الثلاثاء 19 مارس 2024 06:41 صـ 9 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

محمد خليفة يكتب : اٌزوريس تائِه بين نبىَّ ومَلِكْ..وأدريس أوّلَ من ارتدى الملابس !

محمد خليفة
محمد خليفة

مصر كَنانةٌ الله.. أرض التاريخ التي شهدت أولَ شهادة في الكون بلا إلهَ إلاَّ الله ..وهى مهد الديانات؛ على أرضها العامرة مر أنبياء الله وتركوا آثارهم بين الخلق حٌكماً وعَملاً وكَلاماً مٌقدساً، نقشت معابدها المصرية القديمة نصوص الأنبياء والرٌسِل، فتعالوا بنا نطوف " ونشوف" صفحات التاريخ المصرى القديم الذى أخرج من بين سٌطٌورِهِ رائحة الجنّة، وربيع الأزهار، ونسمات الصباح؛ هنا المدرسة الربانية، والجامعة الإسلامية، هنا كل التاريخ.. سنتوقف قليلاً عند بعض الأنبياء الذين ولدوا فى مصر أو زاروها بحثا عن الرزق والأمن .

كما سنتوقف على رصيف محطة ملِك قال المؤرخون عنه أنّه النبى :إدريس" وزوجتهٌ المَلِكه التى ضربت قصة عشقها وحٌبِها لزوجِها مضَربَ الأمثالِ في الإخلاص والحٌب؛ تعالوا نتعرف على الحقائق التى حار فيها كبار المؤرخين ، ونٌدحِض بالأدلة والبراهين الشائعات والكتابات الإسرائيلية التى تروّج أكاذيب وخيالات وخزعبلات وأوهاما هى من وحى وخيال كاتبها حول بعض قصص الأنبياء التى نزلت فى عصر القدماء المصريين علي غير الحقيقة .

وسنبدأ حكايتنا بطرح سؤال مهم ؛ قد نجد له إجابة بين تلك السطور؟! ما هى العلاقة بين نبى الله "إدريس والملك أوزوريس"؟! يجيب عن هذا السؤال الكتاب المقدس ولكن هذه الإجابات يرفضها بعض المؤرخين، فيقول: أنّ إدريس هو "أخنوخ" اسم عبري معناه "مُكَرَّس" أو "محنك" ولفظ الاسم في الأصل العبري هو نفس الاسم "حنوك" في الترجمة العربية. وهو ابن يارد وأبو متوشالح؛ عاش ثلاثمائة وخمسًا وستين سنة، وفى القرآن الكريم "إدريس"، ويربط الكثيرون من المؤرخين بينه وبين المعبود المصرى "أوزوريس".

يقول القرطبى فى تفسيره "إدريس – عليه السلام – أول من خطَّ بالقلم وأول من خاط الثياب ولبس المخيط، وأول من نظر فى عِلم النجوم والحساب وسّيرها.

ويذكر السيوطى فى كتابه "حسن المحاضرة فى تاريخ مصر والقاهرة" أن أحد الملوك قد أراده بسوء ولكن الله عصمه، ثم دفع له أبوه العلوم المتوارثة عن جده، فطاف بالبلاد وبنى عشرات المدن فى مختلف الأنحاء أصغرها "الرها" بالأناضول حاليًا، ثم عاد إلى مصر وحكمها وزاد فى مسار نهر النيل وقاس عمقه وسرعة جريانه، وكان أول من خطط المدن ووضع قواعد للزراعة وعلّم الناس الفلك والهندسة، ويربطه بالصابئة" ديانة سيدنا إبراهيم" عليه السلام .

ومن ناحية اخرى يربط بعض المؤرخين بينهٌ وبين أوزوريس، ففى كتاب "الجبتانا" الذى وضعه المؤرخ المصرى "مانيتون السمنودى" ودوّن فيه قصة الخلق المصرية القديمة وأحداث أول الزمان حتى تكليف الآلهة لـ"مينا نارمر" بتوحيد مصر التى مزّقتها حرب الملك"سِت" مع "أوزوريس وحورس وإيزيس"، فنرى فيها وصفًا لأوزوريس أنّهٌ يتلقى من حين لآخر دعوة الآلهة فيصعد إلى السماء ويتعلّم فيها فنون البناء بالحجر والخط بالقلم والزراعة والحكمة وتخطيط المدن، وتصفه بأنّهٌ أوَلَ من جعل "الجبتيين" أى المصريين يسكنون البيوت بعد أن كانوا يسكنون الكهوف خوفًا من الوحوش والمسوخ، كما أنّهٌ أوَل من شيّد المعابد الضخمة، واهتم بتعليم الطب، وابتكر أدوات الزراعة والرى مثل المحراث والشادوف، وازدهرت فى عهده المدن والصناعات وعرف الناس لبس الأثواب الكتانية، وكان يتلقى وحى الآلهة ويرى الرؤى فى نومه، وقد حكم مصر بالعدل حتى قَتَلهٌ "سِت.

وبرغم مجهود المشتغلين بالتاريخ على مر العصور القديمة فلم يصل منهم احد لنتيجة تجيب عن الأسئلة المطروحة حول شخصيتين من أشهر الشخصيات في التاريخ القديم ، وهل هاتان الشخصيتان هما شخصية واحدة !.

من هذه المسائل محل التساؤل والجدل أحيانًا- مسألة العلاقة بين شخصيتي النبي "إدريس" المعروف في الكتاب المقدس باسم أخنوخ وفي " المندائية الصابئة – دين سيدنا إبراهيم باسم "" هرمس" والإله المصري القديم أوزوريس؛ فثمة تشابهات واضحة بين الشخصيتين فيما يتعلق بالأعمال والنهايات، فضلًا عن ارتباط كلٍ منهما بأرض مصر، وهو ما يلاحظه الباحث في كل من الكتاب المقدس والقرآن الكريم والتراثَين الإسلامي والمصري القديم، ومن هنا سنحكى ما وصلت له من أبحاث مؤكدة لا تقبل التشكيك، وتنهى الخلاف الدائر بين المؤرخين القدامى والجدد. . إدريس والكتب الرسالية جاء في الكتاب المقدس ما يلي:: عاشَ أخنوخُ خَمسًا وسِتينَ سنَةً، وانجبَ مَتوشالَحَ. وسارَ أخنوخُ مع اللهِ بَعدَ ما أنجبَ مَتوشالَحَ ثَلاثَ ماِئَةِ سنَةٍ، كما أنجبَ البَنينَ والبَناتٍ، فكانَتْ كُلُّ أيّامِ أخنوخَ ثَلاثَ مِائَةٍ وخَمسًا وسِتينَ سنَةً.

وسارَ أخنوخُ مع اللهِ، ولم يوجَدْ لأنَّ اللهَ أخَذَهٌ "سِفر التكوين-الإصحاح الخامس-الآيات من 21 إلى 24 جاءت هذه الآيات في سياق الحديث عن نَسل آدم من ابنه شيث، وتذكر أخنوخ حيث تقول أنه عاش 365 سنة ورزق بابنه متوشالح، وسار مع الله هي كناية عن أنّهٌ اتخذ طريق الله أو الطريق المستقيم والتزم تعاليم الله، ثم ينتهي الحديث بلم يوجد لأن الله أخذه؛ أي أنه رُفِعَ بشكل أو بآخر.. وجاء في القرآن الكريم قوله تعالى : وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا، وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا.

سورة مريم . يقول القرطبي في تفسيره للآية : إدريس عليه السلام أول من خطّ بالقلم وأول من خاط الثياب ولبس المخيط، وأول من نظر في علم النجوم والحساب وسيّرها. وسمي إدريس لكثرة درسه لكتاب الله تعالى، وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة وأمّا "ورفعناه مكانًا عليّا" فقد ذكر كل من الطبري والقرطبي وابن كثير في تفسيراتهم أقوالًا تفسّرها بأنّهٌ قد رُفِعَ تحت جناح أحد الملائكة إلى السماء الرابعة-وفي قول آخر السادسة- وفيها كان قبض روحه..وأرى من وجهة نظرى أنّ الرفع كان رفع تكريم وتعظيم لمكانتهِ... وفي سِفر أخنوخ -وهو أحد الأسفار الموصوفة مسيحيًا بـغير القانونية نظرًا لعدم اعتراف الأغلبية بضمها للكتاب المقدس، تصف الآيات معراج أخنوخ"إدريس" إلى السماء ورحلته فيها وحواره مع الرب الذي وعده أن يكون ممن يشهدون على الناس عند حساب الآخرة، ثم رجوعه للأرض وتعليمه أبناءه ما تعلّمه في السماء، وأخيرًا حمل الملائكة له للسماء مرة أخيرة ! . ______________________________________

إدريس في التراث والتاريخ الإسلامي أمّا في تواريخ كل من الطبري، ابن كثير، ابن الأثير، والمسعودي، فإن إدريس هو أخنوخ من نسل شيث بن آدم، وتسميه الصابئة "هرمس" -ويفسرها المسعودي بـعطارد وهو على حد قولهم أول من خط بالقلم وعلّم الزراعة وتخطيط المدن ولبس المخيط والسكن في البيوت، ويضيف بعضهم القول بإنه أول من ركب الخيل وجاهد في سبيل الله، ويُجمعون على أنه قد حذّر قومه من مخالطة نَسل قابيل، ولكن قومه عصوه وخالطوهم.

وتنتهي رواية كل منهم عن إدريس أنه قد أنجبَ ابن يسمى "متوشالح" ابن إدريس ووالد لامك وجدّ نوح، توفي عن عمر يناهز ال 969، قبل سبعة أيام من بداية الطوفان العظيم ، عاش نبى الله أدريس نحو 300 سنة بعد ميلاد ابنه، ثُمَ رفعه الله إلى السماء بعد أن استخلف متوشالح على قومه وفي كتابه "حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة" يذكر السيوطي اسم إدريس بين من دخلوا مصر من الأنبياء، ويذكر رواية عنه أن أحد الملوك قد أراده بسوء ولكن الله عصمه، ثم دفع له أبوه العلوم المتوارثة عن جده، فطاف بالبلاد وبنى عشرات المدن في مختلف الأنحاء أصغرها «الرها» بالأناضول حاليًا- ثم عاد إلى مصر وحكمها وزاد في مسار نهر النيل وقاس عمقه وسرعة جريانه وكان أول من خطط المدن ووضع قواعد للزراعة وعلّم الناس الفلك والهندسة، ويربطه بالصابئة ويقول إن بعضهم يدّعي أن أحد أهرامات مصر قبره والآخر قبر جده شيث بن آدم. وينقل المؤرخ ابن تغرى بردى في كتابه «النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة» رواية عن بناء إدريس للأهرام، فيقول إنه قد استدل من فهمه لحركة الكواكب على قرب الطوفان، فبنى الأهرام وأودعها العلوم التي خشي من ضياعها.

وأرى عدم تأكيد ما ذهب هؤلاء العمالقة من المؤرخين والمفسرين للقرآن الكريم بن كثير وأبن الأثير والمسعودى ، فلم يقدم أيّاً منهم دليلا واحدا أو مخطوطا أو نصا أو كتابات جدارية ، كان من الأولىَّ كتابتها علي أبواب مداخل الأهرامات بمنطقة الجيزة حالياً. أمّا أستاذه المقريزي فيذكر في كتابه «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار -المعروف باسم الخطط المقريزية- أنّ إدريس مَلَك مصر وكان أول من بنى بها بيوتًا للعبادة، وأنه أول من علّم الناس الطب ويذكره ابن إياس الحنفي بين من دخلوا مصر من الأنبياء ومن حكموها من الملوك في كتابه "بدائع الزهور في وقائع الدهور" وتقول بعض الروايات -التي ينقلها لنا ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان عن اسم بابليون- إنّ إدريس كان يعيش في أرض بابل، لكنه تعرّض لبعض المضايقات فدعا الله أن يرسله إلى أرض مشابهة فأرسله إلى مصر، ، وصار مٌلكه بها .. هذا عن إدريس، فماذا عن أوزوريس؟ أوزوريس» في الموروث المصري القديم! آمن المصريون بأوزوريس كواحد من أهم آلهة "التاسوع" الإلهي، وهو بمثابة مجلس سماوى يضم الآلهة الأعلى في مصر ووفقًا لبردية تورينو -التي تعتبر المصدر الرئيسي لقائمة حكام مصر القديمة- فإن ملوكًا من الآلهة قد حكموا مصر قبل الملوك البشر، كان أوزوريس هو الملك قبل الأخير منهم، وكان هو من علّم الناس الزراعة ومختلف فنون الحياة وأشهرها لبس المخيط والكتابة، وهو في الرسوم والنقوش المصرية يظهر مرتبًا بالزراعة من خلال تصويره راقدًا وعيدان الزرع تبرز من جسده.

وجدير بالذكر أن أوزوريس إن كان قد عُثِر على تمائم أو آثار بهيئته ترجع للأسرة القديمة، إلا أن وجوده في الموروث المصري بدأ بشكل أشبه بالسيرة الشعبية، التي التقطها الكهنة في عصر الدولة الوسطى وصاغوها لتأخذ شكلها الحالي؛ مما يطرح سؤالًا: هل كان ما توارثه الناس قصة ملك حقيقي أضافوا لها مع الوقت أبعادًا أسطورية؟... بين إدريس وأوزوريس! رجلان، كلاهما تربطهما المصادر – على تنوعها- بمصر، وتضع كلا منهما في مكان «المَلِك العادل الملهَم من السماء»، وتنسب لكلّ منهما تعليم الناس أمور بعينها هي الزراعة والتخطيط والكتابة والطب والحكمة ولبس المخيط، وكل منهما أقام المدن وعمّر البلاد وترك الدنيا مرتين، فإدريس عرج إلى السماء ليتعلم ثم هبط ليعلّم الناس ثم رُفِعَ أخيرًا، وأوزوريس قُتِلَ ثم بُعِثَ ثم رُفِعَ إلى السماء. وكلا من الجبتانا وسفر أخنوخ يتلقى بطله وعدًا إلهيًا بأن يقوم شهيدًا على الناس يوم الحساب، وأورث إدريس مُلكَه ومكانته لابنه متوشالح،.

بينما أورث أوزوريس نفس التركة لابنه حورس. بل وإن تأملنا شخصية "سِت" – الذي تقول بعض النظريات إن مصدر كلمة ساتا وهو أسمهٌ يعنى "الشيطان" الذي يقول الله تعالى فيه"وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا من المجرمين" -سورة الفرقان . "فست" لا يمثل الشر كشيء معنوي مبهم – كما يعتقد كثيرون، بقدر ما يمثل المكروهات مثل العدوان، الفوضوى- الكراهية- الحسد- العنف، وفي فترة ما جُعِلَ قرينًا للحرب وشعاب الصحراء، ونلاحظ هنا أن الرواية القائلة بهجرة إدريس من بابل إلى مصر ترجع السبب لانتشار أذى أبناء قابيل قاتل أخيه الذي تسميه بعض المصادر قايين، وفي قصة أوزوريس نجده يصطدم مباشرة بأخيه الذي يصبح قاتله بعد ذلك.

وأرى أنّ تلك التشابهات ، فضلًا عن تشابه الأسماء، يجعل رأس الباحث في التاريخ والمتأمل فيه يدور، ولكن تبقى لدينا مشكلة انعدام الأدلة القاطعة التي يمكن أن تدعم تلك الفرضية، فتتركها في منطقة النظرية التي تستحق التفكير فقط، دون حسم. وأرى إنّه بما أن عمر الإنسان ________________________________________

على الأرض هو خمسمائة ألف سنة، وأن المدوّن هو تاريخه بدايةً من خمسة آلاف سنة مضت، بالتالي فإن ما نعرفه عن تاريخ الإنسان هو مجرد نسبة قليلة فقط من هذا التاريخ مما يجعل من وظيفتة ليس فقط أن يقدم الإجابات دائمًا بل أن يطرح الأسئلة ويستفز الفضول! ومن هذه الأسئلة: هل إدريس هو أوزوريس؟، هل حكم إدريس مصر كملك ونبي – في نموذج مزدوج سابق لنموذجَي داوود وسليمان- وأوحى له الله أن يعلّم البشر أولى العلوم الحياتية، ومع مرور الوقت رفعه الناس لمرتبة الآلهة وحاكوا له أسطورة تخلده؟، ما سر تشابه الموروث الشعبي-التاريخي عن كل منهما مع الآخر؟ مما يؤيد ضرورة طرح هذا السؤال هو أن التناول الشعبي لتاريخ الأشخاص والدول والأحداث هو أمر واقع مستمر، ونجده حتى الآن في السير الشعبية كسيرة سيف بن ذي يزن وسيرة الظاهر بيبرس وغيرها، تلك السير التي تشط عن الواقع وتخترق حاجز المعقول مكانًا وزمانًا وتُدخِل الأشياء الخارقة للعادة إلى الأشياء الواقعية من الأمور.

كذلك فإن ديانات العالم القديم – كمصر والشام والعراق- تحمل في موروثاتها تشابهات قوية مع موروثات الأديان الرسالية الثلاث:اليهودية والمسيحية والإسلام.

وليس نموذج "إدريس – أوزوريس" هو الوحيد، فلدينا قصة الطوفان العراقية دليلًا على هذا التشابه. وإن كان من المستحيل حاليًا حسم الشك، فمن يدري ماذا قد يطرأ مستقبلًا من تطور لوسائل البحث التاريخي أو من اكتشافات تاريخية.

فلهذا يستمر علم التاريخ في عملية طرح الأسئلة حتى وإن لم تكن لها إجابات حاضرة. [email protected]