جريدة الديار
السبت 20 أبريل 2024 08:28 صـ 11 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

قصة قصيرة I الغضب

تعبيرية
تعبيرية

كان الغضب المكتوم ؛ والذي تخلق عبر سنين من مبالاة السلطة بمجموعات الغاضبين الصامتين قد بدأ يحدث إرتجاجا في زجاجة إحتباسه ؛ حتي استطاعت حركة رجرجة الزجاجة التي يحتبس فيها الغضب أن تميل الزجاجة علي جنبها بالقدر الذي جعل الغضب يتسرب منها بعد ميلها.

وعندما خرج الغضب من الزجاجة المحتبس بها فقد تشكل بحركة الإحتباس الطويلة حين انطلق في الشوارع ؛ رفضا لسياسات النظام الذي عمل علي كتمه واحتباسه داخل زجاجةحبس الغضب لمدة سنين وكان خلالها لا يتم حبسه فقط ؛ بل وتشكيله علي الشكل المقولب والمضغوط والمسيطر عليه ؛ كان هذا الغضب الذي كان مرأيا عبر زجاج الزجاجة ؛ قد تحول خلال حبسه إلي غضب من أجل تغيير النظام الذي كان سابقا قد قام بحبسه .

عندما مالت الزجاجة التي كان محبوس فيها الغضب علي جنبها بفعل رجرجة الغضب تلمحبوس داخلها وبدأ تسربها لخارج الزجاجة فقد كانت الإندفاعة الأولي للخرزج قوية وعفية وقد انتشرت خارج الزجاجة ببكورة عافيتها وقد استمرت في تحركها اللامحدود في خارج الزجاجة دون تحديد لهوية الخروج وبدون تحديد لما يمكن أن تصنعه علي الخروج من الإحتباس ؛ علي هوية الغضب ؛ وقد استمر هذا هو حال الغضب خارج الإحتباس ؛ حتي تنبه الغضب ؛ إلا أنه لو استمر به الحال هكذا ؛ فلن تتبدد هويته فقط ؛ بلا أنه هو نفسه سوف يفني .

وعندما حدثت حالة التنبه والإستيقاظ داخل مسارات الغضب المنطلقة دون سيطرة من الغضب ؛ كانت طاقة الغضب علي وشك الضعف والوهن من استمرار إنطلاقها دون أن تحقق هدفا مما كان الغضب قد تحرك ليغيره ؛ وكان النظام نفسه قد هادن الغضب ؛ حتي يحتويه ويسيطر عليه ؛ وبعد ذلك يستغله ويحركه ؛ وبينما كان ذلك يتم ؛ بإدارة سرية عجيبة وقادرة ؛ دون أن تفصح عن شخوصها الفاعلة ؛ كان الرصاص مجهول المصدر ينطلق في الجوار ؛ يسمع صوت إطلاقه في تدافع شديد من وقت لآخر ؛ وقد جعل تكرار الظاهرة المخوفة ؛ الجميع يلتزم عدم الخروج من منزله ؛ في وقت إطلاق الرصاص وفي غير وقت إطلاق الرصاص ؛ وأصبح الكل خائفا من المغامرة بالخروج والمقامرة بالحياة ؛ بما في ذلك الغضب نفسه ؛ فبقي الكل ساكنا خائفا .

وبينما الحال كذلك وسط هذا الخوف المخبوز لمن يأكله ؛ والمتروك لمن ينجذب إليه فيقتله الخوف بسم الخوف ؛ وبينما غلالة الخوف قد بطنت بطن السماء لمن يري ولمن لا يري وتعلو الغضب في حركته ومساراته ؛ قرر الخائف الذي تخلق من داخل الغضب ؛ أن يستطلع مدي توفيقه لو أراد أن يقتل خوفه ؛ وعزم الخائف علي أن ينفذ خطة ليقتل بها خوفه وأن ينفذ أول خطوات جديتها بأن يجتذب خائف مثله ؛ ليتقوي به ويقتسم معه خوفه .

وأدرك الخائف أن الخوف حالة فردية تنكسر تلقائيا بتوحد الخائفين ؛ وحين تيقن من ذلك بدأ دعوته السرية لتجميع أكبر عدد من الخائفين من أجل أن يكسروا خوفهم ويقتلوه إن أمكن ؛ فلا توجد جماعة من الخائفين ؛ إلا وكانوا جماعة من الحمقي .

وابتدأ الخائف مع أول من استجاب لدعوته ؛ من أجل كسر الخوف داخله وقال له علي سبيل التشجيع لكي يكسرا معا حاجز الخوف المفروض علي الجمبع : " لابد من محاولة لإستكشاف مصدر هذا الإطلاق للرصاص والذي يبدو أن مصدره عربة متحركة ؛ لا مكان ثابت يحتله "قناصة" ؛ ولابد أن نبادل إطلاق النيران بإطلاق نيران لنردع المترصد لنا ولو علي سبيل الإخافة " .

تفحص المدعو لكسر حاجز الخوف داخله والذي قبل دعوة الخائف علي سبيل التجربة غير الجادة وقال للخائف : - " إذا كنت تواجه " مختلا نفسيا" يمسك بمدفع رشاش وهو محصن جيداً في مكان يستطيع منه أن يصيبك أو يقتلك لو ظهرت في مرماه ؛ فليس أمامك من مفر أن تتجنب مرمي نيرانه وإستهدافه العشواء ؛ بالبعد عنه حتي ينفد منه الرصاص".

لم يستجب لمحاولة الخروج للإستطلاع والتي يعقبها مجابهة الرصاص بالرصاص ؛ ولم ييأس الخائف "المحرض" من استمرار محاولة التحفيز ؛ حتي أطعه المستهدف فقد كانت وجهة نظر بدت مقبولة بعد طول خوف .

وقد شرع الخائف "المحفز" لكي يقوم بجولات استطلاع سريعة مع رفيقه ؛ عندما يتوالي إطلاق الرصاص ؛ ليستكشفا مكان المطلقون ويتعاملان معهم ؛ وقد كانت جولاتهما هي التأكيد بأن صوت الرصاص بدون مكان لإطلاق الرصاص؛ ومن لا مكان للإطلاق وكأن مطلقوا الرصاص " أشباح " يتخفون بمجرد السعي ورائهم .

بعد جولة الإستطلاع المشتركة ؛ جرب " الخائف " بعدها الخروج للمواجهة وحده ؛ إلي أن أصابته رصاصة شبح قناص فجأة ؛ أتت من اللا توقع ومن اللامكان والغير واضح لإطلاق الرصاص ؛ بعدما كان الخائف قد بدأ يكون اعتقادا جديدا ؛ بأن ظن أن الأشباح المطلقون للرصاص ؛ ليسوا أكثر من عابثين ؛ يلعبون بالعبث واللهو لإخافة أهل الجوار ؛ ولكن إصابته أكدت له أن إطلاق الرصاص حقيقة ورائها من يريد أن تسود الإخافة بالظن ؛ فإن لم يفلح الخوف بالظن ؛ فإن الخوف يتحقق بالقتل فيستمر الخوف فوق الجميع مسيطرا .

محمد الصباغ