جريدة الديار
الجمعة 19 أبريل 2024 05:16 مـ 10 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

مدحت عبد الجواد يكتب: الأصوليات الحمراء

لست هنا لأناقش الأصوليات الدينية، أو لأدخل في صراعات عقائدية أو سياسية فلست من الحمق أن أقفز في أتون ومرجل يغلي وترتفع ألسنة اللهب منه إلى عنان السماء، إنما أردت أن أحدثكم عن أصوليات فكرية واجتماعية من نوع جديد، تلك التي عششت في أفكار أصحابها، وأفسدت مسارات التفكير، ودفعت أصحابها دفعا إلى الانحرافات الاجتماعية التي مازلنا نتكبد خسائرها من أرواحنا وأقواتنا وأوقاتنا، تلك الأفكار التي التحف أصحابها بغطاء من الوطنية أو القومية، أو غيرها من الأغطية يسترون به نزغات أنفسهم وتطلعات أطماعهم، وتأبي رائحة الفساد العفنة إلا أن تفوح من تحت أرديتهم؛ لتكشف نتن ما تستروا، إن من ينظر بعين الحصيف يدرك ما آلت إليه نزغات هؤلاء من فساد بدعوى الإصلاح، ولست أذكر شخصا بعينه، أو مؤسسة بعينها غير أني أضع نصب عيني عالمي العربي، ولا أجد غضاضة في ذلك مادام هدفي مخاطبة عروبتي، وأول ما أشيح بوجهي عنه ويؤلم نفسي، تلك النظم التعليمية التي تتشدق بدعوى التطوير دون وضع أهداف مستقبلية لهذا التطوير ودون نية صادقة لهذا التطوير، جل همهم تنفيذ اتفاقيات دولية مع صناديق الفساد الدولية، ومتى كانت صناديق الاستخراب تعمر الأوطان؟!

قديما قال المثل العربي :

كيف أعاودك وهذا أثر فأسك!

أليست آثار صناديق الاستخراب تلوح لنا جلية نراها رأي العين في كل بلدان العالم؟!

ولا أكتمك إحساس النفس وحديثها، أن التوجه يتعمد نشر التعليم الخاص بكل صوره على حساب التعليم العام، لتتنصل الحكومات من مسؤلياتها تجاه أبنائها، ومن جهة أخرى تحقيق المنافع الخاصة التي تخدم طبقة بعينها من المجتمع دون غيرها (يوجينيا جديدة)...

ولك أن تتخيل ما يتبع ذلك من خطوات الإفساد التعليمية...

وإنني لأشد دهشة من رائحة العنصرية القبلية والنزعة الجاهلية حين نتنقل بين الأقطار العربية في رحلات العمل، وما يتبعها من نظم الكفالة أو غيرها..

وتندهش من تغييب الفكر الثقافي والأدبي والعلمي، أراهم يرتعون خلف حفلات الوهم الثقافي، فهذا في أمسية لاهية يتوهم أنها ندوة ثقافية، وآخر يقيم حفلا لديوان أو رواية، والحصيلة الصادقة سراب في سراب...

اسأل العلماء والأدباء وغيرهم.. هل استطاع علمك وأدبك أن يوفر لك نصف أجر لاعب الكرة أو الممثل أو الراقصة أو المغني؟! .... ستجد الجواب مرا بطعم العلقم .

هكذا كان حال الأدب في ظل دولة المماليك، فقد كان الأدباء تنتهي أسماؤهم بألقاب مثل : الجزار والحداد...

يعرف ذلك من له صلة بالأدب والفكر... هل ضعفوا عن الأدب والفكر؟!. . لا والله والعلماء يعرفون ولكنهم شغلوا بحاجة العيش.

وحتى لا اتشعب بكم عن هدفي الرئيس، فثمة سلوكات سكنت عقولنا تجاه بعضنا البعض، حق علينا أن نجتسها من منبتها، فمن منا وقف مع نفسه يحاورها، هل معتقداتنا الجديدة التي تتحكم فينا وفي أفعالنا اليومية كلها صحيحة أم تحتاج إلى مراجعة؟!

سيبقى خالدا ذكر أصحاب العلم والفكر البناء، وستبقى خالدة كتب كتبها أصحابها بإخلاص وصبر، وستطوى سجلات الزيف البراقة الخادعة.

ولست هنا لأحدثكم عن مشكلات، بل لأحدثكم عن أصوليات جديدة داخل العقل العربي انحرفت عن مساراتها الصحيحة، وتشعبت إلى آلاف الصور من الانتفاعية، والانتهازية التي صدرت إلى العقل العربي الرائق تغليب المصالح الخاصة على العامة، بل وألبست الحق بالباطل؛ لتغييب العقل المفكر.

وتصدم عقولنا هذه الأيام صيحات تنادي بالتطور الديني، يتشدق بذلك من ليس أهلا لذلك، بل قد لا يفقه من أمره ما يصلح به ذاته، وكأن أصحابها بلغوا مرتبة الاجتهاد الديني، فنالوا حق المجتهد المطلق، فعليهم أن يرجعوا إلى شروط الاجتهاد والمجتهد؛ ليعلموا من الذين يحق لهم الاجتهاد؟ وما صفاتهم؟

وكأن الدين هو الذي بات يخنقهم ويقيد حركتهم، فأرادوا أن يتحرروا من قيوده!

هكذا يتلبس الحق بالباطل؛ لتغييب الفكر والتعدي على حدود الله، فهل حققنا الثوابت والأصول في نساء كاسيات عاريات تصفع أعيننا على شاشات قنواتنا؟! والعجب العجاب قد يجتمع بهن شيوخ؛ ليناقشوا مسألة دينية... قس على ذلك ما شئت من أمور حياتنا المتناقضة...

ولست انتهي حتى أذكرك بأن جل تصرفات الفساد تتستر وتتخفى تحت شعارات كاذبة...

( ۚ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29))

فهل آن الأوان أن يعرف كل منا دوره الفكري؟!

وهل خلق الإنسان ككائن متعايش بهيمي الغرائز، يأكل، ويتكاثر، أم أنه كائن مفكر له دوره ورسالته؟!

فلا غفلت عقول تفكر، ولا ماتت ضمائر تحيا بحب الله.