جريدة الديار
السبت 20 أبريل 2024 05:18 مـ 11 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

محمد الصباغ يكتب: قصة قصيرة I الوصية

كان إعتقاله مؤشرا كاشفا لصراع السلطة الضاري بين مجموعة الحكم المتصارعون في غير إئتلاف أو وفاق ؛ رغم الظاهر أنهم كيان واحد ؛ ومنذ أن أتت قوات " البوليس الخاص" لإلقاء القبض عليه وهو الضابط غير المنحاز لأي من مجموعات الصراع فقد كان هذا مؤكدا أن الإنقلاب يأكل بعضه بعضا ، فقد كانت تصفيته المتوقعة ؛ في غير جريمة محددة ، وفي غير ضرورة لإعتقاله ، فمساحة خلافه مع مجموعة " الضباط الشبان " أصحاب السلطة ؛ الذين زامل بعضهم والذين تولي التدريس لبعض منهم أيضا ، قبل أن يصبحوا حكاما ؛ لم تكن تستدعي أن يقوموا بإلقاء القبض عليه وتقييد حريته ؛ اختلف معهم ولكنه لم يمارس الخلاف في تمرد أو تحريض أو محاولة إنقلاب ؛ وقد أصبح اعتقاله مؤشرا لديه أنهم سيصفونه بالقتل لسبب لا يعلمه ؛ ولكن بالتأكيد يعلمه الآمر بالقتل ؛ والذي سيتم بعد فترة إستجواب شكلي ؛ وبعد إجباره علي اعتراف كاذب بالإشتراك في مؤامرة ؛ طرفها أحد شركاء الحكم من بين الضباط الحاكمين أنفسهم .

كانوا قد أخذوه من منزله بلباس النوم ؛ وطوال الإستجواب تحت الضرب والإهانة ؛ ظل ساخرا ممن يعذبونه ولم يرد الشتم بشتم ؛ فقط استوقف الضابط المحقق معه مرة وقال له : هل تعلم أني ضابطا بالجيش ؟؟
قال : كنت ضابطا سابقا .
قال : بل مازلت ضابطا ؛ بل وكنت رئيسا لمن أصدر لك الأمر بإعتقالي .
قال المحقق الأمني : لدي أوامر بتصفيتك وأراك تعلم هذا وأراك ثابتا ولا تستجدي .
- "لست أنت أول قاتل ولن أكون أول مقتول ؛ وعموما في مثل حالتنا دائما القتيل أشجع من القاتل ؛ حتي ولو كان المقتول يعلم أن القتل قد تقرر فعلا ويعلم بترتيب القاتل " . ثم نظر مباشرة في عين المحقق وقال له : أريد أن تكون حياتي لها فائدة في خاتمتها ؛ بأن أوجه لك نصيحة ؛ فإن من استخدمك وكلفك بتصفيتي ؛ فسوف يستخدم آخر في تصفيتك ؛ هم قالوا لك : " لا تقلق نحن نعرف كيف نحافظ علي السر ؟ .. وحتي لو كشفه آخرون ؛ فنحن نعرف كيف نغطي علي الكشف ؟ .. وحتي لو إستخدم أحد " السر " للإبتزاز فنحن نعرف كيف نبطل قيمة هذا الإبتزاز ؟؟ " . واصل الكلام مع " الضابط المأمور " لعله يستيقظ الضمير ويكف عن عملياته القذرة ؛ التي ستعجل بالتخلص منه هو بعد أن يحرق ويكشف أمر إستخدامه لصالح مجموعة في الحكم ضد أخري : "إذا كانوا قد قالوا لك ذلك فهذا هو مؤكد لظني بأنهم سوف يتخلصون منك وأنت رجل العمليات القذرة لهم ؛ ولكن في صرعاتهم معا ؛ فهم يدعون جميعا أنهم شرفاء أبرياء ؛ أنج بنفسك بأن أكون أنا آخر العمليات التي يكلفونك بها ".

تسامرا إلي حين تأتي ساعة تنفيذ الإعدام : أوصاه عندما يطلق عليه الرصاص ألا يكون متشنجا أو خائفا أو مرتبكا . ولكن عندما نظر الضابط منفذ الإعدام في وجه الضابط الضحية المقيد اليدين خلف ظهره ؛ خالف الوصية وارتبك وتشنج وحدف الرصاص علي القلب المصلوب في ذعر وتعجل ؛ فقد تذكر نصيحته التي قالها للتو ؛ وتذكر صوت كلماته التي كشف له بها مصيره بعد أن تنتهي الحاجة لإستخدامه ؛ في العمليات القذرة ؛ التي تأمر بها المجموعة القوية التي تدير السلطة في الخفاء ودون باقي مجموعة الإنقلاب .

محمد الصباغ