جريدة الديار
الخميس 25 أبريل 2024 12:16 مـ 16 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

إبن الذوات الفنان الراحل «سراج منير» هجر الطب ليصبح ممثلاً

سراج منير
سراج منير

ولد الفنان الراحل سراج منير ، في يوم 16 أغسطس عام 1901 ، وتتضارب المعلومات حول تحديد مكان نشأته بين شبرا وباب الخلق واسمه الحقيقي سراج منير عبد الوهاب، لأسرة ميسورة الحال حيث كان والده "عبدالوهاب بيك حسن" مدير التعليم في وزارة المعارف آنذاك ومن أخوته المخرجان السينمائيين حسن وفطين عبد الوهاب.

الفنان الراحل درس في المدرسة الخديوية وكان عضوا بفريق التمثيل بها، وذلك على إثر حادثة طريفة حين دعاه بعض أصدقائه إلى سهرة في منزل أحد الزملاء، ولدى وصوله المنزل المقصود فوجئ بأن السهرة عبارة عن مسرح نُصب في حوش المنزل، والحاضرين يشتركون في تمثيل إحدى المسرحيات، وكان سراج منير هو المتفرج الوحيد، ومن هنا وُلدت داخله هواية التمثيل.

استمر سراج منير في ممارسة التمثيل بالمدرسة حتى أنهى دراسته الثانوية.

قرر والده ان يرسله إلى ألمانيا لدراسة الطب ، وبالفعل سافر وبدأ فى دراسة الطب، ولكنه لم يستطع نسيان عشقه للتمثيل.

تعرف هناك علي مخرج ألماني فسهل له العمل في السينما الألمانية مقابل مرتب ثابت، وبدلاً من العكوف على الدراسة، أخذ يطوف استوديوهات برلين، عارضاً مواهبه حتى استطاع أن يظهر في بعض الأفلام الألمانية الصامتة، وفى تلك الفترة أدرك أنه لن يستطع أن يكون طبيباً، ولن يصبح إلا ممثلاً فقط وانصرف عن دراسة الطب .

التقى سراج منير بالفنان محمد كريم، حيث درسا الإخراج السينمائي معاً، وبعد عام واحد في برلين، انتقل إلى ميونخ حيث كان يوجد أكبر مسرح في ألمانيا، وكان معه في تلك الفترة الفنان فتوح نشاطي.

وقبل أسابيع من بداية الحرب العالمية الثانية، تلقى سراج منير برقية من فرقة مسرحية مصرية تستدعيه للعمل معها، فترك ألمانيا عائداً إلى وطنه، وكانت هذه البرقية بمثابة المنقذ من الأسر بالنسبة لسراج منير، حيث بدأت ألمانيا الحرب بدخول النمسا، وتفاقمت الأوضاع، ولم يتمكن مصري واحد من الخروج من ألمانيا إلا بعد ست سنوات. فعاد لمصر و أخبر أسرته بتركه للدراسة ونيته العمل فى مجال الفن، مما شكل صدمة للأب الذى حلم بأن يرى ابنه طبيبا ، فرفض بشدة وضغط عليه حتى يعمل فى مهنة أخرى، فاستجاب سراج لضغط والده، وعمل مترجماً فى إحدى الهيئات الوزارية، ولكنه لم يستطع الاستمرار فى مهنة لا يحبها، فترك الوظيفة وانضم لفرقة يوسف وهبى، وقدم عدة عروض مسرحية ، ثم اختاره صديقه المخرج محمد كريم والذى تعرف عليه فى ألمانيا لبطوله فيلمه الأول زينب عام 1930 أمام الفنانة بهيجة حافظ، وكان هذا أول أدواره فى السينما، لينطلق بعدها ويقدم العديد من الأدوار المتنوعة، ورغم أنه لم يكن بطلاً، إلا أن أدواره كانت مؤثرة، وتركزت معظمها فى أدوار الشر، حيث ساعدته هيئته الضخمة وملامحه البارزة فى إتقان هذه النوعية من الأدوار كان سراج منير كفنان يبذل أقصى جهده لكي يصبح علماً بارزاً من أعلام الفن.. كان يشعر في قرارة نفسه بالندم لأنه لم يستكمل دراسة للطب .

عاد من ألمانيا ليجد كل أفراد أسرته اعتلوا مناصب بارزة ونالوا شهرة واسعة في الحياة الاجتماعية لهذا سعى ليكون من المشاهير في دنيا الفن، ليعوض ذلك النقص الذي كان يشعر به في وسطه الاجتماعي.

حرص في بداية حياته المسرحية على أداء أدوار معينة تتميز بالجد والرزانة، وذلك حرصاً على مظهره الاجتماعي.

إلا أن الفنان زكي طليمات أثناء إعداده لإخراج أوبريت “شهرزاد” رشحه للقيام بدور “مخمخ” فثار سراج منير وغضب، واتهم زكي طليمات بأنه يريد تحطيم مكانته الفنية، لكن “طليمات”، الذي كان عنيداً جداً في عمله، أصر على إسناد الدور لسراج منير، وبدوره انصاع لذلك، وعرضت المسرحية وارتفع سراج منير إلى قمة المجد كممثل مسرحي، واكتشف في نفسه موهبة جديدة كممثل كوميدي، كما أسند إليه أيضاً دور البطولة في المسرحية الهزلية “سلك مقطوع”، وذلك بسبب مرض بطلها فؤاد شفيق، فنجح سراج منير نجاحاً ملحوظاً.

بالإضافة إلى أدواره في المسرح، كانت هناك السينما التي أعطاها الكثير من فنه، فقد خاض سراج منيرالحياة السينمائية ممثلاً ومنتجاً، وقدم ما يقارب المائة فيلم سينمائي، قام ببطولة 18 منها، أما فيلمه “عنتر ولبلب” عام 1945 فقد كان نجاحه الجماهيري أكبر تعويض له عن شعوره بالنقص، حيث أن شهرته في هذا الفيلم قد جعلت لشخصيته في الحياة توازناً اجتماعيا يتناسب مع وسطه الاجتماعى وقدم "سراج"، العديد من الأدوار الهامة التي حفرت في أذهان الجمهور، ورغم عدم تقديمه أدوار بطولة ولكنه بدأ حياته كـ"بطل" في بعض الأفلام، منها "السبع فندي" وهو فيلم خيال علمي، حيث ساند صديقه الفنان سعيد أبو بكر في البطولة الوحيدة له في السينما المصريةكتجربة أفلام الخيال العلمي فشارك "سراج"، الفنان عبدالحليم حافظ، في بطولة فيلم "ليالي الحب"، حيث ظهر العندليب في الفيلم مجسدا دور مخترع قماش لا يحترق.

كماجسد أيضا شخصية الرجل الطيب والأب الحنون فى العديد من الأفلام منها شباب امرأة، علمونى الحب، بنات اليوم من المتعارف عليه، أنه بمجرد سماع اسم فيلم "عنتر ابن شداد"، تتذكر الفنان فريد شوقي فقط، ولكن الواقع أن الفنان سراج منير قدم فيلم "عنتر" عام 1945، من قبل "وحش الشاشة".

ظهر سراج، مرة أخرى متقلدا زي عنتر بن شداد، في فيلم مع الفنان إسماعيل ياسين في فيلم "المليونير" قدم العديد من الأعمال في مشواره الفني على مدار ثلاثون عاما، ومن أبرز أعماله السينمائية: "ابن الشعب، زينب، البؤساء، قلوب دامية، عنتر وعبلة، الحب العظيم، نهاية حب، الوسادة الخالية"، كما جسد أيضا شخصية الرجل الطيب والأب الحنون فى العديد من الأفلام منها شباب امرأة، علمونى الحب، بنات اليوم، وعلى الرغم من أنه لم يكن ممثلاً كوميدياً إلا أنه قدم دوراً لا يُنسى فى "عنتر ولبلب" شكل علامة فى تاريخه ، عاش سراج منير قصة حب عنيفة مع الفنانة ميمى شكيب، والتى اشتهرت أيضا بأدوار الشر فى معظم أفلامها، وكانت قصة حبهما وزواجهما من أشهر قصص الحب والزواج فى الوسط الفنى عشرة طويلة لم ينهيها سوى الموت بدأت القصة أثناء مشاركتهما معاً فى فيلم ابن الشعب 1934، حيث قام سراج منير بدور شاب فقير يقع فى حب ابنة أحد الباشوات، ورغم المعوقات الاجتماعية إلا أنه يكافح حتى ينجح فى الارتباط بحبيبته، وتحولت قصة الحب أمام الكاميرا إلى قصة حب حقيقية، حيث تمنى سراج أن تنتهى قصة حبهما بالنهاية الطبيعية وهى الزواج، ولكن لم يتحقق حلمه بسبب التقاليد السائدة فى تلك الفترة، فقد رفضت أسرته زواجه بميمى لأنها فنانة ، كما أنها مطلقة ولديها ولد ، فحاول الابتعاد عنها ولكنه لم يستطع، فترك فرقة يوسف وهبى وانتقل لمسرح نجيب الريحانى ليكون بجانيها، وتعاطف نجيب الريحانى مع قصة حبهما، فحاول مراراً التوسط لدى أسرته لتوافق، وبعد محاولات مضنية استمرت سنوات، وافقت الأسرة ليتم الزواج عام 1941 بعد قصة حب عنيفة استمرت 7 سنوات.عاش سراج منير وميمى شكيب حياة هادئة وسعيدة لمدة 16 عاما على الرغم من أنهما لم يرزقا بأبناء، وشكلا أشهر دويتو شر فى السينما، حيث قدما سوياً العديد من الأفلام مثل «الحل الأخير» عام 1937 و«بيومى أفندي» عام 1949 و«نشالة هانم» عام 1953 و«ابن ذوات» و«كلمة الحق» عام 1953 دهب وغيرها من الأفلام التى شكلت علامة فى تاريخ السينما. لم يكتف سراج منير بالتمثيل لكنه قرر اقتحام مجال الإنتاج ،في الوقت الذي تدهورت فيه صناعة السينما، وفقدت سمعتها وهبطت فيها مواضيع الأفلام بعد أن اقتحم السينما أغنياء الحرب، ولم يختار قصة رومانسية أو كوميدية بل اختار قصة وطنية تصور حقبة من تاريخ مصر ، فكان فيلم حكم قراقوش عام 1953 والذى تكلف إنتاجه 40 ألف جنيه، بينما إيراداته لم تتجاوز عشرة الآف جنيه، مما اضطره لأن يرهن الفيلا التي بناها لتكون عش الزوجية مع زوجته الفنانة ميمي شكيب، وأصيب بالذبحة الصدرية ولكنه تعافى منها وقرر استئناف نشاطه الفنى، وفى مساء 13 سبتمبر 1957 عاد لمنزله بعد انتهائه من المسرح، وأصيب بأزمة قلبية، فقامت ميمى شكيب مسرعة باستدعاء الأطباء لإسعافه، ولكنهم لم يتمكنوا من إنقاذه ليرحل فى هدوء تاركاً تاريخاً فنياً مشرفاً وأعمالاً لا تنسى.

رغم قصة الحب التى استمرت بين ميمى شكيب وسراج منير حتى وفاته، إلا أن العلاقة لم تكن جيدة مع الأسرة التى رفضت الزواج منذ البداية، وبعد الوفاة تجددت الخلافات مرة أخرى بعد اتهام والدة سراج منير لزوجته ببيع أثاث المنزل حتى لا تمنحهم حقوقهم ، لترد عليها فى الصحف قائلة أنه مات مديوناً، ولم يترك لها شيئا وسواء توفى سراج منير مفلساً أو غنياً كما أكد أهله فإن الحقيقة المثبتة التى لا يختلف عليها اثنان أن أدواره كانت تميمة النجاح لكثير من الأعمال الفنية الخالدة.

وبسبب شبح سراج قررت ميمي أن تغادر مسكن الزوجية إلى بيت آخر لا يوجد فيه "شبح" زوجها وذكريات أيامهما الجميلة، على حد وصفها، حيث قالت"لم أستطع أن أعيش في الشقة التي كنا نعيش فيها معا، لأن كل ما فيها يُذكّرني به، لقد بقيت 40 يومًا مذهولة على أثر الصدمة ولم أكف عن البكاء، ولقد قمت بتغيير قطع كثيرة من الأثاث وكنت أتذكره كلما أراها وتثير في نفسي الحزن والشجن". ولم تتزوج ميمى شكيب حتى وفاتها بعده بحوالى عشرين سنة وبالتحديد عام 1982.