جريدة الديار
الخميس 18 أبريل 2024 09:00 مـ 9 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

حريات الشعوب ...!

تعبيرية
تعبيرية

تعد الحرية مطلبا وضرورة ملحة للفرد والمجتمع والشعوب كافة وهي بذلك مطلبا قانونيا وشرعيا لاتستقم حياة الفرد إلا بوجودها ..

وهي ليست كلمة أو مصطلح يطلق جزافًا للتعبير عنها في الأحاديث التي تتداول بيننا بل أنها تشغل حيزاً كبيراًمن عقل الإنسان وتفكيره ...!

فهي ذا قيمة نفسية ومقدسة ومن أجلها قامت الحروب والويلات والنكبات على مر العصور ..

كما أن للحرية مفاهيم ومعايير عدة تختلف بأختلاف الزوايا التي ينظر إليها من المصطلح نفسه ..

فلو أتينا لننظر إلى نظرة الإسلام مثلاً كيف يراها ويتعامل معها ..

ففي وجهة نظر الإسلام يختلف مفهوم الحرية عن مفهومها في الغرب ..

فماذا تعني الحرية وبماذا تختلف عند الغرب وكيف نشأت وماهي :

ولو عرفنا الحرية في المفهوم الغربي لرأينا أن ماورد في قاموس ( Letter ) أن الحرية هي وضعية الإنسان الغير مملوك هذا عرفياً أما قانونياً فهي ( قدرة الأفراد على ممارسة الأنشطة التي يريدونها دون إكراه على أن يكون تحت نظر ومرئى القانون الذي ينظم المجتمع الذين يعيشون فيه .

وتعريف الحرية لغوياً :

جاء في معجم لسان العرب أن الحرية هي التي متأتية من مفردة الحُر من كل شيئ العتق والإحسان والصواب والشيئ الحُر هو كل شيئ فاخر وفي الأفعال هو العقل الحسن والأحرار من الناس وأخيارهم .

وتعريفها أصطلاحاً :

تعددت تعاريف الحرية عند المذاهب المختلفة..

لكنه ورد في إعلان حقوق الإنسان الصادر عام 1789 على أنها ( حق الفرد في أن يفعل مالايضر بالاخرين من أقرانه من أفراد المجتمع الذي يعش فيه تحت نطاق حريته المتاحة دون المساس بالخطوط الحمراء التي هي ليست من شأنه ..

والحرية في الإسلام هي ( ماوهبه ألله للإنسان من مُكنة التصرف لإستيفاء حقه وإداء واجبه دون تعسف أو أعتداء ) وعند الغرب هي الأنطلاق بلا قيد والتحرر من كل ضابط والتخلص من كل رقابة ولو كانت تلك الرقابة نابعة من ذاته هو ..!

نشأة الحرية :

يرجع أصل مصطلح الحرية إلى الكلمة اللآتينية ( Liber ) والتي تعني قدرة الإنسان على التحرك والتصرف والقيام بأي عمل بوجود أدنى حد من القيود .

وقد ظهر هذا المصطلح للمرة الأولى بصدور مرسوم من الحاكم سادرس الذي أقر بمنح الحرية الدينية للمسيحيين ثم ظهر المصطلح مرة أخرى في قسطنية مع مرسوم ميلانو عام 313 م وذلك عندما ورد عن الكنيسة الكاثوليكية ( أن الإنسان خُلق حُراً لكنه أساء أستخدام الحرية عندما أكل ثمرة من ثمار شجرة معرفة بالخير والشر ) .

ولو تتبعنا حالة الشعوب التي أحدثت نهضة وتغيير في حياة بلدانها سنجد أن للحرية بمفاهيمها المختلفة كان نصيب وافر في تحقيق ذلك نعم .

قد لاتكون الحرية وحدها أداة النهوض ولكنها بالتأكيد أحد دعائمه المركزية..

ولم تكن الشعوب لتنهض بدونها .

فهي أحد وجوه التلازم التي نشاهدها مصاحبة لمسيرة الدول التي حققت ماتصبو إليه من نهضة حضارية وأبداعات عمرانية بشكل لاتخطئه عين المشاهد لما هو قائم أو القارئ للصيرورة التأريخية وحرية الشعوب والأمم .

فالحريات العامة ضرورة حتمية كالماء والهواء ولايمكن الأستغناء عنها ..

أن الفترة التأريخية التي كانت تسودها أنظمة الرق والعبودية هي التي ساعدة على أطلاق الثورة التحررية التي أنتقل بها البشر من هذه الحقيقة التأريخية المظلمة إلى أجواء الأعلان العالمي لحقوق الإنسان التي أستطاع بها أن يسترد حقوقه التي من شأنها التمتع بكافة أنواع الحريات المختلفة .

لقد كان هناك مذهبين للحريات العامة الأساسيين منها المذهب الفردي ..

الفرد هو الأساس في المجتمع والمذهب وهو حجر الزاوية لها في الفلسفة والدولة وما الدولة إلا حارساً أميناً على تلك الحريات ..

فهي تكفل المصالح وتحافظ على حقوق الأفراد التي دفعت بفكرة الحريات العامة دفعاً قوياً إلى الأمام على يد مفكريها و فلاسفتها . المذهب الجماعي :

وأن السبب في ظهوره هو ماأحدثته الثورة الصناعية من بطالة قاسية بين أفراد الشعوب وماسببته لها من كوارث إجتماعية وسيادة المذهب الحر في الميدان الأقتصادي لهذا أتجه المفكرون والباحثون إلى أستغلال نظرية أخرى تبتعد عن مساوئ سيطرة الرأسمالي..

وتقضي على التفرقة بين طبقتي أصحاب رأس المال وطبقة العمال .

كان النقد الأساسي الذي قام عليه المذهب الجماعي هو أن الحرية في المجال السياسي ليست إلا تمويهاً للحقيقة ..

إذ أن حصرها في النطاق السياسي ليست إلا صورة من صور الأستبداد لحماية نظام إجتماعي معين ..

ولذا كان هذا المذهب يقوم على تقديم الجماعة على الفرد ..!

وتنشأ في الأنظمة الديمقراطية مؤسسات تمارس السلطة بأسم الأفراد الذين أنتدبوها لهذه المهمة .

من قواعد الحكم الديمقراطي أن تقدم إرادة الأغلبية عن الأقلية مع خضوع الجميع لما يصدر عن السلطات الشرعية من قوانين وسياسات هذه السلطات قد لاتعبر بالضرورة عن إرادة كل فرد في المجتمع منحها تفويضة ودعمه يوم الأقتراع كما أنها قد لاتتمكن من أسعاد وإرضاء كل الأفراد بما تتخذه من قرارات وماتنفذه من سياسات.

لذا لايمنع هذا الوضع من أنقسام المجتمع على فريقين أو أكثر في تأييد ماتتخذه هذه السلطات من قرارات .

الحق في حرية التعبير وكيفية ضمان هذا الحق :

ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسة الحق في حرية الرأي والتعبير للأفراد والدول بأعتباره أحد الضرورات لتحقيق حقوق الإنسان الآخر من خلال نشر ثقافة العدل والمساوة وأحترام الذات وحقوق المواطنة .

وهذا ماضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الحق في حرية التعبير في المادة 19 من كليهما تعد حرية التعبير ليست هامة فقط بأعتبارها حقاً قائماً بذاته وأنما لأنها ضرورة إذا ما أُريد تحقيق حقوق الإنسان الأخرى وأن حرية التعبير والتفكير والمعلومات هي تسهم في تحسين جودة الحكومات بسبل شتى تتبين فيما هو آت :

1_ تساعد في ضمان أن توكل مهمة إدارة الدولة إلى الأشخاص الأكثر كفائة و نزاهة .

2 _ تدعم الحكم الرشيد من خلال تمكين المواطنين من طرح مخاوفهم لدى السلطات .

3 _ تضمن أن يتم النظر بدقة في أساسيات وتشريعات جديدة من خلال النقاشات التي تتداول فيما البين .

4 _ تشجع على تنفيذ حقوق الإنسان الأخرى حيث أنها تساعد على تحسين السياسات الحكومية في كافة المجالات بما في ذلك حقوق الإنسان .

إن ماجاء في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والتي كان الهدف من ورائها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية هو أعطاء تفعيل أكبر حول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهو الذي أشتمل على عبارات أكثر تفصيلاً بغض النظر على أنها مشابهة لما يحتويه الإعلان العالمي فيما يتعلق بالحريات التعبيرية و الفكرية مرة أخرى في المادة 19 منه مبيناً أن :

_ لكل إنسان حق في أعتناق آرىئه دون قيود ومقايضة في ذلك .

_ لكل انسان حق في حرية التعبير ويشمل هذا الحق حريته في ألتماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى أخرى دونما اعتبار للحدود سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو أية طريقة يختارها هو .

هذا ومن الجدير بالذكر أن حرية الرأي والتعبير هي حق من حقوق الفرد والمجتمع والشعوب إذ تعد من أهم القضايا التي لازمت الإنسانية عبر أزمنتها المتعددة ومراحل تطورها المختلفة ..

فهي في نفس الوقت من أثمن المطالب التي ناضلت من أجلها البشرية حتى أبحت جزء من النضال البشري عبر مختلف العصور والأزمنة وأن حرية التعبير هي من الحقوق الأساسية التي يتمتع بها الإنسان فهي حق موضوعي يحضى بأهمية خاصة في المجتمعات الديمقراطية وتعد شرطاً اساسياً لرقي المجتمع وانفتاحة وفي السياق ذاته هناك مانص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 19 والذي جاء فيها على أن لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير كما نصت عليها المادة 10 من الأتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان التي جاء فيها أن لكل شخص الحق في حرية التعبير والرأي وتلقي المعلومات أو الأفكار من دون تدخل السلطات العامة إلا بما هو مخالف لهذه الحقوق والحرية التي تصطدم بخطوط الحكومات .

إذ يلعب التنوع الثقافي دوراً كبيراً يعود به على الفرد والمجتمع ومن أكثر الجوانب والنقاط اهمية في موضوع الحريات لكونه يعتبر أل :

_ المحرك الأساسي والرئيسي للمجتمعات كما أنه أساس التنمية المستمرة لها وللأشخاص والدول مما ينعكس بشكل إيجابي على المشهد العالمي ككل .

_ تؤثر على مسيرة التعليم سواء على الصعيد المحلي أو الأقليمي والعالمي ، و يساهم في تنوع التعليم وزيادة الخبرات والثقافات وتبادلها بين الشعوب ، وهذا يدفع عجلة التطور إلى الأمام .

_ يعطي مزيداً من الخيارات إلى الأشخاص ويزيد من تنوع الحياة وهذا يقلل من الشعور العام بالروتين والملل .

_ أعطا الحرية الفكرية للفرد بالتعبير عما في داخله كثقافةوفكر ونشر مفاهيم التبادل الفكري وتبادل الآراء مع الغير سواء كانت هذه الأفكار سياسية أم أقتصادية . ثقافية . فنية . والدينية .

_ كما أنه يثري من وجهات النظر ويشكل بؤرة لتبادل كل ماهو جديد مفيد ، كما يساهم في تحقيق الديمقراطية بصورة راقية عبر وسائل التواصل .

_ يزيد من تعاون العلماء والمفكرين والسياسين وكافة رجال الدولة وصانعي القرار في مختلف مناطق العالم . _ وفي المحصلة الأخيرة فهو يزيد من الأبداع في مختلف مجالات الحياة .

وفي محصلة النتائج فإن ألله تعالى خلق الإنسان وكرمهُ إذ جعله أعلى مرتبة من المخلوقات منزلة على الأرض كما في قوله تعالى ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً ) ومن أبرز هذه المفاضل والتكريم الإلهي للإنسان هو أن منحه العقل وجعله خليفة في الأرض وأعطاه القدرة على أكتساب العلوم والمعارف الجديدة أضافة إلى أن ألله تعالى عندما كرمه ورفعه أضهر التكريم هذا من خلال أمر ألله سبحانه وتعالى للملائكة ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة 5/6 ) وفي موضع آخر قال ( أرأيت هذا الذي كرمت عليَ لأن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلاً 6/7 ) وفي موضع آخر قال ( إذ قال للملائكة إني خالق بشراً من طين فإذاسويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين 9/10) .

أخيراً فلتعش الشعوب حريتها ضمن إيطارها المفهوم الصحيح دون الخروج عن الضوابط التي تفسد من مفهوم الحرية الصحيح لأنها تساهم في بناء مجتمعات متماسكة ومتوازنة وتحافظ عليها كونها تحافظ على الحقوق الفردية والأجتماعية الخاصة بكل فرد مما يبعد أي أحساس بالقهر لديه وألله الموفق .

بقلم / سفيرالسلام

د . أحمد القيسي