جريدة الديار
الجمعة 19 أبريل 2024 06:30 صـ 10 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع
كمامات بـ4 ملايين جنيه.. إحالة 3 مسؤولين بمستشفى الشيخ زايد المركزي للمحاكمة تعطل عمليات السحب والإيداع بماكينات البريد خلال ساعات مركز خدمة المجتمع وتنمية البيئة بجامعة دمنهور يعقد فعاليات اليوم الأول لدورة التحاليل الطبية خبير اقتصادي: مؤشرات البورصة المصرية حققت أداءا جيدا الفترة الحالية تكليف سمير البلكيمى وكيلا لمديرية التموين بالبحيرة مدبولي ..الاسعار ستأخذ مسارا نزوليا بدأ من الاحد القادم التوعية بخطورة الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر خلال القافلة التنموية لجامعة دمنهور جامعة دمنهور تطلق مشروع لانتاج نواقل خلوية نانوية الحجم من النباتات العضوية (FarmEVs) جامعة دمنهور تحتفل بيــــــوم التراث العالمي استكمال رصف فرعيات شارع الجمهورية بحوش عيسى بتكلفة إجمالية 4 مليون و 500 ألف جنية وزارة الصحة بالشرقية يتابع الخدمات الطبية بمستشفى الزقازيق العام المخرجة السويسرية «عايدة شلبفر » مديرا للأفلام الروائية بمهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي

عمرو الزيات يكتب« القطع المتوازي » في قصيدة نام الحبيب لمحمد ناجي

عمرو الزيات
عمرو الزيات

ثمة تقنية درامية تستخدم في السينما تسمى القطع المتوازي ؛ حيث يعمد ( المخرج ) إلى التداخل بين حدثين دراميين متوازيين يحدثان في الوقت نفسه ، وتوحي بعلاقة بينهما ، أو مفارقة من نوع ما ، وربما تستخدم هذه التقنية لإظهار التناقض بين الفعلين ، ويُعتمد في هذه التقنية على جذب انتباه المتلقي ؛ حيث يشاهد – من خلالها – الفعلين في وقت واحد .

نجح الشاعر محمد ناجي في توظيف تلك التقنية في قصيدته ( نام الحبيب ) فأوحي إلينا بالقطع المتوازي في مطلع النص ، وخصوصا الشطر الأول ؛ فقد رسم صديقنا ناجي معالم المشهدين الدراميين المختلفين : الأول حالة من الهدوء والسكينة ( حالة المحبوبة ) التي ملكت قلبه وعقله معا ، وفي ذكاء شديد يشير لما تعيشه المحبوبة من الطمأنينة ، وكيف لا وهي تعلم أن شاعرنا متيم بها ؟ قد استطاعت أسر فؤاده ؛ فلا يستطيع من حبالها فكاكا ، الثاني حالة السهد والأرق وعذاب الحب ( حالة الشاعر ) ، إنها البراعة الفنية والموهبة الطاغية في بناء المشهد الدرامي . شاعرنا يمضي ليله - شأن كل العشاق - في أرق يكابد آلام الحب ؛ وهو مشغول القلب بمحبوبته ( أضناه ) بُعدها ، فيسأل مستنكرا ( كيفَ الرُّقادُ بِشَوقٍ فيَّ مُضطرَمِ؟! ) لكنه اعتاد ذلك من محبوبته ، وكعادة العاشقين يشارك شاعرنا غيره ممن عذبهم الحب وأقض مضاجعهم ، ولمَ لا وهو أكثر الناس إحساسا بهؤلاء المعذَبين ؟ لا لستَ وحدَكَ إنِّي هاهُنا أَرِقٌ والدمعُ ثالثُنا هيَّا لِنقتسِمِ يبلغ الأرق قمته حين تتداخل تلك الأفكار ، وتتصارع بعقله ، فيوجه تلك الرسالة التي تحمل معاني التحدي والزجر ( كف ) لكل من يلومه في حبه ، ثم يأتي التعليل للأمر ( كف عني ) فلا جدال في حقيقة الحقائق ( فالهوىٰ قَدَرٌ ) يا لائمي كُفَّ عنِّي فالهوىٰ قَدَرٌ لو كنتَ ذُقتَ الهوىٰ أَعذَرتَ لَمْ تَلُمِ بعد المشهد السابق ( القطع المتوازي ) نحن - الآن - أمام الشاعر الذي يفدي محبوبته بكل غال ؛ لترضى ، وما أعظم رضاها نعمة ! أَفديكِ يا حُلْوَتي إنْ تَرتضي وَصَبي عَدَدتُ منكِ الرِّضا مِن آثَرِ النِّعَمِ لكنه يعود فيسألها الرحمة به ؛ فهو المحب الذي اختار الحب شرعته ، وهو صادق كل الصدق في حبه إن أقسم أبر ؛ لكن مازال اللائمون يلحّون عليه محاولين إبعاده عن محبوبته ، وهو عنهم معرض غير مكترث : إنْ قِيلَ لي:تُبْ عنِ المحبوبِ قُلْتُ لهُمْ: لا والذي خَلَقَ الإنسانَ من عَدَمِ إن بناء الفعل ( قيل ) للمجهول فيه دلالة على بُغض الشاعر للقائلين ، كما يوحي بكثرة اللائمين واستهجان الشاعر ذكرهم ؛ فليس لهم قلوب مثل قلبه العاشق الذي يتمنى الوصل ، بينما هم يفرقون بين الأحبة ، فما أقبح هؤلاء البشر! حيث يطلبون منه أن يتوب عن حبه ، ويترك محبوبته ؛ لكن هيهات كيف يتوب؟! ( لا والذي خَلَقَ الإنسانَ من عَدَمِ ) من آيات البراعة لدى شاعرنا حسن اختيار البحر الشعري ( البسيط ) ذلك البحر الأثير لدى محمد ناجي شأنه شأن الفحول من الشعراء ، وهو البحر الذي يقوم إيقاعه على التجاوب الناتج من ترديد تفعيلتين ( مستفعلن / فاعلن ) ذلك التجاوب جاء – عمدا - ليرشح ما ذكرناه من تقنية ( القطع المتوازي ) حالة المحبوبة ، وحالة الشاعر ، ثم تأتي قافية ( الميم المكسورة ) لتؤكد حزن الشاعر وأرقه ، ومعلوم أن ( الميم ) من القوافي الموحية بالتعظيم والاستعصام ... أما اختيارها مكسورة تحديدا برهان شاعرية محمد ناجي في إثبات معاني الحزن والأرق التي يعيشها.

وبعد ، فهذا النص يمثل شعر مدرسة الجن وكيفية استخدام شعرائها للغة ؛ حيث اللغة البديعة الفصيحة ، وهي سمة أصيلة في جميع شعراء المدرسة ، وإن كان لكل شاعر معجم شعري خاص يميزه عن رفاقه. أحسن الشاعر بناء قصيدته لغة ، وموسيقى ، وتقنيات فنية ، وخيالا مبتكرا مميزا ؛ فالخيال وليد عاطفة الشاعر ، وكأنه قُدّ لها قدّا ، ومن تلك الصور : أعدَدتُ للسُّهْدِ منِّي مَدمَعًا سَجِمًا قِرَىً لهُ وطَعامُ السُّهدِ من سَقَمي فعاشقنا الأرق يقري السهد من دموعه شرابا ، وسقم بدنه طعاما ، تآلفت المكونات السابقة ، فكوّنت جميعا لوحة فنية فريدة تفرد صاحبها .