جريدة الديار
الخميس 25 أبريل 2024 01:38 مـ 16 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

د . أحمد غريب يكتب : قصة قصيرة الحاج مرتجي

عجيب أمر (مرتجي)، كيف تحول في شهر واحد من (مرتجي ) إلى (عم مرتجي ) ، ثم أخيرا إلى (الحاج مرتجي )، بدأ هذا منذ ما يقرب من شهرين حين سمع أهل البلدة اطلاق النار ،فاستيقظوا من نومهم مفزوعين ، هرع بعض أهل البلدة بعد بعض الوقت الذي استهلك في استجماع الشجاعة ،يقتحمون سواد الليل المحصن بالرهبة ، كان الصوت يأتي من الطريق المهجور الموصّل إلى القرية ، وجد الناس سيارة سليم ابن الحاج مرتجي و هي سيارة نصف نقل يستخدمه في نقل محصول أرضه هو و أبيه لبيعه للتجار ، وجدوا السيارة و قد اخترق زجاجها الأمامي رصاصة ، والدماء تغطي مقعد السائق ،و لكن لا توجد جثة .

عندما أُخبر (مرتجي ) بما حدث استبد به الذهول ، مات ابنه الوحيد ، بل عائلته كلها فلم يكن له سواه، تدخلت الشرطة و قالت إنه قتل بغرض السرقة ، ولم يقم القتلة بسرقة السيارة مخافة التتبع ، وقال البعض ربما سُرقت الجثة أيضا لتجارة الأعضاء.

ظل (مرتجي ) في بيته وحيدا اسبوعا ، و يرفض ملاقاة أحد ، بعد الأسبوع بدأ مرتجي الخروج و التعامل مع الناس على استحياء، التزم بالصلاة في المسجد بعد أن لم يكن، بدأ في قراءة القرآن فلا يدع المصحف من يده، و هكذا في شهر تحول من مرتجي إلى الحاج مرتجي .

ذات صباح اختفى مرتجي و سيارة ابنه التي أفرجت عنها الشرطة ، ثم عاد إلى البلدة وحيدا، لقد باع السيارة ذات الذكرى الأليمة ـ لا ألومه أبداـ .

دخل الحاج (مرتجي) القهوة قادما نحوي ،و قد طالت لحيته ،و قال:

ـ مساء الخير يا عوض

ـ مساء الفل يا حاج مرتجي ،تفضل

ـ أريدك معي في السوق ،سأشتري بقرة ، و أريد نقلها بسيارتك ، و سأعطيك ما تريد.

ـ عيوني يا حاج.

ثم انتفض عندما رأى الشيخ (علي) شيخ السجد ،و تركني و أسرع نحوه ،فأرهفت السمع فإذا به يقول :

ـ انا ملتزم في الصلاة هذه الأيام يا شيخ (علي)

ـ ملاحظ يا حاج، ربنا يثبتك

ـ يعني هل سيحبني الله؟

ـ إن شاء الله ، أبشرْ

ـ كنت أريد أن أسأل سؤالا

ـ سل.!

ـ هل كل اللي في القرآن صحيح ؟

ـ طبعا يا (مرتجي)،هل هذا سؤال.

ـ كله كله ؟

ـ نعم يا مرتجي ... من قال غير هذا كفر هو العياذ بالله

ـ كتر خيرك يا شيخ (علي)

ثم اتجه نحوي و قال لي :

ـ غدا؟

فأومأت برأسي موافقا.

أرهقني كثيرا الحاج مرتجي فقد عاين ألف بقرة أو يزيد و لم تعجبه أحدها ، حتى أنه ذهب لبعض المزارعين ـالذين لا يريدون بيعا ـ في بيوتهم ليرى أبقارهم ، حتى وجد مبتغاه ، كانت بقرة رائعة بحق ، قال لي مرتجي :

ـ ما رأيك؟؟

ـ شكلها يفرح، ما شاء الله ،مبروك عليك.

عدنا بالبقرة إلى البلدة ،كان الليل أطل بعباءته السوداء، أعطاني مرتجي حقي وزيادة، ثم أخذ البقرة إلى بيته .

توجهت إلى القهوة كعادتي ، بعد وقت قليل جاءتني فكرة بدون مقدمات ، ربما من سرق جثمان سليم غير الذين قتلوه، لقد كان هناك مساحة من الوقت خلقها خوف أهل القرية من الذهاب إلى مكان الحادث.

هذه الفكرة التي لا سبب لها ولا تأثير خلقت هاجسا ملحا للذهاب لبيت الحاج مرتجي.

وجدت الباب مفتوحا ،و بمجرد دخولي وجدت أثر دماء على الأرض، تتبعته خائفا فوجدت مصدره تلك البقرة التي اشتريناها اليوم ،لقد ذبحها مرتجي ،و قطع من جسمها جزءا، سمعت صوتا مكتوما ،تحسست خطاي متجها لذلك الصوت ،فصدمت برائحة عفن مريعة، غطيت أنفي بكمّي و أكملت حتى وصلت إلى غرفة ،رأيت الحاج (مرتجي) يمسك بالجزء الذي اقتُطع من البقرة ويضرب جثة ـ أعرف أنها جثة سليم ـ و قد غزاها التحلل و يقول في التياع :

ـ قم .. انهض.

هل أخبرتكم أن البقرة كانت صفراءَ ،فاقعا لونُها؟!