جريدة الديار
الخميس 18 أبريل 2024 11:49 صـ 9 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

د. محمد لبيب يكتب .. حضارة الشعوب وشوارع المدن

د. محمد لبيب سالم
د. محمد لبيب سالم

إذا كانت صحة الإنسان تكمن بصماتها في الدم الدوار , فبصمة صحة المجتمع تظهر في الشوارع الدوارة.

فإذا أردنا أن نحكم علي صحة وتحضر مجتمع فما علينا إلا أن ننظر إلي حال الشوارع تماما كحكم الطبيب علي صحة المريض من خلال تحليل الدم.

فطبيا إذا أردنا أن نعرف صحة الإنسان ولو كان رضيعا فما علينا إلا أن نشمر عن كمه لنحصل علي قطرات قليلة من دم الوريد وتحليل كل ما فيها من بروتينات ودهنيات وكربوهيدرات وفيتامينات بأنواعها وكذلك الخلايا الدوارة فيه من كرات الدم الحمراء والبيضاء بأنواعها والصفائح الدموية.

وإذا أردنا أن نزيد من التحليلات لمعرفة المزيد من دلالات الصحة والمرض أخذنا عينة من البول والبراز لتحليل الميكروبات المختلفة ونسب افرازات الجسم من المواد المختلفة التي إن زادت أو قلت تضر. وهكذا أيضا الحال مع الشوارع.

فإذا أردنا المزيد من تشخيص حال أهل الشوارع وصحتهم فما علينا إلا أن نأخذ عينات من المجاري السائلة والصلبة حتي تري ما بها من مواد مختلفة تعكس صحة أهل المدينة.

ولكي تحكم علي صحة الإنسان حكما كاملا ، فالأمر ليس مقصورا فقط علي تحليل الجوهر الكامن في الدم والبول والبراز ولكن أيضا علي مظهره ليس في غُلو ما يرتدي ولكن في تنسيقه ونظافته وجماله.

وكذلك شوارع المدن ، فحال تنسيق وجمال ونظافة الشوارع وحال المرور تعكس صحة المدينة وحضارتها ورونقها ومدي ملائمتها لمعيشة أهلها في مستوي مقبول من الصحة العامة والذوق والرقي.

وإذا إحتقن الدم أو سال في أو من صاحبه بلا تدخل سريع أو علاج مناسب وفعال تهددت حياة الإنسان وقد يموت. وهكذا الحال في شوارع المدينة ، فإذا تهتكت حرمتها أو إحتقنت بمن وما فيها أو سالت منها أو فيها محتوياتها من أشياء وبشر تهددت المدينة وأصبحت عرضة للسقوط المذري بمن فيها.

وبعد هذا الطرح وهذه المقارنة بين صحة مظهر وجوهر الإنسان وشوارع المدن ، فدعونا نطرح السؤال الأول وهو: ماذا لو قمنا بتحليل المظهر والجوهر لمعظم شوارع المدن كما نفعل مع تحليل الدم والبول والبراز ومظهر الإنسان ، كيف ستكون نتائج التحليل؟. بالطبع سوف نجدها تنم عن حالة متردية تعكس حالة غير صحية تماما تنذر بأمراض عديدة تهدد حياة ساكنيها.

وإذا كان الأمر كذلك وهو واضح وجلي للعيان سواء كان من أهل الشارع أنفسهم أو من مسئولي المدن ، فدعوني أطرح السؤال الثاني وهو: إذا كان الإنسان نفسه هو المسئول الأول عن مظهر وجوهر صحته ، فمن المسئول عن صحة مظهر وجوهر الشوارع؟ بالطبع ، ومن وجهة نظري البحتة ، أري أن المسئولية تقع أولا علي المسئول الذي يحكم المدينة ثم يأتي دور أهل الشارع.

فأين إذا مسئولي المدن من حال الشوارع المذري من قمامة في كل مكان وتكسير في أرضية الشوارع الجانبية والتي تمثل الشعيرات الدموية في الجسم والتي ما إذا تحطمت أو إختنقت أصابت المدينة بالجلطات.

ناهيك عن طفح المجاري وسلوك أهل المدن في الشوارع تجاه القواعد العامة من المرور وحق الطريق وسلوك التعامل والألفاظ النابية وغيرها من مظاهر العلاقات الإنسانية. وهكذا يبدوا حال صحة الشوارع في المدن التي تأوينا كحال صحة الإنسان المريض وهو يدرك أنه مريض. تراه يحاول جاهدا أن يبقي أعضاءه وهي بيته في أحسن حال رغم إهماله المتعمد والغير متعمد في شوارع مدينته ظنا منه أنها لن تؤذي مسكنه.

ولكن الواقع المؤلم أن نهايات الشوارع تمتد بكل أمراضها إلي حجرات ومطابخ بيوتنا ، وما تفرزه بيوتنا يصب في شوارعنا. فمتي يفيق الناس والمسئولين علي علاج أمراض شوارعنا في المظهر والمخبر والجوهر قبل أن تحتضر الشوارع التي تأن ليل نهار. لماذا لا تستقيم الأمور كما في كل بلدان العالم في النظافة والمرور وحق الطريق والسلوك العام. الشارع في كل بلدان العالم هو حق الجميع الذي لا يستطيع أحد مهما كان مكانته أو ماله أو سلطانه أن يضره بأي شكل من الأشكال وإلا تعرض للقانون الصارم فورا.

الشارع هو حق أهله والبيوت هي حق ساكنيها. افعل ماشئت في بيتك ولكن التزم بقوانين الشارع. هذا هو القانون في كل بلدان العالم .

أما في شوارعنا فحدث ولا حرج من انتهاك الشارع حتي أصبح إفراز لكل سيئ ولكل مخالف وبلا رادع. امام ومرئي من الجميع. نحتاج في الفترة الحالية والقادمة أن نركز اهتمامنا علي الشارع من خلال مبادرة قومية والتي اعتبرها أمن قومي.

فلن يحدث أبدا أن يكون أهل الشارع بهذا الحال قادرون علي الحفاظ علي المشروعات القومية العملاقة التي تتبناها الدولة في عصرها الحديث. لابد من تهيئة مناخ المواطن والشارع الي مستوي هذه المشروعات القومية الكبري. نعم لا بد من إلزام الإنسان سواء كان مواطنا بدرجة مسئول أو بدرجة مواطن عامل بقوانين الشارع كحق للجميع.

فما يحدث في شوارع مدننا هو الإستثناء وما يحدث في معظم بلدان العالم هو القاعدة فلماذا نصر علي الإستثناء فيما يدين حضارتنا.

نحن مازلنا قادرين علي ضبط صحة شوارعها فقط لو بدأنا. ولأن سلوك الشعوب يتشكل بتنفيذ القانون حتي يصبح الناس هموا الأكثر حرصا علي تنفيذ القانون من أهل القانون , فعلي المسئوليين فعل كل شيء من أجل تطبيق القانون علي أهل الشارع حتي تعود اليه صحته التي فقدها أمام أولادنا وأحفادنا.

ولنحافظ نحن أهل الشارع علي صحة الشرايين والأوردة الكبيرة لمدننا والشعيرات الدموية الصغيرة لها قبل أن تحتقن وتنفجر وتصاب بالجلطات.

لا بد من النظر إلي الشارع كرمز لحضارة وطن نريد جميعا أن نتركه نظيفا لأحفادنا حتي لا يبصقوا فيه بعد أن نترك الدنيا ونرحل. نعم يجب أن نكون قدوة لأحفادنا حتي بعد رحيلنا . تلك هي عظمة الشعوب التي تعكسها شوارع المدن.

تحياتي د. محمد لبيب سالم

كلية العلوم جامعة طنطا