جريدة الديار
الجمعة 26 أبريل 2024 01:55 مـ 17 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

أحمد صابر يكتب: «الحسين مظلومًا »

يقول الباز في مقدمة مقاله " الحسين ظالمًا " أنه كلما اتسعت الرؤية انقلبت قناعتك ، وأنه من المهم أن تكون شجاعًا لتعلن ما توصلت إليه من حقائق جديدة ،

كلام رومانسي رائع وصحيح ، غير أنني لا أجد هذه الرؤية التي اتسعت عند الكاتب ولا هذه القناعة الفريدة التي تستحق الشجاعة ، أن تصبح ناصبيًا فأنت ضمن الكثير ممن يحاربون أهل البيت علي مر العصور والأزمان ، ولن تضيف جديدًا إلي هذا الجيش الناصبي إلا أنك تُحَمله جثة إضافية يتحرك بها وتجلب عليه الهزائم المتكررة ، ففي البداية لا أحسدك علي هذه الشجاعة ولا أحسد النواصب علي انضمامك إليهم ،

حظًا موفقًا في ضجتك القادمة أيها الكاتب ..

إن المؤامرة الأموية على آل البيت لا زالت قائمةً تحشد أجنادها في كل مكان ، وها هي تحاول دون جدوى أن تنال من أهل بيت النبي الأطهار ،

ما لاحظته أن الكاتب يسوق الأدلة ويشكل الأحداث كما يريدها أن تكون ، وليس كما كانت في واقع الأمر ، ليصل في النهاية إلي اسنتاجاته المزعومة ،

فتجده يقتطع شواهدًا لأنها تتعارض مع أقواله ، بينما يزين الأخري التي تدعم فكرته ،

أولًا ، ليس هناك من الأدلة ما يستند الكاتب عليها في مهاجمته للإمام الحسين وتبرئة يزيد بن معاوية ، لقد أغفل آراء العلماء والمواقف التاريخية لهذه الفترة والتي لا تدع مجالًا للشك بأن يزيد بن معاوية كان مغتصبًا للحكم كأبيه ، وظالمًا لدرجة أننا لم نعرف أي مفكر أو عالم في عصره رأي استحقاقه لخلافة المسلمين ، ناهيك عن أخلاقه التي ورد في وصفها مهازل ، وكلها بإسناد صحيح موثق ، فكان يشرب الخمر ، ويميل إلي الشهوات ، ويحرف مواقيت الصلاة ويبتدع في أمور الدين وصريحها ،

وله من الأفعال الشنعاء ما يضع سيدنا الحسين في مكانة منزهة لا تهبط لمستوى المقارنة مع يزيد ، ولو استفضنا في سرد نواقص الأمويين ومساوئهم ، وبخاصة يزيد وأبيه معاوية ، سيتحول المقال إلي كتاب وربما لن يكفينا أيضًا ، لكن هذا ليس موضوعنا الأساسي ، ولذلك سأكتفي هذه المرة بذكر أشهر التعديات التي ارتكبها يزيد واتفق عليها الجميع ..

من هو يزيد بن معاوية ؟

يزيد الذي حاصر مكة وقتل الصحابة في موقعة الحرة ،

يزيد الذي استباح المدينة رغم حرمتها وقتل أهلها واستحل بيوتهم ،

يزيد الذي رمي الكعبة بالمنجنيق حتي احترقت أستارها ،

هل لمثل يزيد يُتَهم الحسينُ سيد شباب أهل الجنة وصاحب الخلق الرفيع أيها الكاتب واسع الأفق !!

دعونا نتحدث بالأدلة ونسوق الحقائق ولا نمتهن لغة التخمين التي استعملها الكاتب دون استناد علي شئ ،

في كتاب البداية والنهاية لابن كثير ، قال الإمام أن جميع الأمويين كانوا نواصب يتنكرون لأهل البيت إلا عمرَ ، ويقصد سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ،

ويقول الطبري والذهبي والمزِّي في كتبهم أن يزيد أمر بقتل الحسين ثم جاءوا إليه برأسه فرفعه علي رمح وجعله عرضًا أمام الجميع ، وكان يمارس من التمثيل بجثته ما هو أكثر من ذلك ،

ويقول الإمام أحمد بن حنبل عندما سأله ابنه صالح : هل تحب يزيد ؟

" كيف يحب يزيد من يحب الله ويؤمن باليوم الآخر ؟"

فرد عليه ابنه : فلم لا تلعنه يا أبتِ ؟ فاستطرد الإمام قائلًا : ومتي رأيت أباك يلعن أحدًا يا بني !!

وهناك من الأدلة والأقاويل الكثير مما يثبت أن يزيد لم يكن أهلًا للحكم ولا رجلًا يؤتمن علي دين الناس وأمور دنياهم ،

ولست ممن يتجرأون بتكفير أحد أو لعنه أو الجزم بمصيره، فتلك الأمور كلها من صلاحيات مالك الملك ولا دخل لنا بها ، لكن هذه هي الحقائق والشواهد التاريخية دون تزييف أو تمييع ، فاحكموا بأنفسكم ..

بعد هذا كله ، كيف يكون الحسين ظالمًا وهو أراد الدفاع عن الدين أولًا ثم عن حياة الناس؟

كل هذا وقد كان الحسين أحرص الناس علي عدم القتال ،

وقد خير الجيش الذي أُرسل إليه بثلاثة خيارات لتفادي الصدام ،

الأول أن يتركوه ليرجع من حيث جاء ورفضوا ، والثاني أن يذهب معهم إلي يزيد ويتحدث إليه ورفضوا ، والثالث أن يرسلوه إلى ثكنة عسكرية من جيوش المسلمين ليحارب كجندي فيها فيبتعد عن هذا كله ورفضوا ، لقد أبوا إلا أن يقتلوه بأمر يزيد ليأتوه برأسه ، كما أنه خُدع من الكثير من الناس الذين أرسلوا إليه ليستنجدوا به من حكم يزيد ثم تركوه وحده وأنكروا أقوالهم ، قلوبهم كانت معه وسيوفهم عليه ..

أيها الباز : إلي ماذا تريد أن تصل بمقالك ؟

كيف تقارن موقف سيدنا الحسين بموقف بعض الجماعات التي تتبنى منهجًا ناقصًا وتوهم الناس بما ليس موجودًا !

إن الإمام الحسين لم يكن ذا أطماع سياسية ولم يكن عائقًا لاستقرار المسلمين ورفعة البلاد ، وإنما كان مدافعًا عن حقوق المسلمين ضد تجبر يزيد وحاشيته ، فسعي إلي التغيير السلمي دون تصادم أو قتال ، وأكبر دليل أنه طلب الذهاب إلى يزيد وأدار حوارًا لتدارك الخلاف ، ولو كانت أهدافه غير ذلك لاستعد للقتال من البداية وما ابتغي غيره ،

كما أن سيدنا الحسين كان ضد ذلك الحكم الديني علي الناس والذي ينصب من نفسه آلهةً تفعل ما تشاء ، أما هذه التنظيمات في عصرنا فهي تريد استعادة ذلك الحكم الأموي أصلًا ليحققوا أطماعهم ويفعلوا ما يريدون ويتحكموا في أمور الناس ومصائرهم ،

هم ليسوا كالإمام الحسين ولا يشبهون موقفه كما فهمت ، الفرق شاسع لكنه سوء التشبيه يا عزيزي ..

إننا نتعلم من سيدنا الحسين ما يجعلنا نحرص على سلامة مجتمعنا ونسعى لمواجهة الفاسدين ممن لا يستحقون ما هم عليه ، بالوسيلة الممكنة ، ونتعلم أيضًا أن التغيير لا يكون بغير العمل السلمي كما كان حريصًا علي تجنب الفتنة وتبني الحوار ، ونستنبط من موقفه أن الكثير ممن يدّعون استحقاق الحكم ويتكلمون باسم الدين ليسوا أهلًا له ، وإنما هم كيزيد يتجبرون متى وصلوا إلي الحكم ..

والسؤال هنا للكاتب الذي عقد مقارنة غير عادلة ،

هل التنظيمات الإسلامية الآن تسعي لما كان الإمام الحسين حريصًا عليه من الحوار وتجنب الفتن ؟

بالطبع لا ، إنهم يأبون إلا فرض أنفسهم علي الناس ولا يتحركون إلا بدوافع السيطرة مهما أخفوها لفترة من الزمن وأظهروا غيرها ، وكل فريق منهم يري أنه يمتلك النسخة الأصلية من الدين وغيره لا ، ولذلك هم لا يحاربون للإصلاح بقدر ما يحاربون للوصول إلى الحكم وتحقيق أوهام السيطرة ، إنهم يتلونون وينتقون ما يعجبهم من التاريخ والمواقف والشخصيات التي تعزز تخبطاتهم العشوائية ليس إلا ، فلا تحمل الإمام أخطاء غيره ..