جريدة الديار
السبت 20 أبريل 2024 04:57 صـ 11 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

«نيفين عبيد» تكتب : حواديت في مكتب البريد

نيفين عبيد
نيفين عبيد

عندما أتى الصبح ، و كنت على موعدا مع جمهورية كرداسة ، استقللت سيارة أوبر ، و سارت السيارة بنا حتى اختفت معالم المدينة ، و وجدنا أنفسنا نغيب عن مظاهر الحضارة و المدنية التي أخذت تتآكل رويدا رويدا ، و وصلت بنا السيارة إلى الموقع المحدد على الخارطة ، و لكن الشوارع كانت تضيق و تضيق فهي مفترشة بالأسواق و الباعة ، و نصحنا أحد المارة بالهبوط من السيارة ، و السير على الأقدام للمكان المقصود ، فاستمعت لنصيحته و استسلمت لها بعد أن وجد الكابتن صعوبة و إحالة الوصول .

و أخذت في السير وسط الباعة و جمع الناس ، و كانت عيناي تلتفتان في كل الاتجاهات ، خشية السقوط في مأزق في ذلك المكان ، ابحث عن ضالتي المرجوة ، و لكنني أخذت في التوهان فاسترشد لبعض المارة في الشارع ، فأشاروا إلي بالمكان ، و سرت إليه و انا أحتسب الخطوات ، فكانت تزيد كلما سرت ، و كانت تلك الكلمات التي ابادها الزمن و اوئدها من غزل المعاكسات قد عادت إلى الحياة ، فكنت أغلق لها اذني حتى لا تلوثه ، و عندما وصلت قدمي إلى المكان المقصود فهو ادارة كرداسة التعليمية ، ذلك المكان الاشبه بالخرابة فهو غير آدمي ، في مدخله تستقر أكوام القمامة ، و كأنها استأجرته من الحكومة ، ويجلس مواجهة القمامة موظف على مكتبه الذي يعتقد من يراه إنه جلبه من أحد أكوام القمامة ، و سألت عن الموظفة المسئولة فنصحني بالانتظار أمامها بعض الوقت للحضور .

و أشار إلي للجلوس على ما اسماه مصطبة ، فهي مصنوعة من بناء الطوب المغطى بالسيراميك ، و جلست عليها و رأيت النمل بجنوده الكبيرة يسيرون في طوابير منتشرين في الأرجاء ، فخشيت أن تلامسني فتصيبني لدغة منها ، فقمت بالوقوف ، و قد أتت الموظفة لأخذ توقيعها و أصعد لاستكمال أوراقي ، لتكون الخطوة القادمة في مكتب البريد ، الذي يتواجد داخل سورا كبيرا لمركز خدمة التكنولوجيا ، مكتب البريد ، و مكتب شئون الطلاب ، و الوحدة الصحية ، و بعض الحمير و عرباتها ، دخلت إلى مكتب البريد لأجد صفوف من البشر تنتظر شراء ورقة يتوقف عليها مستقبل أولادهم ، وترددت بالوقوف معهم ، و لكن الازدحام منعني من الخروج ، فاضطررت البقاء و كان الاستسلام أشبه بسجن كنت انا الحاكم فيه ، و هنا بدأت الحواديت المصرية تنسج خيوطها و تتشابك ، فكان الحر الشديد هو ملهم تلك الحكايات ، و البطل الرئيسي وراء نبع كل أقصوصة ستأتي ، بدأت عندما اصطففت مع السيدات في طابور طويل ، يوازيه طابورا آخر للرجال ، أمام شباك واحد و موظف واحد ، في حالة مكوث باقي الموظفين دون عمل أمام نوافذهم ، و بدأ الزحام يشتد و الحر يسابقه ، و الظمأ يسيطر على الحاضرين و كأننا كنا في يوم الحشر ، و طلبت سيدة من تلك النسوة كوب من الماء ، واحضرت لها عاملة النظافة كوب مصنوع من الألمنيوم ممتلئ بالماء ، الذي أخذت تغتسل تحته بسكب الماء على رأسها ، لتتخلص من شدة الحرارة ، و سيدة أخرى يقنعها أحدهم متخذا حيلة انا اعرف كل الناس و امتلك من الوساطة ما يمكنني من فعل كل شيء ، يقنعها انه يستطع أن ينهي أوراقها في برهة من الوقت ، لتستجب له و تقف بجواره و تكن وقيعة شباكه ، و يكون ركن الحائط شاهدا لتحرشه بها ، و لم ترفضه فهي واقعة تحت سذاجتها انه سينهي لها مطالبها ، و ينجدها أهوال الانتظار و الازدحام ، لتكتشف نهاية كذبه و خديعته بعدم قدرته عن حل أوامره .

و تأتي سيدة أخرى تحمل طفلا رضيعا و الحر الشديد أخذ يزيد صراخه ، فتضعه على جدار أحد النوافذ ليشتم القليل من هواء التكييف ، الذي كان بالنسبة للعوام منهم الجنة المرجوة ، و تأتي حكاية تلك الأم التي تجري و تعمل و حضرت لشراء حوالة تعليمية لتمكين ابنها من إتمام تعليمه ، و تشتكي من معاملته السيئة لها ، فهو يعمل و لا يساعدها على الحياة ، و أخرى تشتكي زوجها الذي لا يحمل للمسئولية شيئا فهو يلقي إليها كل أعباء الحياة لتحملها وحدها ، فهو دائما متغيب عن بيتهم ، و يعطيها القليل من المال لتعمل هي و تسد ذلك العبء ، و تأتي تلك الصرخة من إحدى السيدات ، مطالبة النجدة ، فقد ( طش قرنها ) .

كما قالت و لفظت هي و تطالب السيدات بمنحها دورهم و الجميع في رفض نام بعد أن ذهبت عنهم نخوة المصريين ، و يشتد الزحام لنجد سيدة تصفع رجلا بيدها على وجهه فقد استغل الزحام و تحرش بها ، و تأتي المرأة الكاذبة المدعية تواجدها في بداية الصف مدعية ذهابها لجلب بطاقة تحقيق الشخصية ، و تبادرها النسوة بالتهديد و افتعال مشاجرة معها و جرها من شعرها ، و تسقط إحدى الفتيات مغشيا عليها شهيدة الحر و الزحام و العطش لتكتشف إحدى النسوة حمل تلك الفتاة بطريقة غير شرعية من أحد الشباب ، فقد اوهمها بالحب و كان غدره نصيبها من الحياة القاتلة ، لتلبس ثوب العار و الخزي ، و يبحث هو عن طريدة جديدة ، لتهمس أحدهما في اذني بكلمات وقعت علي كسوط من النار ، فقد وصفتني ببضع من الكلمات ، مثل انت كيوت ، و رقيقة ، و جميلة و بيضا و اجد أصابعها تحاول ملامستي لاخرج لها من رقتي و ابادرها بشخصية عنيفة تهددها يوقع الفضيحة و الخزي ، و يشتد الحر ليساعد في اندلاع الشجار و تعارك النساء لتخرج منهن وحوش ضارية ، تحاول الفوز بمقدمة الطابور ، لتنتهي عند صراعهن الزحام و تنتهي حواديت مكتب البريد ، للحديث بقية لم تنتهي بعد .