جريدة الديار
السبت 20 أبريل 2024 05:44 صـ 11 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

نظرة تاريخية على السياسات الأقتصادية للبنك المركزي المصري وخفض سعر الفائدة وأثرهما علي الأقتصاد المصري

أيمن الزيني -ارشيفية
أيمن الزيني -ارشيفية

تضاربت أراء الخبراء حول قرارالبنك المركزي المصري حول تخفيض أم تثبيت سعرالفائدة وجدوى كل منها وهناك اراء رأت من ضرورة تخفيض سعرالفائدة لما لذلك من انعكاسات ايجابية على تحقيق نمو الاقتصاد الوطني ولاسيما من ظهور العديد من المتغيرات التي تمثل مناخ مناسب لهذا القرار من تراجع معدل التضخم بشكل ملحوظ .

وعلى النقيض من ذلك يرى فريق اخر من الخبراء الاقتصاديين ضرورة تثبيت سعرالفائدة لمالذلك من جدوى اقتصادية وقد قام الدكتور"أيمن رمضان الزيني "الخبير الاقتصادي بحل هذا الخلاف بتقديم نظرة اقتصادية تحليلية تاريخية لسياسات البنك المركزي المصري النقدية واهدافها .

أوضح الدكتور ايمن رمضان الزيني الخبيرالاقتصادي قائلا :

في الوقت الذي اتجهت فيه البنوك المركزية في عدد كبير من الدول الصناعية إلى تعديل أهداف سياساتها النقدية وتحسين الأدوات التي تستخدمها لتنفيذ هذه السياسات، زاد التوجه نحو تدعيم استقلالية البنوك المركزية بما يمكنها من تحقيق تلك الأهداف ليس فقط بدرجة أكبر من الدقة والفعالية ولكن أيضا بمزيد من الشفافية والإفصاح.

فمن سياسات نقدية مباشرة تستهدف متغيرات نقدية targeting money تحولت عديد من البنوك المركزية إلى أستخدام السياسات النقدية غير المباشرة التي تستهدف السيطرة على معدلات متفق عليها للتضخم targeting inflation في تلك الدول.

ومن سياسات نقدية تتأثر كثيراً بالسياسات المالية في بعض الدول إلى أستقلالية أكبر للبنوك المركزية في تنفيذ السياسات النقدية وأتفاق كامل حول أهداف السياسة الاقتصادية للدولة.

ومن أدوات تقليدية حكمية لتنفيذ السياسات النقدية تنحصر في سعر الخصم ونسبة الأحتياطي القانوني بالإضافة إلى تحديد سقوف لمعدلات نمو الائتمان وتحديد أسعار الفائدة المدينة والدائنة، أختلف الوضع إلى الأعتماد الأكبر على التأثير غير المباشر في المؤشرات السعرية والتطوير المستمر في الأدوات التي تستخدمها السياسات النقدية في تحقيق فعاليتها.

ومن التكتم الشديد على أهداف السياسات النقدية، إلى الإعلان الواضح والصريح بداية عن الهدف الذي تسعى السياسات النقدية إلى تحقيقه كل عام.

وساعدت هذه التطورات وتجارب تطبيقها في الدول الصناعية وفي بعض الاقتصاديات الناشئة إلى التوصل إلى مبادئ عامة للممارسات السليمة في مجال رسم وتنفيذ السياسات النقدية تسترشد بها البنوك المركزية على مستوى العالم.

ومرت إدارة الاقتصاد المصري بالعديد من التطورات على مدار سنوات ليست قصيرة، وكان من الضروري أن ينعكس أسلوب إدارة هذا الاقتصاد على السياسات الاقتصادية المطبقة بما في ذلك السياسة النقدية.

فمن أقتصاد موجه لا تعتبر فيه أسعار السوق موجها ومرشدا للقرارات الاقتصادية، إلى أقتصاد مفتوح يعتمد أعتماداً كبيراً على قوى السوق والمؤشرات السعرية الناتجة عنه.

ومن أقتصاد تمتلك فيه الدول نواصي قوى الإنتاج وموارد الثروة، إلى أقتصاد يلعب فيه الأفراد إلى جانب المنشآت الخاصة الدور الأكبر في اتخاذ القرار الاقتصادي. وقد انعكس هذا التغير على إستراتيجيات السياسة النقدية ومتغيراتها المستهدفة وأدواتها.

وأتسمت إدارة الاقتصاد المصري فيما قبل عام 1991 - وعلى الرغم من تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي بدءا من عام 1974 -بالأعتماد على أسلوب التوجيه المركزي وضعف الأعتماد على قوى السوق ومؤشراته.

وأستندت إدارة الاقتصاد إلى ملكية الدولة للغالبية العظمى من وسائل وأدوات الإنتاج في مختلف الأنشطة الاقتصادية ،ولذلك اتسمت أسواق النقد والمال وأسواق الائتمان خلال تلك الحقبة بالجمود والبعد عن التخصيص الكفء للموارد الاقتصادية نتيجة لعدم الأعتماد على قوى السوق والمؤشرات السعرية، وأخيرا مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص في التمويل.

لم تخرج إدارة السياسة النقدية في ذلك الوقت عن الإطار العام الذي يحكم فلسفة إدارة الاقتصاد المصري.

وعلى الرغم من أن مسؤولية البنك المركزي المصري تمثلت (منذ صدور قانون البنوك في عام 1957 وتعديل دور البنك طبقا للقانون رقم 120 لسنة 1975 بشأن البنك المركزي والجهاز المصرفي) في تنظيم السياسة النقدية والائتمانية والمصرفية والإشراف على تنفيذها وفقا للخطة العامة للدولة، بما يساعد على تنمية الاقتصاد القومي واستقرار النقد المصري.

وفي مجال رسم وتنفيذ السياسة النقدية كان للبنك المركزي الحق في أتخاذ ما يرى أتباعه من وسائل مثل التأثير في توجيه الائتمان من حيث كميته ونوعه وسعره وكذا أتخاذ التدابير المناسبة لمكافحة الاضطرابات الأقتصادية أو المالية العامة والمحلية، ومعاونة الأجهزة الحكومية المعنية في رسم الخطط المالية والاقتصادية للدولة وإدارة الأحتياطيات الدولية من الذهب والنقد الأجنبي وإدارة الدين العام نيابة عن الحكومة ، إلا أن التطبيق أستند إلى أستخدام السياسة النقدية المباشرة واستهداف النقود targeting money دون وضوح كامل للعلاقة بين الهدف الوسيط M2 والهدف النهائي وهو تحقيق استقرار الأسعار.

و يضيف " الزيني " أن أستخدم البنك المركزي المصري أدوات مباشرة في تحقيق هدف السياسة النقدية مثل التحديد الحكمي والإداري لأسعار الفائدة ووضع سقوف ائتمانية، كما أستخدم أيضا بعض الأدوات التقليدية غير المباشرة مثل نسبة الاحتياطي وسعر الخصم لتوجيه وحدات القطاع المصرفي. ولعلأخصها :-

1-أسعار الفائدة والخصم:-

حيث يستخدم البنك المركزي المصري لسعر الفائدة كأداة من أدوات السياسة النقدية منذ عام 1975، بعدما أجاز القانون رقم 120 لسنة 1975 للبنك المركزي المصري تحديد أسعار الخصم وأسعار الفائدة المدينة والدائنة دون التقيد بالحدود المنصوص عليها في أي قانون آخر، حيث كانت نصوص القانون المدني المصري تضع سقفاً على سعر الفائدة تلتزم البنوك بعدم تخطيه.

وأتبع البنك المركزي المصري عقب تعديل قانون البنك المركزي سياسة التدرج في رفع أسعار الفائدة لتشجيع الادخار، وللمساعدة في حصول المودعين على أسعار فائدة حقيقية موجبة.

وفيما يتعلق بأسعار الفائدة على الإقراض، حدد البنك المركزي أسعار فائدة متمايزة لكل قطاع من قطاعات النشاط الاقتصادي بغرض تشجيع وتوجيه التمويل نحو القطاعات الإنتاجية والحد من النمو في الائتمان الاستهلاكي والتجاري.

ولم يقتصر التدخل في تحديد أسعار الفائدة على مجرد وضع الحدود الدنيا والقصوى لأسعار الفائدة المدينة، بل تعداه إلى التمييز بين القروض بحسب آجالها بهدف حفز الجهاز المصرفي لتقديم التمويل للآجال الطويلة بغض النظر عن أن طبيعة البنوك التجارية تفرض عليها أن تكون مواردها قصيرة أو متوسطة الأجل. وقد استثنيت شركات تجارة وتصدير الأقطان، وعمليات التصدير، وأنشطة الإسكان الاقتصادي من الحدود الدنيا سالفة الذكر.


أما سعر الخصم الذي يحدده البنك المركزي المصري فكان يحدد موسمياً وفقاً لمقتضيات تمويل القطاع المصرفي لمحصول القطن الذي كان يمثل في تلك الحقبة المحصول الرئيسي للقطاع الزراعي، والمصدر الرئيسي للنقد الأجنبي للبلاد بأعتباره المحصول التصديريالأول ، فكان سعر الخصم يخفض في مواسم جني المحصول وتسويقه، ثم يرفع في باقي الفترات.

لم يقتصر التدخل في سوق الائتمان المصرفي فقط على التحديد الحكمي لأسعار الفائدة، لكن تعدى الأمر ذلك إلى تحديد سقوف لمعدلات نمو الائتمان المصرفي، وذلك من خلال قيام البنك المركزي بتحديد حجم التوسع المقبول في قيمة الائتمان خلال فترة زمنية معينة، وتوزيع هذا الحجم على البنوك بحيث لا ينبغي لأي بنك تجاوز قيمة الائتمان المقدرة له.

وبدأالبنك المركزيالمصريفياستخدامهذهالأداةفيعام 1974، كما نشط أستخدامه خلال عام 1976 وفي محاولة لضبط معدلات نمو الائتمان الخاص كأحد عناصر الأصول المكونة للسيولة المحلية، وذلك عليأعتبار أن صافي المطلوبات من الحكومة وصافي الأصول الأجنبية هي من المتغيرات التي لا يستطيع البنك المركزي التأثير فيها بشكل مباشر.

ومع بداية يونيو 1988 ،عدلت سياسة السقوف الائتمانية سالفة الذكر، بحيث تم وضع تلك السقوف في شكل علاقة بين نسبة القروض إلى الودائع، وأصبح لا يجوز لأي بنك أن يمنح عملاءه من شركات القطاعين العام والخاص ما يزيد عن 60 %من أرصدة ودائع هذين القطاعين.

وإلى جانب ذلك أستمر البنك المركزي في تحديد سقف لمعدل نمو الائتمان الخاص قدره 8 %سنويا دون أن ينطبق هذا السقف على معدل نمو الائتمان الموجه لشركات القطاع العام.

سعر الفائدة هو أداة رئيسية للبنوك المركزية لضبط السياسة النقدية للبلاد، ويقصد بسعر الفائدة في هذا السياق "سعر الأموال" .

وتحدد البنوك المركزية سعر الفائدة الأساسية، وهو كلفة الاقتراض ما بين البنوك، علي حين تقوم البنوك والمؤسسات المالية بتحديد سعر فائدة على القروض والمدخرات استناداًعلي سعر الفائدة الأساسية هذا.

ويشيرالزيني الى دوافع البنك المركزي في خفض أو رفع أسعارالفائدة موضحا:

يرفع البنك المركزي الفائدة في حال أرتفاع نسبة التضخم في الاقتصاد (زيادة أسعار السلع والخدمات) ، والذي يؤدي لرفع سعر الأموال الذي ينعكس علي تراجع الاقتراض للأشخاص والأعمال ، بما يقلل من الإنفاق والطلب على الاستهلاك فينخفض التضخم.

ويخفض البنك المركزي الفائدة في حالة الركود الاقتصادي بما يؤدي لأنخفاض سعر الأموال،
فيزيد الاقتراض وبالتالي تزيد معدلات الإنفاق الاستهلاكي فينتعش الاقتصاد فيخرج من الركود
.

ولاتسير الأمور دوماً وفقاً لهذه المعايير النظرية ،حيث تتداخل عوامل أخرى تأخذها السلطات النقدية في الاعتبار عند تحديد سعر الفائدة إلا أن الأهم هو مؤشر التضخم أو الركود.

لا يظهر تأثير التغير في سعر الفائدة على الفور، بل يحتاج إلى نحو عام علي الأقل حتي يبدأ تأثيره في الظهور على الاقتصاد والأفراد. ورفع سعر الفائدة يترتب عليه رفع كلفةالأقتراض ،بما يؤدي لخفض قيمة الأستثمارات وتقليل الأنفاق الأستهلاكي للأفراد ، فيصبح قرض السيارة أو البيت –علي سبيل المثال - أعلى أقساطا فيتردد الفرد في الشراء، ويصبح تمويل المشروعات أعلى كلفة فتقلل الأعمال الأجور والوظائف ، والعكس صحيح عند خفض أسعار الفائدة.

من ناحية آخري يؤدي رخص الأموال لفتراتطويلة لظهور فقاعة في الاقتصاد ، وكلما تضخمت كان انهيارها أشد إيلاما.

ويتناسب رفع سعر الفائدة أو خفضهعكسياً مع سعر السندات (التي تصدرها الشركات والدول للاقتراض من أسواق المال)

ويشيرالزيني الى تأثيرات رفع او خفض أسعارالفائدة على الاقتصاد المصري موضحا

من التأثيرات غير المباشرة لرفع سعر الفائدة أرتفاع سعر صرف العملة المعنية، والذي يؤدي لأنصراف المستثمرين بعيداً عن أسواق الأسهم والسلع إلى أسواق العملات، والعكس صحيح أيضاً.

2-نسبة الاحتياطي :-

ويعد أستخدام هذه الأداة غير المباشرة في تنفيذ السياسة النقدية في مصر الأقدم من بين الأدوات التي طبقها البنك المركزي المصري للسيطرة على قدرة وحدات الجهاز المصرفي المصري على منح الائتمان.

فالبنوك المصرية ملتزمة وفقا لأحكام قانون البنوك والائتمان رقم 163 لسنة 1957 بالأحتفاظ لدى البنك المركزي المصري – وبدون فائدة- بنسبة من ودائعها يحددها الأخير كماًونوعاً.

وعلى الرغم من أنه لم يتم تعديل هذه النسبة لفترات زمنية طويلة وظلت محددة بنسبة 20%، إلا أنه أعتبارا من مارس عام 1979 أجريت تعديلات شاملة على هذه النسبة شملت رفع النسبة إلى 25 %من المتوسط اليومي لأرصدة ودائع عملاء البنك بالجنيه المصري خلال الشهر، مع إجراء بعض التعديلات على بسط ومقام حساب النسبة ، وتمثل بسط النسبة في النقدية بالجنيه المصري والأرصدة بالعملات الأجنبية التي لا يتقاضى عنها أرباح.

3- جذب الودائع طويلة الأجل:-

الجدير بالذكر أن نسبة الاحتياطي كانت تعدل أيضا أثناء فترات التمويل الموسمي لمحصول القطن بغرض تمكين البنوك من توفير السيولة اللازمة لتمويل احتياجات شركات تجارة وتصدير الأقطان.

4- عمليات السوق المفتوحة :

ولم تمارس قبل تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي عمليات السوق المفتوحة بالمعنى المتعارف عليه ، سواء بشكل صريح أو منتظم فيما عدا بعض عمليات بيع وشراء النقد الأجنبي للبنوك لأغراض تشغيلية، كما لم تمارس عمليات التدخل في سوق الأوراق المالية الثانوية لبيع وشراء السندات الحكومية وأذون الخزانة العامة لضبط مستوى السيولة لأنحسار فعالية تلك السوق من ناحية، ولعدم وجود سندات حكومية وعدم الاعتماد على الأذون في تمويل العجز الموسمي للموازنة العامة للدولة من ناحية أخرى.

5-التسهيلات القائمة facilities standing :-

ومارس البنك المركزي أسلوب إقراض البنوك لمدة عام بسعر الإقراض والخصم مقابل ضمانات يحددها مجلس إدارة البنك المركزي المصري، كما كان يمارس بشكل انتقائي وبدون إعلان مسبق سياسة قبول الودائع من البنوك لمدد قصيرة.

وفي مجال أسعار الفائدة ، اتسمت أسعار الفائدة بالثبات وعدم الأعتماد على قوى السوق، مما جعل هيكل سعر الفائدة في تلك الحقبة مشوها بدرجة كبيرة ، ولم يؤت أثره على معدلات نمو الائتمان .

والواضح أن تحديد أسعار الفائدة على النحو الذي سبق إيضاحه كان يخدم أساسا أهداف التنمية الأقتصادية التي ترسمها الخطط الخمسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تمثل الأساس في توجيه الطلب الكلي سواء أستهلاكياأوأستثمارياً.

وفي مجال نمو الائتمان المصرفي تأثر معدل نمو الائتمان الإجمالي بشكل كبير بالائتمان الموجه للحكومة والقطاع العام.

ويستطرد الزيني حول تقييم السياسة النقدية المالية للدولة موضحا ان :

أنتهت نتائج بعض الدراسات في ذلك الوقت إلى أن هناك تبعية كاملة من السياسة النقدية للسياسة المالية للدولة، مما أدى إلى عدم فعالية السياسة النقدية في مصرفي مجال الإزاحة out-crowding زاحمت الحكومة والقطاع العام والهيئات الحكومية القطاع الخاص في حجم الائتمان والتمويل المقدم من القطاع المصرفي، وبلغت نسبة نصيب الحكومة وتوابعها إلى إجمالي المطلوبات في عام 1975 نحو 3.74 .%وفي الفترة السابقة لتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي بلغت حصة الحكومة في الزيادة السنوية لإجمالي المطلوبات من القطاعات المدينة نحو 4.52 %في عام 1988 .

وإذا ما أضيف إلى الدين الحكومي مديونية شركات القطاع العام، فستصل الحصة
إلى 7.71 %.

وخلاصة ذلك أن التمويل المصرفي للمالية العامة قد أزاح نمو التمويل المتاح للقطاع الخاص قبل تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي (أبو العيون 1988 .(

وفي مجال سعر الصرف اتصفت سوق الصرف الأجنبي قبل بدء الإصلاح الاقتصادي بالانقسام إلى عدد من الأسواق، كما اتصفت بتعدد أسعار الصرف مع تحديدها بشكل إداري.

ولم تحقق الإصلاحات الجزئية التي أدخلت على أسواق الصرف الأجنبي تغيرا يذكر في ظاهرة تعدد وأنقسام سوق الصرف الأجنبي في مصر، ولم تقض تلك الإصلاحات على تعدد أسعار الصرف.

وأجمع خبراء الأقتصاد علي أن السياسة النقدية في ظل برنامج الإصلاح الاقتصادي في نهاية عقد الثمانينيات لم تكن ناجحة ، حيث عاني الاقتصاد المصري من اختلالات هيكلية متعددة على المستوى الداخلي وعلى المستوى الخارجي.

وتمثلت الاختلالات الهيكلية الداخلية في زيادة الطلب المحلي عن قدرات الإنتاج المحلي، مما أنعكس سلباً على القطاع الخارجي في شكل أختلال في ميزان العمليات الجارية وميزان المدفوعات.

وأنعكست مظاهر هذا الاختلال المحلي على مستوى التضخم السنوي المغذى من مختلف مصادر التمويل بالعجز والذي تساهم السلطات النقدية في تمويله بمصادر غير حقيقية، حيث ندر الاعتماد على قوى السوق في مختلف الأسواق المالية بما فيها سوق الصرف الأجنبي الذي عانى من تشوهات كبيرة مستمرة على الرغم من محاولات الإصلاح الجزئية التي أدخلت عليه، وكذلك في أسواق السلع والخدمات.

وأعتمدت فلسفة الإصلاح الاقتصادي على ضرورة احتواء الطلب المحلي بناء على المؤشرات السعرية المستندة إلى قوى السوق، مع العمل على تقليص درجة تغلغل الحكومة وتدخلها في النشاط الاقتصادي من خلال تطبيق برنامج مكثف لخصخصة الملكية العامة لوسائل الإنتاج، وتحسين أسلوب إدارة المالية العامة للدولة وتمويل العجز في الموازنة العامة للدولة.

وحتى يتحقق هذا الهدف كان من الضروري البدء في تحرير الأسواق المالية وأسواق السلع من التشوهات التي اعترتها، فحررت أسواق النقد والصرف الأجنبي من القيود الإدارية، وحررت أسعار السلع من خلال تقليص القيود السعرية ونظم التقنين الإداري في توزيع السلع، وفتح الباب أمام مشاركة القطاع الخاص في مختلف نواحي النشاط الاقتصادي.

ويمكن أيجاز السياسات الأصلاحية لسوق النقد والائتمان فيما يلي:-

  1. تحرير أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض بالبنوك من أية قيود، وقد استلزم هذا الوضع إدخال تعديلات تشريعية على قانون البنوك والائتمان للنص على حرية البنوك في تحديد أسعار الفائدة المدينة والدائنة، وحريتها في تحديد أسعار كافة الخدمات المصرفية دون تدخل مباشر من البنك المركزي المصري.
  2. رفع كافة السقوف الائتمانية التي كانت سائدة على معدلات نمو الائتمان بكافة أنواعه، مع التحول إلى السيطرة على النمو الائتماني بأستخدام أدوات السياسة النقدية غير المباشرة. ٣- أستحداث أسلوب تمويل العجز الموسمي في الموازنة العامة للدولة من خلال مزادات أذون الخزانة العامة بآجال تتراوح بين 91 يوم كحد أدنى وعام كحد أقصى.

٤- ربط سعر الخصم لدى البنك المركزي بأسعار الفائدة على أذون الخزانة العامة لتخفيض درجة الجمود التي كان يعاني منها سعر الخصم ولربطه بتوجهات السوق.

٥- تحرير أسعار الخدمات المصرفية.

6- وباعتبار أن البنوك هي اللاعب الرئيسي في سوق النقد والائتمان، فقد تم إلزام البنوك بمعايير الملاءة المالية وفقا لقواعد لجنة بازل.

وعلى ضوء الإصلاحات الهيكلية سالفة الذكر كان ضروريا في المراحل الأولى من تطبيق الإصلاح الاقتصادي السيطرة على معدلات نمو الطلب الإجمالي باستخدام المؤشرات السعرية. ومع إحياء الأسواق المالية لتلعب دورها التلقائي في تخصيص الموارد من خلال إصلاح أسواق النقود ورأس المال والصرف الأجنبي على النحو الذي سبق ذكره، كان من المستحيل أن تعتمد السياسة النقدية على أستخدام أدوات التوجيه المباشر في تحقيق أهداف السياسة النقدية، لذلك اعتمد برنامج الإصلاح النقدي على استخدام أدوات السياسة النقدية غير المباشرة.

وأستلزم التحول نحو أستخدام الأدوات غير المباشرة في تنفيذ أهداف السياسة النقدية التي سيتم التعرض لها فيما بعد ضرورة استحداث أداة محورية للربط بين السياسة المالية والسياسة النقدية، وللاسترشاد بقوى السوق في تفعيل دور سوق النقود ، وأستقر الأمر على أستخدام أذون الخزانة العامة كأداة لتنظيم السياسة النقدية وتفعيل دورها.

ويشيرالزيني الى اسباب قيام البنك المركزي بضرورة خفض سعرالفائدة ان :

خلال العام الحال فتغيرت السياسة النقدية للبنك المركزي المصري ،بشكل ملحوظ فى ظل تراجع التضخ موالتيسير النقدي على الصعيد العالمي ، وتواجد أسعار النفط في منطقة هادئة تماماً ومواتية لأهداف الموازنة.

ولعل أهم أسباب تغير تلك السياسات تراجع معدلات التضخم السنوي في الحضر من 9.4% فى يونيو إلى 8.7% في يوليو، بينما تسارع التضخم الشهري من -0.8% في يونيو إلى 1.8%، وأظهرت معدلات التضخم لإجمالي الجمهورية نفس النمط، حيث انخفض على أساس سنوي من 8.9% في يونيو إلى %7.8 في يوليو، مع تسارع التضخم الشهري من -1% في يونيو إلى 1.5% في يوليو، كما أنخفض التضخم الأساسي السنوي من 6.4% في يونيو إلى 5.9% في يوليو، وتراجع على أساس شهري من 0.27% إلى 0.11% خلال نفس الفترة.

ويرجع تراجع التضخم العام في الحضر لأٔدنى مستوى له في حوالي 47 شهراً، إلى حد كبير إلىكون الزيادة في أسعار الأغذية والمشروبات – الدينامو لمؤشر التضخم في مصر – قد جاءت هادئة جداً نسبياً (مسجلًة فقط %0.5 على أساسشهري )، وهو الرقم الذي يعكس تأثير رفع الدعم الأخير.

ولاشك في ان العوامل التضخمية الأكثر تأثيراً في مصر خلال السنوات الأخيرة، تمثلت في معدلات التضخم المرتفعة نتيجة لعوامل متداخلة أبرزها أولاًتعويم الجنيه، وآثاره التي امتدت أشهراً لاحقة، ثانياً تدابير الضبط المالي وإصلاح الموازنة بمافي ذلك خفض دعم الطاقة والتدابير الضريبية المختلفة، وثالثاًعوامل مؤسسية مختلفة كمظاهر عدم كفاءة السوق وعدم كفاية الرقابة على الأسعار خاصة في الأشهر الأولى لبرنامج صندوق النقد الدولي، ما تسبب فيما يسمى بجمود اتجاه الأسعار صعوداً فقط (Downward Price Rigidity)

وقراءات التضخم الأخيرة توضح أن العاملين الأول والثالث هما الأكثر قوة، وعلى وجه الخصوص، حيث يعد سعر الصرف أقوى متغير يؤثر على التضخم سلباً أوإيجاباً، ويفسر ارتفاع الجنيه منذ أوائل عام 2019 قدراً كبيراً من أسباب (هدوء) التضخم الذي نراه حالياً.

من الجدير بالذكر أن أسعار الفائدة المصرية شهدت ارتفاعاً قوياً بنحو 700 نقطة أساس منذ تعويم الجنيه في نوفمبر 2016.

ولاشك في أن استئناف السياسة النقدية التوسعية التي بدأها المركزي في فبراير 2018، يسير في أتجاه أحتواء الضغوط التضخمية خلال النصف الثاني من 2019، خاصة وأن تسجيل مستوى منخفض جديد لقراءة التضخم العام في ديسمبر 2018 ويونيو من عام 2019 سيساعد في الحفاظ على التضخم في نطاق 14-15% خلال النصف الثاني منالعام الحالي.

وتعكس البيانات الأولية للنمو الاقتصادي احتواء الطلب المحلي الخاص، مما يشير إلى حفاظ التضخم العام على اتجاهه صوب تحقيق هدف التضخم الجديد عند 9% أعلى أو أقل 3% في الربع الرابع لعام 2020.

ولا شك في أن خفض أسعار الفائدة الذي اشتدت الحاجة إليه سيحسن بالتأكيد الثقة في بيئة الأعمال، خاصة مع المستثمرين المحليين.

كما أن تحقيق الإمكانيات الكامنة في إقراض الإنفاق الرأسمالي سيتطلب خفضاً آخر لأسعار الفائدة ،إلا أن الضغوط على الجنيه المصري مازالت محدودة حلال العام الحالي 2019 حيث لا يزال تعافي الانفاق الاستثماري ضعيفاً.

ويعد خفض أسعار الفائدة أحد المحفزات الرئيسية التي نتطلع إليها لتحقق الاستمرار في الاتجاه الصاعد بالسوق؛ بينما يكمن المحفزين الآخريين في: تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية بنجاح وإعادة توازن مؤشرات MSCI/FTSE/EGX30 ،وخفض أسعار الفائدة بنسبة 1% يدفع السوق للصعود مع توافر مزيد من السيولة ، كما سيحافظ على نهج الانتقائية الذي بدأته الحكومةخلال العام الحالي 2019 .

ومن المتوقع استعادة عائدات سندات الخزانة نطاق أعلى من 18%، بعد بعض الضغوط الهبوطية المحدودة خلال الفترة الماضية ، بصرف النظر عن اتجاه سياسة أسعار الفائدة.

ومن الملاحط أن ارتفاع الطلب من مؤسسات محلية (وتحديداً البنوك، حاملي سندات الخزانة المصرية بشكل رئيسي) ،وذلك قبل إصدار اللائحة التنفيذية الخاصة بتنفيذ نظام المعالجة المحاسبية الجديد للدخل من سندات الخزانة، مما سيدفع العائدات للارتفاع مرة اخري.

ومع ارتفاع قيمة الجنيه، من المتوقع أن يظل سوق استثمارات أدوات الدخل الثابت المصري جاذباً وسط الظروف السياسة النقدية التشددية في الأسواق الناشئة، خاصة في ضوء تعزيز استقرار الاقتصاد الكلي، مما سيضمن تدفقات نقدية أجنبية داخلة لصالح ارتفاع قيمة الجنيه.