جريدة الديار
الجمعة 29 مارس 2024 05:25 مـ 19 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

جيهان عجلان تكتب : والتفت رغما عنها مبتسمة … ”قصة قصيرة ”

جيهان عجلان
جيهان عجلان

كانت عائدة بعد المغرب من زيارة عائلية بالعيد فضلتْ ركوب القطار ، كم هو جميل رغم توافر وسائل الانتقال الكثيرة ، ولكنها تجد في ركوب القطار الذي بمدينتها جمالا يشعرها بمتعة ،ويأخذها لتلك الأيام التي كانت فيها جديلتها مسترسلة على ظهرها بتلك الشرائط الوردية الزاهية ،وفستانها الذي كانت ترتديه بالعيد ويشبه فستان العرائس الجميل ،وهى ذاهبة للنزهة بالعيد مع أسرتها مستقلين القطار لتلك الحدائق العتيقة من زمنها الجميل، فالقطار يمثل لها عبق الأمس الجميل ، فكانت دوما تحب الجلوس بجوار النافذة ؛لتشاهد كل المدن الذي يمر عليها القطار، انتظرتْ قدوم القطار في محطته وكل شئ بالمحطة يتحدث عن الأمس ، ربما تغيرت ملامح المكان ،ولكن هناك ذكريات في كل ركن رغم هذا التغيير ،فهنا بين تلك المقاعد كانت تجري بالأمس وتلعب هي وإخوتِها ، وهم جميعا بانتظار القطار كانت تجري فرحة بجدائلها التي تجري ورائها ،وهذا بائع الترمس الذي ينادي على بضاعته وهذا ينادي على الحلوى ، وهذا ينادى على المشروبات المثلجة كم كان هذا العمر حقا جميلا ! لحظات وجاء القطار الذي كانت تنتظره استقلتْ تلك العربة التي توقفت أمام وقوفها ،القطار مزدحم بالكبار والصغار فهي أيام العيد أيام الفرح وتبادل الزيارات بين الأهل والأقارب والأصدقاء ، فركاب القطار أغلبهم من الطبقة البسيطة الكادحة ،وهناك من يظهر عليهم يسر الحال ، ولكنهم ربما يفضلون أيضا ركوب القطار ،وبرغم قسوة الحياة لم ينسى هؤلاء فرح النفس والترويح عنها بنزهة ولو بحديقة عامة ، فالكل عائد منهك من يوم يبدوا من ملامحهم وملابس الأطفال غير المهندمة ،والذين يتمددون بجوار أمهاتهم غارقون في النوم انه كان يوم مليئا باللعب والمرح الذي أنهك هؤلاء الأطفال ، وتلك الحقائب التي يضعون فيها ألعابهم ،والبالونات المنتفخة والملقاة بين الكراسي ساقطة من أيدي الأطفال بعدما غلبهم النوم ، الكل عائد من رحلة ما ، الكل يحمل ملامح توحي بقصص من قسوة الحياة يرسم صورة ابتسامة على ملامحه ؛ليخبر إنها أيام من الفرح من العيد والبهجة ، فالجميع يسرق من خزانة الفرح ولو ابتسامة ؛ليشعر فقط بالسعادة ، صورة رائعة من صفحة الأمس لهذا العمر الطويل .

ذهبت بخيالها في دقائق لتلك الأيام وكأنها هناك لم تبرح تلك الأماكن الشاهدة على أحلام طفولتها ، وجاء بائع الحلوى ونهض بعض الأطفال يهمسون في أذن أمهاتهم وآبائهم ؛ ليشترون لهم الحلوى فهناك من استجاب وهناك من همس لهم بالصمت وإنهم عائدون للبيت وإن هناك كثير من الحلوى ، ولكنهم لم يرتضون وانهمرت الدموع من أعينهم البريئة وكأن الحلوى كنزهم الثمين وأمام الدموع يرضخ الآباء رغما عنهم لطلبهم ،وسرعان ما تجف الدموع وترتسم الابتسامة على وجوه الأطفال ، كل هذا وهي جالسة في صمت تبدو على ملامحها وهيئتها الاختلاف عمن حولها ،و من يجلسون مقابلها يختلسون النظرات إليها وهى ناظرة في صمت غائب عن الوجود المادي ،وكما لو كانوا يتساءلون ما الذي جعلها تركب قطارنا ، لا يعلمون أنها منهم وفيهم وداخلها يشبههم وأنها رأت فيهم أيام كانت من أجمل أيام العمر، وكان على الكرسي المجاور لها حوار طويل تحمل كلماته الحب والمودة والعطف والدلع و الدلال ،طفلة وأبيها وأمها وإخوتِها يجلسون بالمجاور ، لم تقصد أن تسمع ،ولكن نبرات صوت الكلمات الجميلة رغم همسها جعلتها تسمع ما لا يكاد أن يسمع من شدة همس الطفلة لأبيها كانت غاضبة وهو يدللها ويرضيها يقبلها ويحملها على رجليه رغم أنها لست بالصغيرة لهذا الحد ،فهي تبدو في العاشرة من العمر ،ورغم ذلك يحملها الأب على رجليه محاولا إرضائها من شئ يغضبها ،تارة تبتسم من كلمة يهمس بها الأب بإذنها كما لو كان يمنيها بهدية ، وتارة تبكي كلما تطلعت لأمها هنا أدركت أنها ألام وإخوتِها سبب هذا الغضب ، ثم عاد بائع الحلوى وهمت الأم ؛ لتشترى دون طلب الأبناء ، وناولت ابنتها الغاضبة واحدة مما اشترت ولكنها رفضت متدللة بغضبها تدس رأسها في حضن أبيها ، تلتمس جرعة من الحب والأمان ، فتساءلتْ لماذا لا يكمل الإباء بعضهما البعض ؛لتكتمل منظومة الحب الأبوي ولا يكون هناك تفضيلا فكلاهما جزء من هذا الابن أو هذه الابنة ؟، كانت البنت تعلم أنها موضع اهتمام الأب لهذا تدللت وزادت في دلالها ، وكما لو كانت تقول لأمها أني أحب أبي أكثر منك ِ أنه تصرف عفوي طفولي لكنه يؤلم وغير مدرك من الطفلة ، فهو يحتاج لإعادة نظر من كلا الأبوين يحتاج لتوازن وأن يفهم كلا الأبوين أنه لابد أن يكملا الصورة سويا ؛ليكتمل برواز الحب الأم والأب جزاءان يكتمل بهما الأبناء ، حاولت الأم أن تفهمَ ابنتها أنها تحبها كثيرا وما نهرتها إلا لخوف عليها انتقلت بجوراهما لتلتصق بهما هامسة أنت حبيبتي يا صغيرتي المدللة ،وهنا سارعت البنت بطفولتها تلف ذراعيها معانقة أمها ،لتخبرها وهى تبتسم بحبك قوى يا ماما ، فأعلن الأب ضحكة رائعة ؛ ليخبر دون كلمات هنيئا لكم بالتصالح، وأخرجت الأم الحلوى من حقيبتها ؛ لتطعم طفلتها وهى تضحك ، التفتْ رغم عنها لتلتقط بعينها صورة رائعة للحب البسيط غير المتكلف للطفولة المدللة ورعة الأب المحب ،وحرص الأم ألا تظل ابنتها غاضبة حتى ولو كانت هي على حق مما فعلت فطرة الأمومة غلبت كل المحظور في كل طبقاتها فهي لا تعرف مستويات ، ويظل القطار ينتقل من مدينة إلى أخرى وفى كل محطة ينزل جماعات من الناس ويصعد آخرون وكلٌ معه حكاياتٌ تروى من محطة لأخرى ، وهى تلتقط صور من الذكريات كامنة في جعبة الأمس ، وقبل أن يحن موعد نزولها من القطار لمحت باع الحلوى في أخر العربة فنادت عليه ،نظر إليها من يجلسون مقابلها باستغراب وكأنهم يتساءلون لماذا تشتري هذه السيدة الحلوى وليس معها صغار؟ وهل هي الحلوى فقط للصغار يا سادة تجيب في صمت مبتسم ؟، ولكنها التفت مبتسمة ؛ لتناول الطفلة وإخوتها الحلوى ، ولكن رغم بساطة الحال التي تبدوا على مظهرهم أبوا أن يأخذوا منها الحلوى وهم يبتسمون ابتسامة خجل فقد تربوا على عزة النفس ألحت عليهم فأشار الأب والأم مبتسمين لهم أن يأخذوا منها الحلوى فأخذوها فارحين ،وكأنها هدية ثمينة نظرت إليهم شاكرة بلا كلمات بابتسامة شكرا ، وكأنها تقول شكرا على كل الحكايات التي عشتها من الأمس، وكانت بعمق النسيان راقدة بلا حراك والآن جاءت بلا موعد وهمت واقفة ؛لأن محطتها القادمة ،والتفت مرة أخرى رغم عنها ،مبتسمة لهم وكما لو كانت تريد أن تقول بابتسامتها شكرا لكم ،ونزلت دون كلمات تلوح دون تلويح لكل الحكايات ، فليس لها مودعا إلا تلك الابتسامات ،فهي كانت وحيدة مؤنسها صور من الذكريات . "والتفت رغما عنها مبتسمة "