدة ، لتصل إلى قصة غريبة لم تفهم هي مكنوناتها ، وكأنها فى مهب ريح لا تدرى كيف تسير .