جريدة الديار
الخميس 25 أبريل 2024 03:33 صـ 16 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

محمد خليفة يكتب : هل يٌدرِك من يتغنّونَ بعصر فاروق أنّ مشروعه القومى كان القضاء على الحفاء؟!

محمد خليفة
محمد خليفة

تخّيل كأنّك تعيش في عصر الملك فاروق قبل ثورة يوليو.. وقارن بينها وبين آيام عصر مبارك وها هو المصوّر يقوم بتصوير قصور القطامية ومارينا ومدن ومنتجعات الفاسدين فى عصره, ثم قام من يفتشون في الماضى بنشرهذه الصور بعد 50 سنة, وكتب لها عنوان "هذه هى مصر الجميلة في عصر مبارك"..وهذه هى حياة المصريين الرغدة .. تخيل حجم الكذب والافتراء والتزوير ..نعم كذب وتزوير إذ أردت أن تقول، فهو ذلك الفيلم عن مصر فى عهد الملكية, حيث تظهر شوارع القاهرة جميلة ونظيفة, ويظهر أهل مصر وكأنهم يعيشون فى جنة الله على الأرض..ولما لا ؟ والموسيقى تعزف على نواصي الشوارع, تلك الشوارع التي كانت تحمل غالبية المصريين وهم حفاة.. أندهش من الأحكام والموسيقى تعزف على نواصي الشوارع, تلك الشوارع التي كانت تحمل غالبية المصريين وهم حفاة عرآه.. أندهش من الأحكام التى تخرج من البعض هذه الآيام بحسن نية أو سوء نية- حول الأوضاع في مصر قبل ثورة 23 يوليو، والعبارات التي يرددها هؤلاء من عينة " الموضة كانت تظهر في مصر قبل باريس"، أو "بريطانيا كانت مدِينة لمصر أيام الملك" وغيرها من الخرافات التي نسمعها كثيرًا هذه الأيام. الأمر الذي وصل بالصحفيين والإعلاميين.. لأن يستعرضوا صورًا للقاهرة قبل ثورة 23 يوليو، ويتحدثوا عن مصر الـملكية، وكــيف كانت الشـوارع نظيفة وجميلة ، والحياة ميسورة ، لدرجة أن أحدهم راح يهتف: عاش الملك فاروق.. جلالة الملك المعظم! .

وهنا أود أن أتوقف عند أمرين : الأول أنّ مصر أقرضت بريطانيا مبلغـًــا ضخمـًـا يعادل الآن 29 مليار دولار أمريكى!!.. فى إشارة خادعة إلى أن الحياة أيام الملك كان لونها وردى ولمن لا يعرف أو وقع فريسة لهذه الخزعبلات، فإن الديون البريطانية التى تقول الوثائق إنها 3 ملايين جنيه استرلينى، لم تكن نتيجة قوة الاقتصاد المصرى بل كانت قيمة ما حصلت عليه بريطانيا عنوة وبالقوة من محاصيل وسلع وخدمات أو مقابل استخدام الأراضي المصرية أثناء الحرب العالمية أو على سبيل التعويضات التى كان من المفترض أن تؤديها بريطانيا لصالح أهالى عشرات الآلاف من المصريين الذين انـتُـزعوا من أرضهم وساقهم الباشاوات مسلسلين فى القيـود، للاشتراك فى الحرب، فماتوا ودُفنوا خارج مصر.. وبعيدًا عن تنازل الحكومة المصرية عن هذه الديون كما أكد علي ذلك الباحثين .. أو عدم تنازلها، فالثابت أن مصــر لم تطالب بها لمدة 30 عامًا قبل الثورة.. وأغلق الملف بعد تأميم قناة السويس.

لقد كان الاقتصاد المصري قبل ثورة 23 يـوليو متخلّفـًــا وتابعًا للاحتـكارات الرأسمالية الأجنبية، يسيطر عليه بضع عشرات، أو مئات على أقصى تقدير، وكانت نسبة البطالة بين الـمصريين 46% من تعداد الشعب، فى الوقت الذى كان يعمل فيه الغالبية فى وظائف دنيا ــ سُعاة وفراشين ــ وكانت آخـر ميزانية للدولة عام 1952 تظهــر عجزًا قــدره 39 مليون جنيه، فى حين كانت مخصصات الاستثمار فى المشروعات الجديدة طبقـًـا للميزانية سواء بواسطة الدولة أو القطاع الخاص صفرًا... ظلم وقهر وسوء توزيع لثروات الوطن وغياب للعدالة الاجتماعية، نسبة الفقر والأمية بلغت 90% من أبناء الشعب المصرى، ومعدلات المرض حققت أرقامـًـا قياسية حتى أن 45% من المصريين كانوا مصابين بالبلهارسيا، وغيرها من مختلف الأمراض التى تنتج عن سوء التغذية، هذا فى الوقت الذى كان فيه بذخ وسفه الملك فاروق وأسرته والسيدة والـــدته وحاشيته مثـار حديث صحـف ومجلات العالم، ناهيك عن فضـائحهم الجـنسية.

وهناك دراسة للمؤرخ الكبير الراحل د. رءوف عباس بعنوان: "الحركة الـوطنية فى مصر 1918ـ1952" يوضح فيها : أنّه كانت نسبة المعدمين من سكان الريف تبلغ 76% عام 1937، وبلغت نسبتهم 80% من جملة السكان عام 1952. وكانت البروليتاريا المصرية بشقيها : الريفي والحضري من أبشع الطبقات الاجتماعية معاناة من الأزمة الاقتصادية التي تفجرت في العالم الرأسمالي في نهاية العشرينيات وامتدت آثارها إلى مصر.

ويتضح من تقرير "هارولد بتلر" خبير مكتب العمل الدولي أنّ الأجر اليومي للعامل المصرى غير الفني في مارس 1932 كان يتـــراوح بيــن 7-12 قرشـًـــا، بينما أجر العامل الفني كان يتراوح بين 20-30 قرشـًــا، وأجـر العـامـل الحرفي بين 6-8 قروش، وبلغ أجر الحدث خمسة قروش في الأسبوع.

وتفاقمت المسألة الاجتماعية تفاقمـًــا كبيرًا، نتيجة سوء توزيع الثروات وغياب السياسات الاجتماعية.. ولا أدل على ذلك من استمرار الهبوط فى متوسط دخل الفرد من 6 إلى 9 جنيهات خلال الفترة من 1935-1939 ومن 4 الى 9 جنيهات خلال سنوات الحرب العالمية الثانية على أساس الأسعار الثابتة أي الأسعار الحقيقية مع استبعاد عامل الارتفاع الملحوظ فى الأسعار. إذا أمعنا النظر فى كيفية توزيع الدخل القومى لوجدنا 61% من هذا الدخل يذهــب إلى الرأسماليين وكبار الملاك.. فقـد قُـدِّر الدخل القومى عام 1954 بمبلغ 502 مليون جنيه، ذهب منه ما يزيد على 308 ملايين جنيه على شكل إيجارات وأرباح وفوائد، بينما نجد متوسط أجر العامل الزراعى فى العام لا يزيد على أربعة عشر جنيها وفق إحصاءات 1950.. وإذا أخذنا فى الاعتبار ارتفاع تكاليف المعيشة لكان الأجر الحقيقى للعامل الزراعى لا يتجاوز ثلاثة جنيهات فى العام، كما أن متوسط الأجر السنوى للعامل الصناعى لا يزيد على خمسة وثلاثين جنيها، أى ثمانية جنيهات أجراً حقيقيـًــا فى العام الواحد. وقدرت مصلحة الإحصاء عام 1942 أن ما يلزم للأسرة المكونة من زوج وزوجة واربعة أولاد لا يقل عن 439 قرشـًـا فى الشهـر طعامـًـا وكساء وفـق الأسعار الرسمية، لا أسعار السوق السوداء التى كانت منتشرة فى ذلك الوقت.

ومع هذا فقد كان متوسط الأجر الشهري للعامل في عام 1942 لا يتجـاوز 262 قرشـًــا فى الشهــر؛ أي أن الأغلبية الساحقة للبروليتاريا فى المدن كانت تعيش دون الحد الأدنى للكفاف بمقدار النصف تقريبًا، أما البروليتاريا الريفية فكانت أسوأ حالا. فى الوقت الذى ارتفعت فيه الأرباح الموزعة فى الشركات المساهمة فى مصر من 7.5 مليون جنيه عام 1942 إلى قرابة 20 مليونــًــا فى عام 1946، ذهب أغلبها إلى جيوب الرأسماليين الأجانب وشركائهم الصغار من المصريين.. كما ارتفعت إيجارات الأراضي الزراعية من 35 مليون جنيه عام 1939 إلى 90 مليونــًــا عام 1945 ذهب معظمها إلى جيوب كبار ملاك الأراضي الزراعية، فضلا عما حققه هؤلاء من أرباح طائلة من وراء بيع الـمحاصيل التي أنتجتها أراضيهـم التي كانت تـــــزرع على الذمــة .

الدراسة قـيِّمة ودالة وتُخـرس كل الألسنة.. أدعوكم لقراءتها، فهى إحدى الدراسات المنشورة فى كتاب: "ثورة 23 يوليو 1952 دراسات فى الحقبة الناصرية" الصادر عن مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية.

الأمر الثاني: "الملكيون أكثر من الملك" وبجهل شديد، يسوقون فى إطار دفاعهم عن الحقبة الملكية مبررات من عينة : انظروا للقاهرة وكيف كانت شوارعها نظيفة وكيف كان هناك أوبرا وسينمات وحدائق ومطاعم.. إلخ.

ويتناسى أو يتجاهل هؤلاء أن القاهرة التي يتحدثون عنها، بل مصر بأكملها كانت حكرًا على الباشاوات والبكوات والجاليات الأجنبية، وهؤلاء هم من كانوا يدخلون " الأوبرا والسينمات "ويستمتعون بالحدائـق الغَـنَّاء. وإذا ظهر أحد المصريين البسطاء فى محيط هذه الشوارع، فهؤلاء من الخدم والحاشية ممن أنعم الله عليهم بنعمة العمل خادمين عند أحد الباشاوات!.. بل كانت هناك شوارع فى القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية حكرًا على الأجانب يُمنع المصريون من دخولها، حتى لا يعكروا مزاج السادة الباشاوات والخواجات.

تمامـًا كما هي الآن الأحياء الفخمة المليئة بالقصور والفيلات، التي يصعب على أمثالنا السكن فيها، أو ربما الاقتــراب منها.. أحيـانــًـا يـدخلها بعض الفقـراء من النقاشين أو النجارين أو السباكين، لأداء مهمة سريعة لكن سرعان ما يغادرونها.

وأنا هنا لا أنكر أن الباشاوات كانوا يعيشون عيشة رغدة كريمة وكانوا يرتدون أحدث الموديلات قبل أن تظهر فى أوروبا، بل كان منهم أهل الخير ممن يمنحون الخـدم والحـشـم بواقى الطعـام وبواقى الملابس وأى بواقى أخرى. لكن السؤال: كيف كان حال غالبية المصريين.. عندما كانت تظهر الموضة فى مصر قبل أوروبا؟!!. وهل يدرك من يتغنون بالعصر الملكى أن المشروع القومى فى ذلك الوقت كان القضاء على الحفاء؟!!. [email protected]