جريدة الديار
الثلاثاء 16 أبريل 2024 07:44 صـ 7 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

راندا محمود تكتب : الرحلة ”5”.. تعمير القلب بالحنف الإبراهيمى

القرآن الكريم هو ترجمة لما بداخلك فهو يخاطبك انت حسب درجة وعيك، أى هو لسان حال الوعى لذا مطلوب منك التركيز على داخلك، فهناك من قرأ القرآن دون أن يعى ، وهناك من رغب فى الإستنارة فتخل عن المعرفة السطحية حتى لامس وجدانه فتجلت روح الله فيه.

الانبياء هم حبل ممدود بين العالمين، فعندما تتدرج لمرحلة ودرجة وعى أحد الأنبياء فلاشك سيبق أثر المرحلة التى سبقتها بداخلك ، لأن الوعى أو الأتصال هو حلقة وصل لستوف ميزانك.

اليوم نتحدث عن مرحلة وعى ابراهيم ، إبراهيم هو الجامع لكل الصور فى الكون فهو السلم الذى يصل السموات بالأرض ، وتمثل مرحلة وعى ابراهيم البحث والعلم والشك وهى مرحلة الدعوة بالأدلة والبراهين، وهى العتبة الحقيقة لرحلة الاسراء الروحى، كما تمثل بُعد الجنة" الحب المطلق".

مرحلة وعى إبراهيم تعد أطول رحلة وعى ويحدث بها أحداث لاحصر لها و صعوبات وعوائق وهذا شيئاً طبيعياً فهى مرحلة الوصول للحقيقة، حيث ستحطم أصنامك أى برمجتك وتذبح معتقداتك البالية وتنهى شركك وتعلقاتك التى لا فائدة منها للتحرر من الموروث، وفيها ستمتلك الحجة والقوة لمجابهة الظلام.

وتتعرض فى هذة المرحلة لعملية احتراق داخلى لتطهيرك و بعدها سيحدث تغيير تام فى حياتك فهى الولادة الروحية والتى تبدأ بالسؤال وبمجرد ان تكون روحيا ستبدأ بالبحث والتعلم لتواجه بحجة وأدلة وبراهين، فى هذة المرحلة ترغب فى الإنغزال والصمت والتأمل لمعرفة داخلك والتعمق فى نفسك لإصلاح قلبك والإرتقاء من خلال جهاد النفس.

على الرغم من أن هذة المرحلة هى مرحلة الطريق إلى الحقيقة وما يتخللها من صعوبات وأحداث شاقة ومرهقة وصراعات وتذبذب، إلا إنها ليست مرحلة يقين كاملة ، حيث ستوجد بعض الأمور المشوشة التى لم تتضح ولم يتم الوصول لحقيقتها بعد وشكوك، لكن فى نهاية المطاف ستهتدى لإنها رحلة للنور الإلهى.

إبراهيم هو النفس المطمئنة والقلب السليم أى القلب الآمن ويرمز لهذة المرحلة فى القرآن الكريم ب "المسجد الحرام ، البيت ، الكعبة "، وهى مرحلة بداية تعمير القلب "حج البيت " وتنقيته من الشوائب المتراكمة ومن مشاعر البغضاء والكراهية والشر ، والقلب السليم هو الذى يستقبل المعلومات بلا تشويش، حيث ستقوم برفع القواعد مقصود بها إزاحة الوهم والقناعات لتحنف الى المسار الصحيح، فبدون رفع القواعد لن تتمكن من المواجهة والمضى قدما لإرتقاءك، حيث ستبدأ فى السماع "اسماعيل " السمع بالقلب ، ذبح المعتقدات من خلال القلب.

والمقصود بالحنف هو الميل لترك كل المعتقدات البالية والزائفة بلا تعلق وتعنى أيضاً تجنب الطريق الذى سار فيه الآخرين والبداية بطريق صحيح من خلال العرفان.

وتم وصف إبراهيم بخليل الله وهو العاشق له والذى صادق الله من خلال قلبه السليم ، فإبراهيم تمكن من معرفة ان الله داخل قلبه لأنه لم يضع بينه وبين الله صنم " اتخذوا من مقام ابراهيم مصلى " ليصبح مقام القلب مصلى للروح ليتصل بالروح حتى تطمئن النفس لتصل للنفس المطمئنة.

"فقال خذ اربعة من الطير فصرهن إليك " عرف إبراهيم من خلال العلم والبحث الاركان الاربعة التى يتكون منها الكون " نار هواء تراب ماء " ، وهذة العناصر تعمل على استقامة نفسك لتتمكن النفس من أرضها لإكتمال الرحلة الروحية حتى تشرق وتحنف لتتصل بقلبها ، فعندما تتصل النفس بالروح تقوم الروح بجذب النفس لها لتدخل فى حنفها لمنعها من الإنحراف والتيه عن الصراط.

الكوكب والشمس والقمر هم أدوات تساعدك على الوعى بلا شك ستستفيد منها لكنها ستأفل من سماءك لأن الرحلة للنور الإلهى داخلية وليست خارج نفسك ، عندما تدرك ذلك ستتوجه للجوهر " المسجد الحرام " وهو الفطرة وهى قبلة من أراد العروج لعالم الروح ".

فكان على ابراهيم تصديق رؤياه والرؤية ليست المنام كما نعرف، هى رؤية ذهنية صدقها قلبه وآمن بها دون أرضية يستند عليها حتى قام بالسؤال والبحث،فالرؤية حققها الله على أرض الواقع لأنه صدقها... يتبع.