جريدة الديار
الخميس 18 أبريل 2024 07:28 مـ 9 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

عبد الناصر محمد يكتب : جماعة الدم .. الحلقة ( ٨ ) الشيخ الذهبى .. وتفاصيل أبشع جريمة إغتيال

عبد الناصر محمد
عبد الناصر محمد

عقب صلاة عشاء يوم السبت الثانى من يوليو عام ١٩٧٧ وفى ليلة صيفية لم تخلو من نسمات هواء منعش بدأت الأمسية المعتادة فى منزل العالم الكبير فضيلة الشيخ محمد حسين الذهبى وزير الأوقاف وشئون الأزهر السابق والذى إعتاد على عقد هذه اللقاءات الدينية مع عدد من أصدقائه وبعض الجيران منذ أن ترك الوزارة فى نوفمبر ١٩٧٦ بعد عاما ونصف العام فى هذا المنصب الرفيع.

جلس الشيخ الذهبى على مقعده المعتاد فيما جلس الضيوف فوق " كنبتين بلدى " تتوسطهما منضدة خشبية تتراص عليها أكواب الشاى بالنعناع وبدأ السمر ودار النقاش حول أمور الدين وعن الفكر التنويرى الذى يتبناه الشيخ الجليل والذى إلتقت طرف الحديث وغاص فى بحر علوم الدين الصحيح الذى لا يعرف التطرف أو العنف.

سأله أحد الحضور عن سر هجومه المستمر على العديد من المفسرين أجاب الذهبى : أننى باعتبارى أستاذ تفسير فى كلية أصول الدين أريد أن أوضح أن كتب التفاسير مليئة بالعديد من الخرافات والإسرائيليات وأنه طالما دعا إلى تجديد الفكر الدينى وذلك من خلال تنقية كتب التفسير من الإسرائيليات.

سأله آخر عن كتاب التطرف الذى ألفه الشيخ أجاب الذهبى قائلا : أن كتاب التطرف يؤكد أن الدين الإسلامى يدعو إلى التسامح وليس للإرهاب وحمل السلاح بلا مبرر ولا يعترف بتلك الجماعات المتشددة التى ترتكب الجرائم بإسم الدين والدين منهم براء .. ثم توقف الشيح وسرح خياله ثم عاد للحديث مرة أخرى وقال مبتسما : أن هذا الكتاب بالطبع لم يعجب الجماعات الإرهابية فقاموا بسحبه من الأسواق حتى لا يصل إلى يد القراء ويتعرفوا على فسق وضلال تلك الجماعات وهو الأمر الذى دعانى إلى طبع نسخة ثانية من كتاب التطرف وقمت بتوزيعه على قيادات المفكرين والإعلاميين وبدأ الرأى العام يردد أفكار هذا الكتاب ويواجه أباطرة التشدد بالفكر المستنير والحجة القوية.

ولا شك أن هذا الرأى والذى سبق أن ردده الشيخ الذهبى فى العديد من المناسبات والمؤتمرات قد لاقى إستياء شديدا من جانب شجرة جماعة الإخوان ومن كل فروعها من الجماعات المتشددة.

*الجريمة سرعان ما مرت السويعات الرائعة الشيقة وإنقضت الأمسية وذهب الشيخ الذهبى بعد أن ودع ضيوفه إلى سريره لينال قسطا من الراحة حتى صلاة الفجر غير مدركا لما تخبىء له الأقدار.

صمت تام يحيط بمكان فيلا الشيخ الذهبى بشارع السايس بحدائق حلوان فجأة تتوقف سيارتين أمام باب الفيلا الأولى فيات ١٢٨ والثانية ماركة مازدا ينزل منهما عدد من الشباب المدججين بالسلاح ويظل سائق السيارة المازدا عند سيارته ليقوم بتغيير إطارها الأمانى.

٦ أفراد يتزعمهم رجل يرتدى زى ضابط شرطة يتجهون نحو باب الفيلا ويقومون بالطرق عليه بعنف فيتحول الصمت إلى صخب شديد والهدوء إلى توتر وتعم الفوضى و تنتاب من بداخل الفيلا حالة من الفزع و يقوم الدكتور محمد الذهبي نجل الشيخ الجليل بفتح الباب فيجد زوار الفجر مشهرين أسلحتهم في وجهه و يسألونه عن الشيخ بحجة أنه مطلوب لدى مباحث أمن الدولة و أنهم فرقه أمنية جاءت لتنفيذ الأمر و هنا شكت أسماء الابنه الكبرى للشيخ الذهبى في الأمر و طالبتهم بإظهار كارنيهاتهم و هو الامر الذي أزعج فريق الاختطاف و هنا خرج الشيخ الذهبي مهرولا و طلبهم بالانتظار حتى الصباح غير أن فرقة الإرهاب سرعان ما إلتفوا حوله و إقتادوه بجلبابه الأبيض الطاهر و طاقيته البيضاء و كان حافيا إلى خارج الفيلا وسط صراخ شديد من ابنته أسماء و القوا بالشيخ داخل السيارة الفيات وذهبوا به إلى مكان غير معلوم دون أن ينتظروا زميلهم الذى لم ينته بعد من تركيب إطار السيارة المازدا.

وأمام صراخ إبنة الشيخ هرول بعض الجيران إلى فيلا الشيخ الذهبى وعثرواعلى الشاب وأوسعوه ضربا إلى أن جائت الشرطة وإستجوبته ولكنه أنكر معرفته بالمجموعة التى إختطفت الشيخ.

خلال الساعات الأولى من الإختطاف لم تتمكن أجهزة الأمن من تحديد هوية الجهة الخاطفة وإن كانت هناك شكوك حول جماعة " التكفير و الهجرة " التى يتزعمها الإخوانى شكرى أحمد مصطفى.

*الأمير شكرى أحمد مصطفى هو أحد العناصر المؤثرة فى خلية سيد قطب التى قررت القيام بإنقلاب على الحكم وإغتيال الزعيم جمال عبدالناصر عام ١٩٦٥ وقد تم القبض على شكرى أحمد مصطفى فى هذا العام وعمره ٢٣ عاما وكان طالبا فى كلية الزراعة جامعة أسيوط وخرج فى العفو الذى منحه الرئيس السادات لعدد من العناصر الإخوانية عام ١٩٧٤ تزوج شكرى من شقيقة القطب الإخوانى محمد صبحى مصطفى وبعد خروجه من السجن أسس جماعة الهجرة والدعوة والتى عرفت إعلاميا بإسم جماعة التكفير والدعوة وأصبح هو أميرها وألف كتابين الأول " التوسمات" والثانى " الخلافة " يدعو فيهما إلى نشر أفكار متطرفة مثل تكفير كل من لم ينتمى للجماعات الإسلامية وهو تكرار لأفكار المتطرف الأعظم سيد قطب وإستطاع شكرى إستقطاب العديد من الأنصار والأتباع.

وفى أحد المؤتمرات سئل الشيخ محمد حسين الذهبى عن كتاب الخلافة فقال الشيخ الجليل أن صاحب هذا الكتاب لا يعرف عن أحكام الفقه الإسلامي سوى القشور وقد تسبب هذا الرأى الذى نشر فى كل الصحف فى حدوث حالة من الإنشقاق بين صفوف الجماعة وهو الأمر الذى جعل الشيخ هدفا شخصيا لتلك الجماعة الضالة.

*بيان ما هى إلا سويعات قليلة ليخرج بيان من جماعة التكفير والهجرة تعلن فيه مسئوليتها عن خطف الشيخ محمد حسين الذهبى وزير الأوقاف وشئون الأزهر السابق ووضعت الجماعة عدة شروط للإفراج عن الشيخ وهى الإفراج عن ستين من عناصر الجماعات الإسلامية المقبوض والمحكوم عليهم مع دفع فدية قيمتها ٢٠٠ ألف جنيه ونشر إعتذار بالصفحات الأولى من الصحف اليومية للجماعة مع نشر كتاب الخلافة على حلقات على أن يتم بدء تنفيذ تلك الشروط قبل حلول الساعة الثانية عشرة ظهر اليوم الأحد الموافق الثالث من يوليو ١٩٧٧.

عقب البيان بدأت أجهزة الأمن بالإتصال بمحامى الجماعة شوكت التونى وطالبته بالتدخل للوساطة مع الجماعة وبالفعل تدخل المحامى ووافقت الجماعة على مد المهلة حتى الساعة الخامسة من مساء نفس اليوم الأحد ٣ يوليو ٧٧ .

وأعلن رجل الأعمال عثمان أحمد عثمان و هو صديق حميم للشيخ الذهبى عن إستعداده لسداد مبلغ الفدية غير أن النبوى إسماعيل وزير الداخلية آنذاك رفض الخضوع لهذه الشروط. وإنقضت المهلة ولم تخرج أى بيانات جديدة سوى تأكيدات من مصادر مجهولة عن أن الشيخ الذهبى مازال على قيد الحياة.

*كشف المستور

وبعد حملات أمنية مكثفة ومداهمات لأوكار الجماعة تم ضبط كميات كبيرة من الأسلحة فى شقة تابعة للجماعة تقع فى منطقة الأندلس بالهرم وعثر مع أحد العناصر على خطاب موجه من أمير الجماعة شكرى أحمد مصطفى " أبو سعد " إلى هذه الخلية الموجودة بالشقة يتضمن الخطاب " سرعة نقل البضاعة من مكانها الحالى وإلقائها فى ترعة الزمر ".

وهنا دب القلق فى نفوس رجال الأمن الذين أدركوا أن هذه الرسالة المشفرة قد يكون المقصود بها الشيخ الذهبى وبعد ضغوط على العناصر المضبوطة علم رجال البوليس أن الشيخ موجود فى فيلا بشارع محمد حسن بالهرم وتوجه رجال الأمن إلى الفيلا وتم القبض على من فيها وقد لاحظوا وجود نقاط دماء متجمدة ومتبعثرة فى صالة الفيلا وإتجهوا إلى غرفة النوم ليجدوا الشيخ الجليل مكبلا بسلاسل حديدية وملقى على وجهة على سرير الغرفة معصوب العينين مدرجا فى دمائه بعد إصابة برصاصة قاتلة فى عينه اليسرى.

الوداع وفى يوم ٧ يوليو ٧٧ تم تشييع جنازة الشيخ محمد حسين الذهبى الذى سقط ضحية التخلف والإرهاب والعنف وراح ضحية آرائه التنويرية وخرج عشرات الآلاف من جموع الشعب لوداع الشيخ الجليل وتشييع جثمانه الطاهر من جامع الأزهر فى حضور لفيف من كبار رجال الدولة آنذاك يترأسهم محمد حسنى مبارك نائب رئيس الجمهورية.

وقد تم القبض على خلية الإرهاب وتم توضيح دور كل منهم فى العملية الغادرة لإغتيال الشيخ الذهبى وهم شكرى أحمد مصطفى " أبو سعد " واضع الخطة ماهر بكرى " أبو عبدالله " نائب أمير الجماعة .. مصدر الأوامر أحمد طارق عبد العليم ضابط شرطة مفصول.. قائد مجموعة الإختطاف مصطفى عبدالمقصود غازى " أبو توبة " منفذ الإغتيال وقد حكم عليهم جميعا بالإعدام وتم تنفيذ الحكم فى ١٩ مارس ١٩٧٨

*المراجع ملف القضية رقم ٢٠٥ لسنة ١٩٧٧ حصر أمن دولة عليا عدد صفحات ٧٥٢ صفحة كتاب " المتأسلمون " للدكتور رفعت السعيد كتاب " الثورة المضادة فى مصر " للدكتور شكرى غالى مذكرات اللواء فؤاد علام نائب رئيس جهاز أمن الدولة الأسبق الحلقة القادمة إرهاب الإخوان يغتال زعيم الحرب والسلام