جريدة الديار
الخميس 28 مارس 2024 07:28 مـ 18 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

نيفين عبيد تكتب : استعبدها جسداً و عقلاً و قلباً 3 ”التعميد “

نيفين عبيد
نيفين عبيد

و بدأت نذور الاحتفاء بالطفل الموعود وسط حشد من التابعين المتألهين ، بشرب كاسات الدم الممزوجة بالخمر ، فقد حضر الوريث للصولجان ، و علت أصوات الأبواق تنذر بالعهد الجديد، و وريثا جديدا حاملا صولجان الآلهة ، و كانت الملاك في غربة موحشة من نفسها ، و كأنها تغادرها ، لتستعمرها روحا جديدة ، سكنتها بنذور الآلهة و انكسرت لها ، حتى لا تغادر قصرها الذي اعادته للحياة من مقبرته ، و تكون جور طفلها ، فكان إذلالها قربانا لحياتها بجوار طفلها ، وافقت ان تكون خادمة القصر ، و جارية لرغبات الزوج المورث للصولجان ، كلما اشتد الصباح و صاح الديك بالآذان اخذها النشاط ، و تابعت أمور القصر قبل أن يفيق الجميع ، فهي الآن الخادمة و الجارية في قصرها ، و عليها مراعاة الجميع ، فهنا الطفل الموعود وليدها عليها بارضاعه حتى يملك جسدا قويا ، فكانت تسقيه من اللآلئ لبنا أشبه بشهد من خمور الجنة الطازجة ، حتى بدأ جسده يشتد و يقوى ، و كانت تهيئ له قصرها بألوان من البهجة و السعادة ، فتخرج عند شروق الفجر و سماع العصافير تغرد لها منتظرة قدومها بقدح الحبوب لتطعمها ، تسقي جذور الشجر و تطهرها من خبائث الفئران و الحيات ، و تغسل أوراق الشجر بدموعها المنهمرة كقطرات الندى الفجرية لتبقى ناضرة فتمنح زوجها سيد القصر الطاقة و الرغبة و النضوج الفكري الذي يبغيه دائما ، فقد غيره حضور المولود تجاهها ، و كأن رسالتها له انتهت ، فهي الآن الخادمة المربية الجارية لرغباته ، كان دائم النظر لها بصموت يكاد يقتلها ، عيناه ترمقانها و كأنه يتتبع خطواتها في القصر ، حتى لا تميل عن ناظره ، فهو في أعتاب خطة لا تعلم عنها ، و كلما اقترب الليل اصطحب الفتى الصغير إلى خارج القصر ، فقد كان يأخذه بحجة الاستكشاف و البحث ، و يستمر ساعات الليل و الضوء غائب عنهما ، و كأنهما يجهزان لمكيدة لها لا تعلمها ، و كلما اقتربت من طفلها تجاوبه ، و تحاوره لتلهمه سبيل الإجابة و التجاوب معها ، كان الزوج يقفز عن اريكته لوقف عنها أحداث توعد و عاهد على حدوثها من اتبعه ، و بدأت الدروس للطفل ، دروس في دين جديد يبشر به الزوج الأديب ، و حلقات من الموسيقى لترتيل النذور ، و كان الطفل مستمتعا بها ، و بدأ الشك يخلد في قلب الملاك فهي ترى الطفل الذي خرج من احشائها يضل الطريق ، و يأخذه سعيه إلى مسعى أبيه ، و لم يتوارى عن الدروس ، فقد كان لها مستسلما ، مستمعا ناصتا لكل التراتيل ، فلم يسلبه منها مرض او لهو و مرح ، فقد منحها طفولته قربانا كلذة الوصول لأمر حتمي ، أحب الاستماع له ، حاولت معه تكرارا ان تعيد إليه صوابه ، و تعلمه انه ليس هناك غير إله واحد ، و لكنه نفر كلامها ، و بدأ يستدعي لها أبيه ، و ينذره بحادث اليم ، فكانت دائمة تعيش تحت وطأة التهديد ، و الحرمان ممن قدمت حريتها قربانا لتكون بجواره ، استسلمت لعل الزمن يداوي جراح غفلتها القلوب ، و اصابتها نجاسة الحقد و نكران الجميل، تكظمت داخلها مشاعر مرهقة من الحب ارهقها الأبن و من قبله جحود الأب ، فقد ضلت طريقها و عليها ان تستكمل الدرب ، لعل النهاية تصل بها إلى جنة الرب ، بعدما تنقذ الأبن ان ساعدها الزمن ، أخذت النذور في الإعداد لها ، و بدأ الجميع يجلبون الزهور الباكية الشاحبة التي قتلها الزمن في النسيان ، و صنع اكاليل الاقتراب ، و افترشت الأرض بالدماء لوعد النذور ، و كسيت الأسوار بالاشواك و مشاعل النيران ، و ساد اللون الأسود الحديقة ، بعد أن اقتلعت منه أزهار الياسمين و القرنفل ، و اجتزت الأشجار ، و اسكتت العصافير و البلابل ، لتسكن الغربان ، و تكون صوت الوعود ، و جلبت الذئاب لتكون حارسة يوم النذور ، و اغشيت الدنيا و اسدلت ستارها في وجه الملاك الأم ، التي أخذت تقترب للرب لعله يرشدها لمسعى جديد ، تسلكه فيكون نجدة للطفل ، أخذت تعد لخطة لعلها النجدة ، و بدأت تجمع أغراض الأبن ، و تودع القصر ، فقد غسلته بدموع الحب ، و كسته من رحيق القلب ، و جيء اليوم الموعود ، و أسدل الظلام ستاره على القصر ، و كأن غيمة من الضباب اخفته عن الحي ، و غاب وراء الضباب ، و بدأت الأبواق تعلو في القصر ، تنذر ببدء ساعات النذور ، و الملاك في عجلة من أمرها ، و رغبة في إنقاذ طفلها ، فقد دفعت حياتها و حريتها قربانا لقربه ، اجتمع حشد من التابعين وسط حديقة القصر ، و يغطون أجسادهم بلباس اسود قاتم اللون ، يحملون في أيديهم مشاعل النيران ، و يزمجرون بكلمات غير مفهومة ، و كأنها دعوة لرب جديد ، و كانت أعينهم ترتفع متقلبة و كأن أصابها العمى ، يتقدمهم مقعد مرتفع على ربوة عالية صنعت خصيصا من الزعف لأجل ذلك اليوم ، أمامه الصولجان تعلوه اللؤلؤة المصونة من قلوب عرائس مقبرة القصر ، و كانت في غرفة القصر العالية يجهز الطفل لمراسم النذور ، فقد اغتسل بدماء الماعز لأجل مراسم التقليد ، مرتديا زيا اسود اللون مزخرف بنقوش الذهب النارية ، مرتديا الحلي ، و يضع تاجا أعلى رأسه ، طلبت الملاك السماح برؤية الأبن و الاعتزال معه لبعض الوقت ، فكان لها ، اقتربت منه و قبلت رأسه ، و ضمته لصدرها لتمنحه بعض الحب لعل يعيد له صوابه ، و أخذت تردد له بعض آيات الله لعله يفيق لها قلبه ، و لكن فاجأها بيده التي انهالت على وجهها كسوط ألم له قلبها قبل وجهها ، أخذت تسجن الدموع قلبها و هي تنظر له يستغيث بأبيه ، الذي أمر بتقييدها و اجبارها على رؤية نذور مراسم التعميد ، و تسليم سلطة الآلهة من الأب للابن ، ليبدأ الزمن الجديد ، و الدموع أخذت مجراها في عين الأم الملاك ، و أخذت الحسرة تأكل قلبها ، و هي ترى طفلها ، يسلب لرغبة عالم جديد متبارك بالشيطان و عهود نسيان الرب ،،،،

و للحديث بقية لم تنتهي بعد ،،،،،