جريدة الديار
الجمعة 29 مارس 2024 01:33 صـ 18 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

نيفين عبيد تكتب: لم تقصد قتل حبهما

عاشت طيلة حياتها ملكة ، كانت دائما تتوسط الزحام ، يودها الجميع و يطلب التقرب منها ، جمالها و شبابها من جعل منها ملكة متوجة، و جعلها ملكة كونها و عالمها ، حتى بدأ العمر و الشباب يهربا منها ، و بدأت معالم الشيخوخة تسكنها ، هنا انكسرت عندما رأت أصحابها و محبيها يفارقونها ، و الوحدة تقترب منها ، و مجتمعها الواسع أخذ يضيق و يضيق ، حتى تقلص في أولادها ، و بدأت تصب عليهم اهتمامها ، و لكنهم رأوه تسلطا منها ، و أخذوا ينفرون و يبتعدون عنها ، و وجدت نفسها وحيدة منفية بين جدران منزلها ، لا تحادث غير صور الماضي ، و تقص لنفسها روايات المحبين و الأصدقاء ممن كانوا يعزفون على جمالها ، بدأت تصرخ و تغضب و تثور على الجدران ، فلم ترد تلك الحياة الساكنة ، فقد كانت طيلة حياتها تعيش الصخب و تبيت وسط الضوضاء ، حتى أتاها الغضب بفكرة جديدة عليها ، وأرشدها لشراء زورق بخاري بمحرك كهربائي ، و اتخذته مسكنا لها ، تجوب به البحار ، لعل حياتها وسط الأسماك و المياه و الأمواج المتلاطمة ترحمها الوحدة ، و في ذات ليلة تسلل شاب مركبها هربا من الديانة ، و رأته و كانت الوسامة تسبقه حديثا ، و لابقة لسانه جذبتها إليه ، و بدأ يقص عليها حكايته مع هؤلاء الشباب ، و دينه لهم و كيف وقع تحت رحمتهم ، فهو ذلك الشاب الذي تخرج في إحدى الجامعات ، و لكن حبه للموسيقى جعله يتشرد بسببها ، باحثا عن فرصة مما أوقعته تحت رحمة أولئك الشباب ، من العمل معهم في بيع و تجارة المخدرات للسائحين ، و لكن حبه للموسيقى جعله يتمرد و يتسبب في دينه عندما منح السياح المخدرات كرشوة حتى يستمعوا لموسيقاه و يجد منهم جمهورا ، و لو لبعض الوقت ، مما ورطه مع أولئك الشباب فهم يرغبون في أموالهم التي اضاعها ، لذلك كان يهرب منهم ، حزنت له و هي تستمع لقصته ، و تذكرت الصخب الذي كان يملأ دنياها و غادرها لمغادرة جمالها لها ، و اندفعت تعرض عليه ، أن يعمل لديها على المركب مقابل أن يسكن معها و يؤنس وحدتها ، و سارعها بالموافقة ، و سكن لديها بعد أن قامت بتسديد ديونه ، و كان عند الصباح يعد لها مائدة الإفطار ، و يبدأ في تحريك المركب ، و يطوف بها البحار ، و أخذت تتذكر معه قصصها و مآثرها ، و كيف كان شبابها جاعل منها قديسة لدى الجميع ، و كيف عندما غادرها ذلك الجمال و الشباب سبقه الجميع في مغادرتها ، بدأت تطلب منه أن يعزف لها بعض موسيقاه و يطربها بصوته ، الذي رأت فيه شبابها يجمعها به ، و جعلت تقترب منه ، فكان صوته دافئ دفء البحر عند تساقط أشعة الشمس عليه ، و موسيقاه تلامس وأحاسيسها كملامسة الرياح الهادئة لجسدها ، أوشكت أن تعترف له بحبها و عشقها الذي سكنها ، و كانت تكتمه خشية من المجتمع او ان يرفضه هو ، و لكنه أصبح يتقرب إليها اكثر منها ، فقد كان الحبيب الذي يسعد معشوقته دائما ، كان يحنو عليها ، و يدللها ، كتب لأجلها الكثير و الكثير من الأغاني التي اعادتها للشباب من جديد ، صارت كلماته تلامس جسدها و من قبلها مشاعرها ، حتى أعدت العدة للاعتراف له ، وفي ليلة هادئة طلبت منه أن يجهز المركب للمغادرة ليلا ، لأنها ترغب الاستمتاع بالنجوم تحت وسادة السماء الداكنة و ولعة القمر ، و لكنه أيضا كان يعد لها اعتراف آخر ، في تلك الليلة ارتدت من أزياء الشباب التي كانت تنير جسدها ، و عطرت برائحة الزهور المختلطة ببهجة البحر و تزينت ببعض الجواهر التي أعادت إليها الشباب ، و طلبت منه ان يجعل القارب يسير ، و لكنه أخذ يعطل المسيرة و كأنه ينتظر ضيفا للحضور ، فأخذت تثير رغبته فيها بدلال الفتيات ، و تقترب إليه بود العاشقات ، و تتوسل اعترافه بلمسات الحب المجنون ، حتى بدأ يجيب ذلك الحب و يوقظه داخله و كأن تلك الرغبة ضلت طريقها و أعادها إلى الطريق ، و أخذ شغف الحب يقترب منهما ، و تلك النار تشتعل و تطلب المزيد من حطب العشق لتكون ثورة ، و سرق من الزمن تلك القبلة التي فتحت أبواب جنة جهنم ، حتى رأى ذلك الظل الذي يقف في مواجهته ، و جعل الجنة تغلق أبوابها ، لتقذفه لنار جهنم ، فهي حبيبته الفتاة العشرينية العمر قد حضرت ، لتجده في حضن تلك العجوز ، التي أخذت الفاجعة تعيد إليها شيخوختها ، عندما رأته يقف و يدافع عن نفسه ، أمام الحبيبة التي أخذت تنسحب من هول الفاجعة ، فقد ألقت في وجهه خاتم الحب المعطل للفقر ، و لم تستمع لاعترافه و دفاعه ، كيف تستمع و قد رأت الخيانة في حضنه ، و تركته و غادرت طالبة بعدم اتباعها حتى لا تكون جهنم التي يطاردها ، و عاد للعجوز ، التي رأت نفسها سارقة مخادعة شيطانة سلبت الحب منهما ، و قبل أن يقص عليها حكايته ، أخذت تتوسله الغفران لها ، و تطلب مسامحتها ، فقد خدعها شيطان حبها و اغراها بلطف معاملته ، لكنه سابقها و طلبها بعدم الاعتذار فقد انقذته مسبقا ، و أعترف لها أن تلك الفتاة هو سره الذي أراد أن يفاجئها به ، لأنه رأى حضنها حضن أمه التي فقدها ، فضمته إليها و طلبت منه و من ربها الغفران ، و كان قربانها أنها ستصارح الفتاة و تتوسلها لتعود إليه ، و لكنه طلب الانتظار حتى يبدأ معها ، و لكن الفتاة أصرت على أن يترك العجوز أو يتركها فقد رأت بعينيها خيانته ، كيف تقبله و تراها ، كيف ستعيش مع لحظات الخيانة أمامها ، و أخذ الألم يرهبه و يذكره بحياته السابقة للعجوز ، و كيف عاش طريد الدين ، أخذ الشيطان يتسلل عقله ، و ينصحه بالانتقام من تلك العجوز التي سلبت حبه ، و أن يجعلها وسيلته في عودته حبه من جديد ، فأخذ يعد لها خطة النهاية و البداية له ، ذهب للعجوز و اقنعها بعودة الفتاة له ، و طلب منها أن يكافئها برحلة القمر التي طلبته منه في تلك الليلة ، ففرحت و بهجت لها ، لكن الرحلة لن تكن لعاشقين بل رحلة أم و ابنها ، و خرج و القمر كان مرشدهما ، و النجوم تلك اللآلئ التي تنير طريقهما ، و السماء يقتحمها الشيطان بظلامه ، و أخذت المركب تطوف حتى اقترب منها و أخذ يقبل يديها ، و يسألها الغفران ، فتعجبت و بدأت تسأله ، و لكن إجابته كانت طاعنة ، عندما اخترق صدرها بذلك السكين ، الذي جرح معه امومتها التي رغبت ان تمنحه ، لم تقصد أن تقتل حبه ،