جريدة الديار
الأربعاء 24 أبريل 2024 02:08 مـ 15 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

د . أحمد القيسي يكتب: تغيير المضمون الفكري .. غسيل الدماغ ..!

الإنسان في الفلسفة بدأت النظرية التي بنتها الفلسفة الغربية زمن أفلاطون وأرسطو رؤية الإنسان على أنه كائن يتميز بعقله الذي هو مناط التكليف و
أساس المسؤولية والجزاء .. أي أنه كائن عاقل ولكن الفلسفة المعاصرة أحدثت أنقلاباً كبيراً في تحديد ماهية الكائن الإنساني وشمل هذا الأنقلاب تقييماً لأبعاده المعرفية وقدراته العقلية .. فهي لم تؤكد على التصورات الفلسفية السابقة للإنسان ولم تعط الأبعاد العقلية أي أعتبار .. بل على العكس قامت بتهميش هذا الجانب وأعتباره مجرد قوى لاشعورية أو غريزية ..!
ويعتبر نتشيه من أشهر الفلاسفة الذين أهتموا بإزالة العقل من موضوع التطورات الفلسفية للإنسان .. فقد رآى نتشيه أن العقل هو غريزة كالغرائز الأخرى التي من شأنها أن تبقي الإنسان على قيد الحياة ..! وتلك هي وظيفة فقط لاغير وتم أعتبار الأبعاد الغريزية المكون الأساسي والمركزي للذات الإنسانية وأن ماحصل في الثقافة الإنسانية من أضطرابات يرجع إلى تبديل وظيفة العقل وتحميله مسؤولية كبيرة مثل الحقيقة والأخلاق وهذا ماجاء في كتابه العلم المرح كما أنه قلل من القيم الإخلاقية التي يتسم بهاو وصفها في بحثه الذي أتسم ب جنيالوجيا الأخلاق على أنه اخلاق ضعف وعبودية ولاتدل على القوة والسيادة ويمكن وصف المرحلة التي تلتقي فيها أفكار التكبر والتعالي والتي تؤصل للعنصرية بأنها أشد حالات النكوص الحضاري .. لأن التقاء هذه الأفكار وأنسجامها من شأنه أن ينسفقيم التنوع بين الثقافات والحضارات المتنوعة .. خصوصاً في المجتمعات المتعددة دينياً وعرقياً .. وأجهاض لكل حالة تفاعل إيجابي بشأن الحوار الخلاق بين الثقافات .. وذلك بفعل التغذية الفكرية القائمة على أنكار الآخر والتعالي علية وعلى مكوناته الحضارية والتأريخية وصولاً لمرحلة أقصاء هويته والعمل على طمسها وهدم معالمها وهذه هي أشد حالات الأستلاب الثقافي ( Cultural alienatoin ) وهو الأساس الذي تبنى عليه المراحل اللاحقة لعملية الصراع العقلي بين الهويات عبر ترويج تعالي هذا الطرف المكوناتي على ذاك ..
ومثل هذا العمل ساد في مجتمعات عدة خلال فترة الربيع العربي الذي حل بغالبية الوطن العربي وبعض البلدان التي تدور فيها صراعات عرقية مذهبية والتداعيات التي سادت حينها بمختلف صورها العاملة على هدم الإنسان وفكره ..!
إذ تلعب عملية غسيل الدماغ والهدم الفكري للإنسان دوراً مهماً فاعلاً في تغيير وتحطيم أفكار وميول عقلية صحيحة إلى أشياء تهزم العقل والأستحواذ عليه بأفكار وميول جديدة تصب في صالح القائم بعملية غسيل الدماغ والهدم الفكري .
إذ يعتبر غسيل الدماغ سلاحاً من أسلحة الحرب النفسية ترمي إلى السيطرة على الفعل البشري وتوجيهه بغايات وأهداف مرسومة مسبقاً بعد أن يجرد هذا الإنسان وعقله من مبادئه السابقة ..! وأن مفهوم غسيل الدماغ الذي أتسع وأخذ حيزاً كبيراً في مختلف مبادئ الحياة من أعلان تجاري أو دعاية أو إجتماع وسياسة ولم يعد قاصراً على الشيوعية فقط وهم أول من أستخدموه .. بل تعدى إلى الشرق والغرب ليصبح علماً أساسياً وله تعريف عام وهو كل وسيلة تقنية مخططة ترمي إلى تحوير الفكر أو السلوك البشري ضد رغبة الإنسان أو أرادتهأ و سابق ثقافته
وتعليمه .
حيث تأخذ عملية هدم الإنسان لأفكاره ومبادئه ومعتقداته التي يتسم والعمل على تغييرها ببناء إنسان جديد وفق منظور غير المنظور الذي كان عليه وتكوين هذه العملية التي نطلق عليها غسيل الدماغ من خلال نقطتين هي :
_ الأعتراف بالكشف عن الأخطاء .
_ أعادة التعليم والتثقيف أي أعادة تشكيل الفرد في الشكل المطلوب .
وللوصول إلى ذلك جعل الفرد الأعتراف بالأخطاء والوقوف موقف العداء من أفكاره السلبقة أجمع لابد من تعريض هذا الإنسان أو الفرد وقد تكون مجتمعات لتوترات شديدة تعمل على مراحل عدة منها :

1_ عزل الفرد عزلاً إجتماعياً كاملاً وحرمانه من أية موثيرات خاصة
بالموضوعات المطلوب غسيلها في محاجر أو معاقل خاصة بهذا الشيئ والأنقطاع التام عن الفضاء الذي يحيط به وحوله لفترة طويلة لها أمد من القلق المستمر وتطبيق الأساليب الأخرى التي سنذكرها بعد ذلك ببدأ الأستجواب الطويل فيما يعترف به ويصبح يائس وتعس مما هو فيه من خلال إيهام الفرد بأن بلاده لم تعد ترفع صوتاً واحداً لأجله وأن كل من حوله تخلو عنه مما يجعله محبطاً وحيداً وبالتالي تدريجياً يأخذ مسى المحاكمة المحزنة مسلوب الإرادة تحت وطأة الظرف الصعب الذي هو فيه والحرمان والأنقطاع عن العالم الخارجي .

2 _الظغوط التي يتعرض لها والأساليب القسرية المجحفة بحقه وتعويد
الفرد لمؤثرات الجوع والعطش الشديد والتعب والأعياء والألم وأساليب
عدة تمارس ضده مثل الصدمات الكهربائية وأعطائه العقاقير المخدرة
وقسوة التعذيب وهذه جميعها تعمل على أضعاف معنوياته وقابليته شيأً
فشيأً لبدنه وعقله في التحكم بها بهدف الوصول به إلى درجة الرضوخ
والأنهيار .
3_ الإيحاء النفسي وهو أخضاع الفرد وتعرضه إلى كم هائل من الأخبار
السيئة وأشعاره بأنه لايوجد أحداً من أفراد أسرته مهتم به أو إيهامه بأنه لا مجال له غير الخضوع والرضوخ لهم والخلاص من هذه الفترة المظلمة
الحالكة التي هو فيها .
4_ عند الوصول إلى أقصى أنواع الممارسات البدنية والذهنية وغسيل
الدماغ حتماً تكون تلك المرحلة للفرد قد وصل بها إلى أنهيار معنوي
وهدم فكري وجسدي وما بين ترغيبة بالخلاص من هذه الممارسات أو
البقاء عليها مغادراً الحياة وبهذا سيكون أما ثابت أو متغير الفكر من
خلال هدم افكاره ومنهجته كاملاً ويكون قد كفر بكل المبادئ والقيم التي
نشأ عليها وبهذا أصبح عجينة وأدات طيعة من السهل التحكم بها وزرع
أفكارجديدة طارئة عل حياته وعقله وفق مناهج معتمدة .
وتعتبر الدعاية هي الثوب الجديد والحديث الذي يتماشى مع الحداثة وأنها أكبر عملية لغسيل الداغ وهدم الإنسان وفكره وبنائه يتم مزاولتها على المستوى الجماهيري وعلى مستوى الأنظمة والكيانات المجمعية ولو أخذنا تعريفاً للدعاية لمعرفة مفهومها نجد أنها هو أستخدام الأساليب المختلفة والكلمات والترويج لها لأحداث تغير مقصود في سلوك جماهيري مجتمعي من خلال مخاطبة الجانب العاطفي في النفس البشرية مع تكرار المحتوى الدعائي أكثر من مرة لكي يتم ترسيخ المحتوى في ذهن المتلقي وهناك مايحدث اليوم من بلبلة الأفكار وإثارة الفوضى الفكرية وأرتفاع سحب الدخان الأسود هو أشبه مايكون بعملية غسيل دماغ تمارس ضد شعوبنا ومجتمعاتنا ليس على المستوى الفردي فقط لا بل على صعيد مجتع كامل كبير وتعدى ذلك التطبيق لتفويت الفرصة لضم عناصر جديدة تحت لواء عقيدة التوحيد الفكري وهدم البناء الإنساني من خلال عدة أسالب وصور من الممكن أستخدامها لهذا الهدم والتغيير الفكري والعقائدي الذي يخدم صالح الطرف المقابل بالسيطرة على العقول وهدم الروح الإنسانية فيه وأزالتها ببناء أفكار جديدة ينتهجها من خلال ممارسات القسوة والأضطهاد وتحطيم كل شيئ فيه .

نسأل ألله أن يحمي مجتمعاتنا ويوفقنا جميعاً وأن يعز بلادنا وإنساننا ويعزمبادئه وقيمه وولائه لأهله وشعبه .