جريدة الديار
الجمعة 19 أبريل 2024 04:22 مـ 10 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

محمد خليفة يكتب: أحد مشايخ القرآن والطّباخ وراء محاولة قتل” محمد صديق المنشاوى”

محمد خليفة
محمد خليفة

كانت ملامحه تشير إلى نبوغه مبكراً، فحين تراه العين لا تٌخطئٌه، عَلَت ملامح وجهه آيات الرضا والخشية والوقار، له وجه ينٌم عن قوة شخصيتهٌ وفى عينيه خشوع دائم ودامع، قليل الكلام دائم الصمت إلاّ من مراجعة القرآن الكريم، له صوت بديع، قوى النبرات له عذوبة تطربكَ وتتغلب فيه نغمة الحزن على الفرح تلك صفاته الحسية التى وراها التراب ولا تزال قائمة بمعانيها تسبح بجلالها إلى يوم القيامة ،إنّه الشيخ محمد صديق المنشاوى، واحداً من كبار القٌرّاء فى مصر والعالم العربى ، ورث حلاوة صوته، من "سلسال" أسرته، التى عُرف عنها الخشوع فى التلاوة، وهو الخشوع الذى اكتسب صفات كساها الحُزن والوقار، بل كسَاها زهدا فى المال؛ ذلك أنّ الشيخ الجليل لم يؤثَر عنه أنه طلب أجراً محدًّدا نظير تلاوته القرآن.. ولد الشيخ محمد، بقرية "البواريك" بمدينة المنشاة التابعة لـمحافظة سوهاج وكتبت مجلة الإذاعة والتلفزيون عنه أنّه أول مٌقرئ تنتقل إليه الإذاعة لتسجيل حفلاته ، وبعد اعتماده مقرئًا في الإذاعة عينته وزارة الأوقاف قارئًا بمسجد الزمالك بنفس الحى الذى يسكن فيه بالقاهرة، وظل قارئًا لسورة الكهف به حتى توفاه الله ، قال عنّه الإمام الراحل الشيخ محمد متولى الشعراوى " إنّهٌ ورفاقه المشايخ محمود خليل الحصرى وعبدالباسط عبد الصمد ومحمود على البنا ومصطفى إسماعيل ،يركبون فى بحر القرآن الكريم، ولن يتوقف هذا المركب عن الإبحار حتى يرث الله الأرض ومن عليها" وحين كان يسمعهٌ الشيخ محمد ناصر الدين الألبانى يبكى..

قال عنّهٌ الكاتب الراحل محمودالسعدنى: شيخ ولد من رحم الخشوع وتربى بين أحضان التضرع والسكينة فأصبح رئيسا لجمهورية الاحساس بلا منافس أو منازع فهو الذى يدق أبواب القلب في خضوع وتواضع ليدخل بسرعة البرق و ينشر احساسه الرائع وخشوعه الرهيب..

وهنا نتوقف لنحكى لكم عن اخطر جريمة بتعرّض لها آمين القرآن الشيخ محمد صديق المنشاوى، إنّها جريمة شروع فى قتل مع سبق الإصرار والترّصد، خطط لها احد المنافسين له فى محافظات الوجه القبلى، وقيل أنّ نبوغ الشيخ محمد صديق المنشاوي المبكر في التلاوة سبب له الكثير من المتاعب التي وصلت بالحاقدين عليه أن يدسوا له السم في الطعام...

فكيف نجا من هذا الموت المحقق؟ ومن الذي دس له هذا السم؟ لقد حكى هذه الواقعة بنفسه ولو أن أحداً غيره قصّها ما صدقه أحد فقد جلس يحكى لوالده الشيخ صديق وأولاده يجلسون حوله فيقول: أنّه كان مدعواً في إحدى السهرات القرآنية عام1963م وبعد الانتهاء من السهرة دعاه صاحبها لتناول الطعام مع أهل بيته على سبيل البركة ولكنّه رفض فأرسل صاحب السهرة إليه بعضاً من أهله يٌلحون عليه فوافق، وقبل أن يبدأ في تناول ما قدم إليه من طعام أقترب منه الطباخ وهو يرتجف من شدة الخوف وهمس في أٌذنِه قائلاً: يا شيخ محمد سأطلعك على سر خطير وأرجوا ألاّ تفضح أمرى فينقطع عيشى من هذا البيت فسألهٌ الشيخ عما به فقال: أوصاني أحد الأشخاص بأن أضع لك السم فى طعامك فوضعته في طبق سيقدم إليك بعد قليل فلا تقترب من هذا الطبق أو تأكل منه، وقد استيقظ ضميرى وجئت لأحذرك لأنى لا أستطيع عدم تقديمه إليك فأصحاب السهرة أوصوني بتقديمه إليك خصيصاً تكريماً لك، وهم لا يعلمون ما فيه ولكن فلان... ولم يذكر الشيخ اسمه أمام والده وأولاده؛ أعطانى مبلغاً من المال لأدٌسَ لك السم في هذا الطبق دون علم أصحاب السهرة ففعلت فأرجوا ألا تبوح بذلك فينفضح أمرى... ولما تم وضع الطبق المنقوع في السٌمِ عرفه الشيخ كما وصفه له الطباخ وادعى الشيخ ببعض الإعياء أمام أصحاب الدعوة ولكنهم أقسموا عليه فأخذ كسرة خبز كانت أمامه قائلاً: هذا يبر يمينكم ثم تركهم وانصرف..

والأسئلة تدور فى عقول من سمع عن هذه الجريمة.. ألم يفصح الشيخ محمد عن اسم ذلك الرجل الذي أراد قتله كل الذى حدث أنّهٌ تعجب واندهش من أفعال ذلك الرجل وخاصة بعد علمه أنه مقرئ للقرآن الكريم ولكنٌّه لم يذكر اسمه حتى أنّ أولاده تعجبوا من عدم سؤال جدهم الشيخ صديق لابنه عن اسم ذلك المٌقرئ وأمام هذا الأمر لم يكن باستطاعة الأبناء أن تسأل الشيخ محمد عنه مادام لم يفصح هو عن شخصية المجرم! ....

زار الشيخ المنشاوى معظم دول العالم الأوروبى والأمريكى والآسيوى وعاش حياته لا يحمل خصومات ولا أحقاداً ولا ضغائن بل كان كالكلمة الطيبة بين جميع أقرانه. وفى احد المرات التى كان يسافر فيها الشيخ لإحياء ليالى القرآن طلب منه الملك محمد الخامس ملك المغرب أن يعطيه الجنسية المغربية ويجعلهٌ يعيش عيشة الملوك فأعتذر مفضلاً الإقامة بمصر وكان للشيخ المنشاوى الفضل بإرادة الله سبحانه وتعالى أن تقوم الإذاعة المصرية بتسجيل القرآن الكريم بعدها سافر إلى السعودية فسجّل الشيخ الحصرى قبلهٌ ثم سجّل المنشاوى بعد عودته من السفر . ويعد تسجيل الشيخ المنشاوى للقرآن الكريم مرتلاً هو من أكثر التلاوات استماعاً فى البيوت والنوادى والمقاهى والشوارع وفى جميع البلدان الإسلامية.. وفى نهاية أيامه أصيب الشيخ بمرض "دوالى المريء" وظل يشتد عليه مع بداية عام 1967 والأطباء يحذرونه من القراءة إلا أنه جاد بأفضل وأعذب القراءات حتى وافته المنية فى 20 من شهر يوليو سنة 1969 عن عمر 49 سنة بعد أن ملأ الأرض نوراَ وسروراَ وترك مزماراَ من مزامير داود يتردد صداه فى المشرق والمغرب وفى السماء وفى البحار وفى المحيطات أينما حللت تسمع صوت الوحى بحنجرة المنشاوى..

يحكى أبنه الدكتور عمر محمد صديق المنشاوى فى تصريحات للصحف بأن والده : كاد له أحد الشيوخ مرة وهو يقرأ فى مأتم فأعطى عامل الميكرفون رشوة ليدعى أن الميكرفون به عطل عندما يبدأ الشيخ محمد فى التلاوة، فما كان من الشيخ محمد إلاّ أنّهٌ نحىَّ الميكرفون جانباً وقام واقفاً وأخذ يقرأ وهو يمشى بين الصفوف حتى اختتم الليلة بكاملها فما كان من الشيخ الآخر إلاّ أنّهٌ انصرف فوراً. رحم الله أيقونة القرآن وسلطان العاشقين لكتاب الله فضيلة الشيخ محمد صديق المنشاوى .