جريدة الديار
السبت 20 أبريل 2024 02:05 صـ 11 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

البحث فى الجذور (6).. ماذا لو لم يسقط الفرعون فى ثورة 25 يناير؟!

مبارك و 25 يناير - ارشيفية
مبارك و 25 يناير - ارشيفية

يتردد كثير أن مصرهى أم الدنيا، أرض مجيئنا إلى التاريخ، هى مولدنا وجذورنا فهى دولة أمة بذاتها، وهى حقيقة لا يمكن إنكارها مهما كانت الأوضاع الجيوسياسية غير مستقرة، فهى طبيعة عرفتها البلاد على مر السنيين والقرون.

البحث فى الجذور، ذلك المعطى فى حاجة إلى التحقق منه، ليكون ملائمًا لما نعيشة حاليًا وضرورات اللحظة، فليس تحسرًا على الماضى فالأمر يتجاوز كلمة لو"التى تفتح عمل الشيطان"... إلى التطلع لمستقبل منظور، مصحوبًا بالطموح لخلق واقع أفضل.

البحث فى الجذور سلسلة تحاول "الديار" بحثها بعمق لمحطات مفصلية فى التاريخ المصرى المعاصر ونتساءل فى سادس محطة لنا عن ماذا لو لم يسقط الفرعون فى ثورة 25 يناير2011 .

الثورات الشعبية شئ نادر فى التاريخ الإنسانى، لكن الثورة المصرية أطهرها وأكثرها تحضرًا على الإطلاق، وما يحدث لها من ردة وانقضاض حدث لكل الثورات من قبل بل أن الثورة الفرنسية حدث لها ما هو أقسى.

اندلعت الثورة، فى 25 ينايرعام 2011م، توافق هذا التاريخ مع ذكرى عيد الشرطة واستخدمت مواقع التواصل الاجتماعى كالفيس بوك، وتويتر من أجل حشد أكبر عدد ممكن من الشعب للتظاهر ضد النظام الحاكم ، ممثلًا بالرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وجميع معاونيه، ووزراء الحكومة وخاصة وزير الداخلية حبيب العادلى، وشملت أيضًا أبناء مبارك، جمال، وعلاء.

لقد شعر الشعب خلال ثورة 25 يناير أن الدولة تسير إلى المجهول، وأن النظام قد فقد قدرته فى السيطرة على الأمور، وأصبح معظم المسئولين الكبار يعملون لصالحهم, لتكوين ثروات ضخمة تذهب إلى خارج البلاد، بينما يعيش حوالى 50% من الشعب فى مستوى الفقر، ونصفهم تقريبًا تحت خط الفقر.

وكأى ثورة أخرى، سبقتها مقدمات، ولعبت الأحداث المختلفة دورًا رئيسًا فى إشعالها، فى الوقت الذى لم يكن فيه النظام الحاكم متابعًا أو محللًا لهذه الأحداث، لكى يتخذ الإجراءات الكفيلة بالسيطرة عليها، بل أن جميع المحللين السياسيين أشاروا إلى أن ردود فعل النظام كانت دائمًا متأخرة خطوة أو خطوات، بما أدى إلى تصاعد الأحداث لتصبح ثورة كاملة شملت أركان الوطن.

فى الوقت نفسه أثبتت الأحداث أن النظام الأمنى الذى كان يعتمد عليه مبارك فى التصدى لأى محاولات انقلاب ضده، كان نظامًا هشًا لم يتمكن من السيطرة على المواقف المتتالية أو حتى يتابع تطوراتها.

وتعد القوات المسلحة العامل الرئيس الذى أدى إلى تصاعد الثورة التى أطاحت بالنظام، التى لم يدرك النظام السابق أنها تربت على الوطنية، وكان تقديره خاطئًا تمامًا فى الاعتماد عليها كوسيلة لقمع للشعب إذا ثار، ولذلك، فإن موقف القوات المسلحة كان هو العامل الرئيس فى نجاح الثورة والتوجه إلى تحقيق أهدافها.

ومن الأسس المتعارف عليها فى العالم الثالث، أن أحد المهام الرئيسة للقوات المسلحة هو تأمين الشرعية الدستورية التى يعتقد البعض أنها متمثلة فى النظام، مهما كان سلوكه فى مواجهة الشعب.

ولكن فى مصر الأمر يختلف تمامًا، حيث إن العسكرية المصرية تأسست على قيم محددة، ومهام أساسية فى الحفاظ على أمن مصر وشعبها.

فعبر التاريخ اقترنت كل ثورات مصر بتبادل الثقة بين الشعب والجيش مهما كان البادئ بهذه الثورة. علمًا بأن الدستور المصرى عام 1971 يحدد فى إحدى مهام القوات المسلحة "حماية الشرعية الدستورية"، وقد أثبت تفسير هذه الحماية داخل القوات المسلحة، على أنها حماية الأمن القومى والعقيدة والتراث لمصر وشعبها، وليس أمن النظام.

وكانت القوات المسلحة تدرك تمامًا، أن النظام السابق اعتدى على مبادئ النظام المصرى بطرح قضية التوريث، واعتدى على مقدرات مصر بتبديد ثرواتها وتزييف إرادة الشعب فى الانتخابات التشريعية، وقلل من قدر مصر ومكانتها فى المنطقة والعالم.

ومن هنا نبع قرار القيادة العامة للقوات المسلحة فى تحمل مسئولية الانحياز للثورة وحمايتها وتحقيق أهدافها ضد النظام القائم.

وأيضًا فى الواقع لم يراعِ النظام القائم، أو بالأحرى لم يفهم مقتضيات النظام العالمى الجديد ولم يأخذ درسًا مما حدث لشاه إيران عام 1979، كذلك لم يتخذ الحيطة الواجبة من تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "كونداليزا رايس" عام 2006، عندما أشارت إلى "الفوضى الخلاقة" فى منطقة الشرق الأوسط.

وتحقق ذلك فعلًا يوم 3 فبراير 2011 بالضغط الأمريكى الأوروبى على مبارك "الرحيل فورًا"، ويدل ذلك على أن النظام العالمى لم يفطن إلى أن التيار الإسلامى يعد نفسه فى دول الشرق الأوسط للصعود إلى السلطة، وهو خطأ متكرر من دون مراعاة الدروس لما حدث فى الثورة الإيرانية عام 1979.

تلك المقدمة وإن طالت كان لابد منها ونرجع للسؤال ماذا لو لم يتنحى الرئيس السابق مبارك عن الحكم وواصل عناده وقمعه للمتظاهريين؟ فما الطريق التى كانت البلاد ستسلكه.

بداية كانت قد أقرت التعديلات التى أدخلت على المادتين 76، 77 من الدستور القائم عام 2005، واللتين صِيغتا بأسلوب يتعذر فيه على أى مرشح لرئاسة الجمهورية أن ينافس الرئيس أو ابنه على هذا المنصب، وبما يضمن بقاء المنصب بأسلوب ديمقراطى داخل أسرة مبارك مما يعنى انتقال سلس للسطلة من الأب للابن كانتقالها إلى بشار الأسد فى سوريا.

وكان جمال حينها يترأس لجنة السياسات والأمين المساعد للحزب الوطنى وهذا المنصب أطلق يده فى السيطرة على مقدرات الدولة والتدخل فى صياغة القرارات السيادية، بل والسيطرة على الحكومة نفسها.

ويتزامن مع الانتقال السلس للسلطة مواصلة سيطرت رجال الأعمال الذين جمعوا ثروات ضخمة على مقدرات الدولة بالكامل والتى كانت التشريعات والقوانين تصاغ لخدمة مصالحهم وعلى حساب الشعب المصرى، ومواصلتهم تهريب الأموال التى يجنوها إلى الخارج، وليس استثمارها فى الداخل.

وبالطبع كان سيتواصل تزوير الانتخابات فقد كان عصرها الذهبى كانتخابات نوفمبر 2010، التى شهدت أكبر عملية تزوير فى التاريخ المصرى، من أجل سيطرة الحزب الوطنى على الحكم، والتى أدت إلى نتائج معاكسة تمامًا حيث أدت إلى فقدان الثقة الشعبية فى النظام بأكمله.

ولكن أثبتت الثورة الشعبية فى يناير على قدرة الشعب على إقصاء نظام ديكتاتورى قمعى، وان قوة الشعب تكمن فى احتجاجه، وخروجه للتعبير عن رأيه بالشارع، وأن الجيش هو مساند قوى لتطلعات الشعب، وليس أداة بيد النظام لقمع الشعب.

والذى يبقى فى النهاية من الثورات، هى قيمها ومبادءها حتى لو أزيحت عن مسارها الطبيعى فى "الحرية والإخاء والمساواة، فى فرنسا، والعيش والحرية والكرامة الإنسانية فى مصر، حتى لو بعد حين وتلك أمانة وأخلاقيات ومبادئ حاولنا نقلها بموضوعية بعيدًا عن الحياد الذى هو غاية طوباوية ومن يدعيه واهم أو كاذب.

(العدد الورقى رقم 457)